دراسات و مقالات

شاعرة الرسالة-الشاعرة العُمانية هاجر البريكي – ١٩٨٣ م

السعيد عبد العاطي مبارك

وَسهمُ عينكِ نارٌ احرقت جسدي
‏ ما أفعلُ الآن غارَ السهمُ في كبدي
‏وقفتُ كـ التيهِ ما بينَ الْوَرَى ولدًا
‏ رُدي فُـــؤَادًا تلاشى مِنْ يَـدِ الْوَلَدِ ٠
٠٠٠٠٠
أليست هى القائلة في قصيدة ‘نرجسية العشق’
:
” ضم عيوني، اني انسج احلامي، نزقا غرقا، كالليل المجنون، لا تسأل عن ماضي الجرح، فجروحي وتر فرعوني، لا تسأل، فطيور الوحدة سكنت نفسي، في اوطان سراب اليأس، أضعت على الأجداث يقيني ” ٠
في هذه التغريدة ننطلق من سلطنة عُمان التي تعشق الشعر و سباق الهجن وسط ظلال تلك البيئة العربية المفعمة بجماليات المكان و الزمان و تتبوأ المرأة في كافة المجالات مشاركة فعالة حقيقية تصنع المستقبل وتنهض بالواقع و لها حضور أصيل في الثقافة و الأدب وفنونه و لا سيما الشعر الفصيح و النبطي معا ٠
و يظل الاهتمام بشعر المرأة العمانية فقد نرى بعض الأسماء على الساحة
لبعض الشاعرات مثل :
حسينة بنت راشد و سعيدة خاطر و تركية البو سعيدية و أمينة العريمية وفاطمة الشيدي
و عائشة الفزارية، و مريم السعدي و نسرين البوسعيدي، و سميرة الخروصي، و بدرية الوهيبي، عزيزة المعشري.
و نوال آل سعيد ونورة البادية و منيرة بنت خميس المعمرية، رقية بنت علي الحارثية، وأحلام الحضرمي.
و بدرية العامرية، بدرية البدرية، هاجر البريكية، وجوهرة الشريانية و طفول زهران ، وغيرهن كثيرات ٠
ولذا نتوقف مع شاعرة مطبوعة ومسكونة بوجع القصيد ( هاجر البريكي ) في بوح يحلق بين فضاءات هذا الكون بخصائصه ومكوناته و مقوماته الفنية تغرس الجمال قيم تجسد الأصالة المنسية بين ضباب أتون الصراعات التي تجتاح العالم فتتركه أشلاء صامتة مخيفة ربما تكون الكلمة حياة توقظه من كآبة البئر المعتم تقتحم الصعاب هكذا ٠
و من ثم تغوص بالرومانسية بعبق الموروث القديم في روح حديثها تجمعها بخيوط مشاعرها حول الشوق و الحنين منغمسة في وادي الحب تجمع الآليء التي تجسد شخصيتها ورؤيتها في متتاليات لها دلالات استثنائية في سبحات الخيال بلغة تحصد الفكرة و تلقي بظلال الصورة في موسيقى تختارها في تلقائية عذبة الصدي لها جذور من وحي البيئة العربية ٠
* نشأتها:
——
ولدت الشاعرة العُمانية
هاجر بنت علي بن ناصر
البريكي عام ١٩٨٣ م بولاية صحم بسلطنة عُمان ٠
و تقيم في العاصمة ( مسقط ) ٠
و حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال ٠
حصلت على لقب ( شاعرة الرسالة ) في مسابقة برنامج أمير الشعراء عام ٢٠٠٧ م
الفوز بميدالية برنامج درب اللبوان للشعر بقطر ٢٠٠٨ م
صدر لها ديوان شعر بعنوان ( مسير ) عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت عام ٢٠٠٦ م
كما مثلت السلطنة في كثير من الملتقيات ومنها مهرجان الثريا الأول للشعر العالمي بالمملكة الأردنية ٠
و العديد من المشاركات التي تواكب قضايا العصر ٠
* من شعرها :
———
تقول شاعرتنا هاجر البريكي في قصيدتها تحت عنوان (بغدادُ تختصرُ الحنينَ على يديَّ ) وهى تذكرنا بموال بغداد للشاعر المصري فاروق شوشة صاحب برنامج لغتنا الجميلة حيث يتغني كلاهما بفرح وحزن بغداد في ترنم واستلهام للحضارة و التراث فتقول في ملحمتها الرائعة :
(1)
الشارعُ المختالُ في وجعي طويلٌ ..
ينتهي معناهُ ؛
أرصفةً مخضّبةً بماءِ القحطِ ,
لا خبزٌ يسدِّدُ بعض جوعِ اليومِ للذكرى ,
ولا فرحٌ يُراقصُ في الزوايا شرفةَ الآلامِ في جسدي ,
أنا ؛ جسدي عُبابُ البحرِ في قاموس حوذيٍّ ,
وألفُ خطيئةٍ وئدت على شريانِ سِكَّتهِ ..
وكم عصفورةٍ ذُبحت على مرمى تخومِ القريةِ الثكلى .. !!
(2)
بغدادُ تختصرُ الحنينَ على يديَّ ,
أمرُّ شارعنا الذي زرناهُ في عهدِ الرسائلِ ,
كم بريداً قد حفظنا جرحهُ الملمومَ في ظرفٍ ,
أَتَذْكُرُ كم تزوجنا بهذي الدربِ ..
كم سِرنا طريقاً نصفهُ طفلانْ !؟
تذكرُ كيف خَبَّأتَ النشيدَ الأخضرَ المجنونَ في شفتيَّ آلهةً ؟!
مَضَغْتُ اللهفةَ العَجْلى .. ضَحِكْتَ ؛
وعدتني يوماً بأن نبقى لصيقينِ ؛
تواعدنا بأن نبقى حبيبينِ !!
ومرَّ الوعد في خِدر السنين الهاجعاتِ السود كالموتِ ,
وخنتكَ بضعَ مراتٍ مع القلقِ ,
وضاجعتُ الأسى والخوفَ ..
أنت بقيت كالفانوس مشتعلاً تُضِيءُ خنادقَ النسيانِ في روحي .. !!
(3)
ب غ دادُ قد مرَّتْ على شفتيَّ ,
لم ترحلْ ..
تسامت للرحيلِ المرِّ ,
آهٍ كم عشقناها !
وأنتَ بقيت كالقنديل مهتدياً , وحُبُّكَ في بلادِ الحزن مزروعٌ كسكينٍ .. !!
فلا هو قادرٌ أن يُسعدَ الحزن الذي آوى إليهِ ,
و ليسَ بقادرٍ أن يقطع الروحَ التي عشقت جنوناً مُشتهى .
أخبرتهم أني عرفت الحب من سنتينِ ,
جربت الهوى والعيشَ من سنتينْ .. !!
(4)
– وحبيبُكِ المزعومُ أينهُ .. ؟
– (ها هنا ) قد قلتُ مغرمةً :
يعيش بكامل الأجزاءِ من روحي ,
ويسكنني كأغنيةٍ ترفُّ على الصباحِ المبهمِ المكنونِ في جرحي ..
بصندوقٍ تواعدنا ,
بريداً لو سلكنا نصفهُ قلبينِ !
لم يصغوا ؛ وظنوا أنني ضَيعتُ أحلامي على عهدٍ من القرطاسِ لن يبقى !
وتلك الدرب قد ناحت كثيراً يوم ودَّعْنا زواياها ,
تكسّر فوقها الحبرُ المرتبُ بالأنينْ .. !
(5)
و أقولُ :
ماتَ الضوءُ و انطفأتْ زوايانا ,
هنا كنا حبيبينِ !
يداكَ غرستها كالذنبِ في رَحِمي ,
حَملتُ بأكثر الأطفال تعقيداً على التكوينِ ,
أجهضتَ (الأنا) يا أنتَ ..
كيفَ أخبِّئُ الأطفالَ في جيبي ,
هنا طفلٌ من الذكرى ..
وآخَرُ من شظايانا/حماقتِنا/من الوهمِ /وقصتِنا ,
يتامى كيفَ أرضعهم بلا كَفٍّ ,
تهادن ثورةَ الأشواقِ في صدري ,
لنبقى ؛ مثلما كنّا … حبيبينِ .. !!
(6)
و أنا ألوكُ وصيةً نشوى ,
و أتلوني ..
رأيتك تحمل الأزهارَ تتبعني ,
وأركضُ عنكَ في غنجٍ ؛ وتتبعني ,
وعند بكاءِ مفترقٍ لحلميَ ,
فاضتِ الذكرى ..
ولمْ تكُ أنتَ ؛ ما كنّا .. !!
أمرُّ الشارعَ المدفونَ تحت فمي ,
أرى الماضي يحلِّق فوق أمنيتي ,
وتضحكُ أنتَ منتشياً
كأغنيتي ,
و تبكي أنتَ منتظراً لقاء المنِّ و السَلوى ,
وما كنّا .. !!
***
و ننتقل مع هاجر البريكي في قصيدة أخرى بعنوان ( أغنية اِمرأة شرقية حين يشتعل الشفق ) تجسد فيها النزعة الرومانسية في رمزية تكشف مسافات الجمال الذي يسكنها ويظل عنوانا للضياء في نزعة إشراقية :
بحثت بــداخـلـي عـنـي
حنين الـصـبـح لـلغسقِ
عـبـرت مدائنَ الأنفاسِ
زرت مـسـاكـن الـقـلـقِ
رأيت الشمس تسكنني
وبــرد مــنــابــر الألق
ولم أرجو ســوى لـيـل
يـدثــر خـاطـر الشـفـقِ
ويـكـتـم نـبـض أمنيتي
ويـحـجـب ثورة الشبقِ
عـرفــت بـأنـنـي أنـثـى
وســر خطيئتي وَرقــي
شـربت صــراخ قـريتنا
ولجت غضاضة الغرق
وقـلـت قـصـيـدتـي هيا
ذري الأوهام وانـعـتقي
حـروفــا حين أقــرأهــا
يــذوب الـليل فـي نسق
ذري خوفي ذري جبني
ذري ضعفي ذري أرقي
خــذيــنــي بــوح أغنية
وضمي رعـشـة الحدق
دعـيني حين أحـضـنـك
أعـــانــق ذروة الأفــق
أذيبيني عــلــى جــمــر
من الأحلام واحـتـرقـي
فـهــذا شــرقــنــا يبكي
فلا تخشين من شََـرَقِي
هاجر
***
و تواصل التحليق في فضاءات بلا حدود تغرس الأمل:
ورأيت اشلائي تمزقها الحوافر
‏تلك طعم للجنود
‏وعلى يد السفاح ابصر
‏قصتي
‏وقصيدتي تبكي
‏تغادر بالقيودِ
‏قتلوك يا بوحي صغيرًا
‏كيف هُنتَ بلا شهودِ
‏قطعوا الدواوين القديمة
‏والدفاتر بالوعيدِ
‏تبًا لهم تبًا
‏وتبًا للفقيدِ
***
نختم لها بهذه القصيدة التي تكشف لنا عبقرية الشخصية في صفقات حوارية تعج بالتساؤلات فتقول فيها هاجر البريكي :
اسأل فؤادك : هل تدق من الهوى
هل رجفة الأشواق
في عينيك
هل تشتكي ألما
وتصحو دائما
وترى باسمي كل شيء فيك
اسأله هيا
لا تخف من صمته
فالحب اكبر فرصة بيديك
ستكون سلطانا بعرش قصيدتي
ويكون شعري كالملاك لديك ٠
٠٠٠٠٠
هذه كانت قراءة سريعة في عالم الشاعرة العُمانية هاجر البريكي ” شاعرة الرسالة ” التي هزت جزع القصيد فتساقط عليها وهج البوح بكرا يطرز خدرها بالفن الجميل دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى