قصة

شتاء معروف بركات

 

 

الرّيحُ تعوي كعواءِ الذّئابِ، وحدها الأشجارُ تحاولُ الوقوفَ أمامَ الرّياحِ، في تلكِ الليلةِ الممطرةِ، الذّكرياتُ تنخرُ في وجعِ الصّمتِ، هبّتْ أمطارٌ غيّرتْ ملامحَ النّاسِ، رسمتْ خرائطَ جديدةً على الطّرقاتِ، بركٌ وواحاتٌ منَ الماءِ…
انتظرَها كثيرًا، لكنّها تلحّفتْ بأوراقِ الخريفِ، ومضتْ كسحابةٍ خطفتْها الرّيحُ.
جلسَ في ذاتِ المقهى وحيدًا، يحادثُها يضاحكُها، كانتْ ترمقهُ منْ بينِ حروفهِ، التي يسطّرُها على الورقِ، لا يملّ منْ إعادةِ الحديثِ معها كلّ يومٍ:
كيفَ حالُكِ؟
أينَ أنتِ حبيبتي؟
تأخّرتِ…
اشتقتُ لعينيكِ…
ألم يأتِ بكِ الليلُ!!
ألم يأتِ بكِ الغيمُ!!
تناديهِ منْ بينِ الحروفِ:
أتيتُكَ وقلبي يسابقني إليكَ، أتيتُكَ وشوقي الجارفُ ممزوجٌ بأنفاسِكَ لا يعرفُ المسافةَ…
يتجرّعُ كأسَ ملامحِها، انتشتْ بهِ، تمايلتْ، توقّفَ الزّمنُ، لَملمتْ عباءَتَها وسارتْ معهُ، دسّ في جيبِ النّادلِ بضعَ دولارتٍ، لم ينتظرا الوصولَ إلى الغرفةِ، التهمَها في المصعدِ، سقطتْ العباءةُ، فبانتْ كشمسٍ خلعتْ ليلَها، ابتسمتْ بخجلٍ… ولعنتْ السّوادَ، عاقرتْ هواهُ، أهدتهُ الفرحَ؛ أهداها الحياةَ.
منذُ عامينِ وهو ثائرٌ على القدرِ، تشتعلُ في رأسهِ براكينُ الغضبِ، كلّ ليلةٍ كانتْ عروسهُ، طيفُها صدى صوتُها، ليلُ شعرِها، عطرُها هسيسُها آهاتُها، ارتشفَها تلكَ الليلةِ دفعةً واحدة،ً كلّ ليلةٍ ينتهي الحلمُ بموتِها بينَ يديهِ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى