دراسات و مقالات

الخسارات تُهونُ على بعضها ٠٠ الشاعرة السعودية رباب يوسف آل إسماعيل – ١٩٨٤ م

السعيد عبد العاطي مبارك الفايد

أهربُ بعيدًا
تجهشُ في صوتي كمنجاتٌ
تلتبسُ الريحُ في الناي
ويرتبكُ الليل بالكُحلِ
أقول للريح عودي
فينتفضُ الماءُ
حجرٌ على قارعةِ الصمت قامَ ٠٠
( من قصيدة : خبيئةُ الريحِ والكُحل )
٠٠٠٠٠٠
نتوقف مع تغريدة الشعر العربي من المملكة العربية السعودية حيث مسيرة المرأة السعودية و التي تنطلق نحو دورها الثقافي في المجتمع بجانب رسالتها في المجتمع من خلال المشاركة الفعالة في إطار الوعي و النهوض في مجالات مختلفة منذ بضعة العقود الأخيرة كل هذا ساعد على رسم هويتها وشخصيتها المستقلة في تضامن مع الرجل لتحقيق الحلم المنتظر بعد مخاض تجربة متأصلة ٠٠
و من ثم برز في ساحة الأدب و الشعر أسماء لها تألقها في واقع التحولات ٠ مثل الشاعرات السعوديات ٠٠ سلطانة السديري، ثريا العريض، هدى الدغفق، أشجان هندي، خديجة العمري، خديجة الصبان، فاطمة القرني ، مستورة الأحمدي، هند المطيري ، وحصة هلال ، خيرية السقاف ، حميدة السنان ، مريم البغدادي ، وغيرهن كثيرات ٠٠
و نختار شاعرة لها جذور في علم الاجتماع تعيش قضايا الإنسان صباح مساء و تصور البيئية بمشاعرها المضيئة إنها الشاعرة رباب يوسف ٠
* نشأتها :
======
وُلدت الشاعرة السعودية رباب يوسف آل إسماعيل عام ١٩٨٤ م ٠
و هى حاصلة على ماجستير علم اجتماع المعرفة و الثقافة من الجامعة اللبنانية ٠
حاصلة على بكالوريوس علم الاجتماع من جامعة الملك فيصل ٠
باحثة وكاتبة مقالات أسبوعية و تحقيقات صحفية ٠
لها مشاركات شعرية داخل المملكة العربية السعودية و في العديد من الدول العربية ٠
* من دواوينها :
= ديوان ” رسائل دوار الشمس “
= ديوان ” الخسارات تُهونُ على بعضها ” ٠
* مختارات من شعرها :
—————————
تقول شاعرتنا السعودية رباب يوسف في قصيدتها بعنوان (جئتُ إلى هنا) تحصد فيها مخاض تجربتها في عفوية بعد تأملات فلسفية منذ لحظات الميلاد و تطور زمني ومكاني تضع عنوان المتاهات في تحدي للوصول إلى مرفأ الأمان عن قناعة :
لم أكن أمشي
لم أحبُ
انزلقتُ إنزلاقًا نحو هذا الفضاءِ المَهولِ
ارتطُمتُ بظُلُماتٍ ثلاثٍ، فأربكتُ أُمي وصَمَتّ ُ
لم يكُن لي خيارٌ أو قبولٌ
لم يكُن لها غير حزنٍ وذهولٍ
ربما كانت قدمايَ تمضيانِ إلى هنا أو هناكَ
هذا ليس ما حدثَ بالضبط،
فكلُّ ما أتلمّسه له ملامحَ سُلالتينِ
كقلمٍ على هيئةٍ سيفٍ
أو كسيفٍ على هيئةِ مِروَدٍ
أو كمِروَدٍ على هيئةِ خِنجرٍ
يتبدَّى، يتبدَّلُ كُلَّ حينٍ
وكثيرًا يستَقَرُّ في اليقينِ
للخطوطِ العميقةِ في يدَيَّ
وشايةُُ خرائطَ مُبهمةٍ، لا تُعرِّيها أمكنةٌٌ
كُلُّ دربٍ لهُ وجهُ انحناءةِ
وقلبُ بئرٍ
وأنا لا أمشِي.. أنزلقُ
وأخالني أطيرُ..!
أمضي
وكأيّ جُرمٍ صغيرٍ
لا يمضِي
لكن الأرضَ تحتَهُ تلتفُّ على ذاتها
بينما يظنُّ أنَّهُ يسيرُ!!
لم آتِ لمهدٍ أو للحدٍ
بثقةِ مُفلِسٍ عبرتُ
تشبَّثتُ بشغافٍ أبيضٍ
لفرطِ صِدقِهِ؛ أَعشَى العينَ فلم أرَ
فأبصَرتُ ولم أرَ
أبصَرتُ
ولم
أرَ…
***
و تطالعنا بتلك القصيدة بعنوان (خبيئةُ الريحِ والكُحل) في رمزية تأصيلية تختصر فيها البدايات نحو جوهر الفكرة و الوجدان بين ظلال الجمال فتنشد في هدأة الليل داخل زوايا المستحيل أصداء القلب في سبحات الخيال بلا قيود داخل لوحة تجمع شتات الرؤى كحلم وافد :
أيُّ مجازٍ في هذا الطوفانِ؟!
مراكبُ اللغةِ انتحرت تِباعًا
عند شُطآن عينيكَ
شاطيءٌ للدهشةِ
وواحدٌ للحزنِ الشفيفِ
وآخرُ مفتوحٌ على الاحتمالات
أستسلمُ للريحِ
كُلَّما نظرتُ إلى صورتَك
لمِعت مرايا الماءِ
تقول: أنني جميلةٌٌ جدًا
فينسكبُ العطرُ..
وأقول بكَ
أهربُ بعيدًا
تجهشُ في صوتي كمنجاتٌ
تلتبسُ الريحُ في الناي
ويرتبكُ الليل بالكُحلِ
أقول للريح عودي
فينتفضُ الماءُ
حجرٌ على قارعةِ الصمت قامَ
قال لهجسيَّ وهو يُلملم حروفَهُ من تُرابِ الكلامِ:
” الريحُ دعوةُ اليباسِ للماءِ، نماءٌ لا يكونُ بلا عُريٍّ وانكشافٍ.. ذلك فعلُ الريحِ، وكلُّ عشقٍ (ريح)، أوقُلّ هي الحياةُ، ستهبطُ في الطينِ…، وتتفتحُ براعمُ الشهواتِ”.
***
و قد قام الشاعر والمترجم حسين نهابة بترجمة هذه القصيدة التي بعنوان “صيَّرنا الملح” للُّغة الإسبانية من ديوان ” الخسارات تُهوِّنُ على بعضها ” لشاعرة السعودية رباب يوسف حيث تستعرض فيها ذكريات الطفولة ، ومن ثم تطوف بنا بمشاعرها داخل تطور المجتمع و تستلهم من الخيال مناطق جميلة تطرز حلمها المنتظر :
لا أُحبُّ اللعبَ
لم ألعب كثيرًا في طفولتي
سوى مع الغيمِ فُرجتي الأثيرة
كان لي صديقٌ بلا ظلٍّ
أخبرني أن السماءَ مسرحٌ عتيقٌ
للأشقياءِ والهائمينَ
وأن الخيالَ لُعبةٌ وفيرةٌ
هكذا كنتُ
هكذا صِرتُ
أمّا أختي التي تكبُرني ببضعِ حسراتٍ ونيِّف، كانت تُعمّرُ أحزانَها كتضاريسٍ فارقةٍ في صحراءٍ، وتمشي وحيدةً.
مرَّةً جلستُ على هضابِ دفاتِرها، فأبصرتُ أن اللّغةَ بابٌ خلفيٌّ حين الحصار.
مرّةً غرقتُ في نهرِ دموعِها
فانتشلني وردُ اسمِها
كبرتُ بعد تيهٍ طويلٍ بين غصّاتٍ شاهقة، لامرأتينِ يذرفنَ أنفاسهنَّ عنوةً
لاحقًا، صارَ للصحراءِ بحرٌ عميقٌ
نجلسُ على حوافه، ونرمي الأسئلةَ
وكلَّما هممنا بالمضيّ، أعادتنا حكمةُ البحرِ «الصبرُ ملحُ البحرِ»
كدانةٍ وجُمانِها صَيّرنا الخوفُ
محّارٌ لم يُدرك لعبةَ البحرِ
خليجُ العتبِ والتعبِ
بيادقهُ لآلئ صيَّرها الملحُ
لم يختاروا الأبيضَ
لم يخترنَ الأسودَ
لا أحبُ اللعبَ أصلًا
أكرهُ كوني بيدقًا، بيدِ آلهةٍ كثيرةٍ
لا أُحبُّ اللعبَ أصلاً
لكني حينَ غيّرتُ لوني
لمَستُ خدرَ اليدِ التي تُحرِّكُني
فأحببتُ اللعب.
***
على غيرِ عادتي
أُضيءُ مصباحًا مُشِعّاً وأنام
نور الحب لم يعد يكفي
أكلَ الشوقُ جُلَّ مؤونتي
وهذا الشتاءُ على الأبواب
يعدُني بكثيرٍ من البرد
وأعدهُ بالاحتراق.
سنحرِقُ الكثيرَ
الذكريات
والحنين
والأوقات
بكل ما أوتي الصبرُ من عدَّةٍ وعتاد
بكل ما عَشِقتُ من ألوان
سنحرقُ معًا
رُبَّما..
كلَّ شيءٍ
لندفأَ
ونُقيمَ حفلةً من بهجةِ الرمادِ.
٠٠٠٠٠
و بعد هذه التأملات في عالم شاعرتنا السعودية رباب يوسف التي تعانق الأمنيات في تصوير لوحات شعرية تكشف لنا احتراقات وأنين يساور لهفة الشوق و الحنين فهى مسكونة بشجن القصيد وتوظف مقومات القصيدة الفنية داخل مراحل البناء في رمزية جمالية تعكس تباريح النفس وسط الترحال و استدعاء المشهد لغة و صورة و خيال و إيقاع يجمع وحدة القصيدة في تباين متماسك دائما ٠
٠

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى