خواطر

إلىٰ مَنْ يَهِمُّهُ الأمرُ! – خاطِرةٌ…

صاحب ساجت

كَثيرٌ مَنْ تَمنَّىٰ أنْ تُعَنونُ رسالتُهُ الجامعيةُ، أو وَثيقَتُهُ العلميةُ، أو تقريرُهُ الطّبيُّ، أو توصيةُ تنظيمِهِ السَّرّي، بهذهِ العبارةِ.
وَ قليلٌ مَنْ حَصلَ عليها، وَ افتخرَ بذٰلكَ، وَ رُبَّما إحتفلَ أو إحتفىٰ بها حينها، مَع الإسرةِ أو الأصدقاءِ.
لٰكنْ.. رُبَّ نافِعَةٍ ضَارَّةٌ!
فَقدْ روىٰ ‘إبنُ كَثير’ في “البدايةِ وَ النهايةِ” حادثةً تاريخيةً أبطالُها آخرُ خلفاءِ بَني عباس وَ وزيرُه الذي طَمَحَ بإزاحتِهِ.
مِمّا حَدَا بالخليفةِ مُحاصرةُ الوزيرِ وَ أَمرَ تفتيشَ الخارجِ وَ الداخلِ، خَوفًا مِنْ تَهريبِ رسالةٍ مِنَ الوزيرِ إلىٰ الأعداءِ بُغيةَ الإستعانةِ بِهم عَلىٰ الإطاحةِ بهِ.
مُلاحَظةٌ أولىٰ…
هٰذهِ الرُّوايةُ شأنها شأنُ الكثيرِ مِنَ الرُّواياتِ التاريخيةِ، مُختلفٌ في صدقِها
وَ تفسيرِها.
وَ نحنُ لسنا بصددِ مُحاكمتِها وَ فتحِ بابِ النقاشِ وَ الحوارِ عن مَدىٰ قبولِها أو رفضِها. فَما يَهُمُّنا هُنا هو (رأسُ المملوكِ جابر) فقط!
وَ لِمَنْ يَرغبُ معرفةَ أمرِ المملوكِ جابر، نَسوقُ إليهِ هٰذهِ الحادثةِ بايجازٍ، بِقدرِ ما يَتعلقُ الأمرُ بِموضوعِنا.
إستغلَّ- بمشورةِ أحد أصحابهِ- المملوكُ جابرٌ خَوَرَ الوزيرِ المحاصرِ، وَ عرضَ عليهِ خدمةَ حِلاقةِ شَعرَ رأسهِ ثُمَّ كِتابةِ رسالةٍ إلىٰ مَنْ يَهِمُّهُ الأمرُ!
كَي يَتمكنَ (بعدَ أن يَنموَالشّعرُ وَ يُغطّي الرسالةَ) الخروجَ مِنْ نُقاطِ التفتيشِ في حِينها. وَ الرسالةُ تَضمَّنَتْ طَلبًا مِنَ الآخرينَ.. الشُّروعُ بالهجومِ وَ نجدةُ الوزيرِ!
وافَقَ الوزيرُ علىٰ ذلكَ وَ خَتَمَ رسالتَهُ بعبارةٍ “تُقْطَعْ الرأسُ، لِطمسِ الدَّليلِ علىٰ التّعاونِ مَعكُم!”
نَجَحَتِ المَكيدَةُ وَ خَسِرَ المملوكُ جابر- مَنْ حَمَلَ مَوتَهُ تَحتَ فَروةِ رأسِهِ وَ لمْ يَدْرِ-!
خَسِرَ كُلَّ أحلامِهِ الإنتهازيةِ التي تَنحصِرُ بــ (عُتْقِهِ وَ زواجِهِ مِنْ ‘زُمرُدَة’ إحدىٰ جَواري الوزير.)
مُلاحظةٌ ثانيةٌ…
لَقدْ وَظَّفَ الأديبُ وَ الكاتبُ المَسرحيُّ السُّوريُّ – سعدُ اللّٰهِ ونوس- هذهِ الحادثةِ التاريخية بمسرحيةِ (مغامرةُ رأسُ المملوكِ جابر) في 1971 لطرحِ قَضايا سياسية، مُستخدمًا إسلوبَ الرّمزِ فيها.
أَمَّا أَنَا…
فَليَ صديقٌ ظريفٌ وَ عزيزٌ عَلَيَّ، أتحفني بِحادثةٍ واقعيةٍ طَريفةٍ، عَنْ ‘ أَبي عماد ‘، عَسَىٰ أنْ تَروقَ لَكُم، وَ أعتذرُ إذا لَمْ يَكْنْ ثَمَّ رابطٌ بَينَ الأحداثِ.
الحادثَةُ…
أبو عماد رَجلٌ كبيرُ العُمرِ، أجرىٰ عمليةً لقلبهِ، وَ سَمحَ لهُ طبيبُهُ مُمارسَةَ حياتِهِ الطبيعيَّةِ.
بعدَ مدةٍ وجيزةٍ بَدأَ ‘الشّايبُ’ يُغازلُ زوجتَهُ، رَفضتْ أمُّ عماد ذٰلك لأنّها تَخافُ علىٰ صحتِهِ!
قالتْ لهُ:- ما تتقربْ لي إلّا يَعطيكَ الطبيبُ ورقةً تؤكِّدُ السماحَ بذٰلك!
عادَ أبو عماد إلىٰ طبيبهِ، و قَصَّ عليهِ الأمرَ. الطبيبُ وافقَ و كتبَ:
– إلىٰ أمِّ عماد.. يستطيعُ أبو عماد المعاشرةَ بشكلٍ طبيعي، بنشاطٍ و حيويةٍ كما كان قبلَ عشرين سنةٍ!
أبو عماد فَهَمَ هذا الكلامَ، و قالَ للطبيبِ:- صَحيحٌ هذا الكلامُ يا دكتور؟!
قال الطبيبُ:- نَعم صحيحٌ.
اِبتسمَ أبو عماد و قالَ:
– أرجوكَ دكتور أشطبْ أسمَ أُمِّ عماد و أكتبْ (إلىٰ مَنْ يَهِمُّهُ الأمرُ!)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى