دراسات و مقالات

ستعود عيونك ملهمتي.. الشاعر المصري الكفراوي محمد النمر – 1961 م

السعيد عبد العاطي مبارك.

ما جئتُ اليومَ لأكتبَ شعرا أو أنثرُ بين أياديكم دُرَّا
لكن من بين رُكامِ الجهلِ وأوهام النفسِ الحمقى
أحمل للعشاقِ البدرا وأزفُّ إلى أحبابي فَجْرَا
من قصيدة : « أو فلترحلْ !! »
——-
” ما بين الجذرِ الضاربِ في الأعماقْ
والفرعِ الصاعدِ للآفاقْ
ووريقاتٌ ذابلةٌ
مدتْ كفَّا
لنسيم البحرِ
لشعاع الشمسِ
كيما تحيا
ما كانت تدري
أن البحرَ الزاخرَ يأبى
والشمسُ الحرةُ
صامتةٌ
ما عادت تحملُ للأحداق البشرى ” .
” من قصيدة : ستعود عيونك ملهمتي “
===
مازال موال الشعر ينساب شاديا شاجيا عذبا رقراقا فياضا في كفر المبدعين ، كفر الشعر – كفر الشيخ – كعبة الشعر و الشعراء ، بل اقليم يذخر بوحي و الهام الفنون الجميلة ، و من حسن حظنا هنا نجد أن ربة الشعر أهدت لنا هذه الكوكبة التي نبتت و ترعرعت في ظلال كفر الشيخ بين أحضان حقل التربية الوارف فنسجت بخيوط الكلمات قصائد بكر في ثوبها القشي في تناغم و متواليات تنطق بفلسفة وحكمة الجمال .
و لم لا فقد عرفنا سويا منذ نعومة أظفارنا ، عبد البر علوان ، عبده شحاته و طارق مرسي و اسماعيل الضنين و حسن متولي و العافي و النمر و محمد عاطف ، من أروقة التربية و التعليم ، كوكبة رسمت وجه القصيدة الفتية في زخم و حضور بات يلوح بتجربته الفريدة بين مسلسل الشعر وروافده مع أترابهم من كل جنس انسجاما فنيا .
و ها نحن اليوم نتوقف مع علم من أعلام شعرنا العربي في كفر الشعر ( كفر الشيخ ) اطلق عليه لقب ” حافظ ابراهيم الجديد ) لكن له تجربته الذاتية التي تمتلك خصائصها و سيماتها المتفردة ، جيد اللفظ محكم الصورة ، ماهر في الخيال ، متجدد الايقاع ، متنوع الثقافة و الموضوعات حادي لليل بعيون تخطف المواقف و المشاهد حقا أنه نمر يسبح في فضاءات يم الكلمات يزينها في نسيج حريري يوحي بموهبة متنامية و متباينة ، في متتاليات لها موروث ورمزية تختصر مسارات التاريخ هكذا .. !! .
نشـــــأته :
———
ولد الشاعر محمد النمر في عام 1961 م بكفر الشيخ ، و درس المرحلة الثانوية بمدرسة الشهيد عبد المنعم رياض ، ثم التحق بكلية التربية قسم اللغة العربية حبا علوم العربية حيث موهبته الشعرية ، و تخرج فيها و عمل معلما خبير للغة العربية بإدارة كفر الشيخ التعليمية ، و لعشقه للغة و التدريس لم يبحث عن وظيفة أخري في السلم التدريجي ، و كتب الشعر العمودي الخليلي ، وظل يستمد ظلاله من مخزون مدرسة البعث و الاحياء لعمالقة الشعر يستلهم تجربته الذاتية في وعي من الرواد الأوائل ، مع روح التجديد للتفعيلة المتماسكة في تناوله لجوهر الموضوعات ، و له ديوان كبير يجمع متنوعاته .
و حينما أقرأ لهذا الشاعر النمر كأنني أمام شاعر النيل حافظ ابراهيم الجديد لغة و فكرا مع استقلالية في روح العصر اضافة أخري تميزه في نظرته الي القضايا و الأحداث التي تواكب تلك الحقبة .
و اذا كان حافظ ابراهيم كتب اللغة العربية تنعي حظها ، فمحمد النمر كتب قصيدته هذه (( في محرابِ العلم والتعليم )) و كأن المعلم ينعي حظه أيضا ، و هو بذلك معارضا أياه معارضة جزئية و لكنها تبدو واضحة المعالم من النظرة التأملية الأولي و التذوق الفني هنا ، و قد كتبها حوارية على لسان المعلم .
و قصيدته (( في محرابِ العلم والتعليم )) ، نشرت في يوم.. الثلاثاء 23 / 1 / 2019 م ، حيث يستهلها قائلا :

في دوحة التعليمِ عِشتُ حياتي أرجو رضا الرحمنِ والجنَّاتِ
فجنيتُ من روضِ العلومِ سعادتي. ونهلــتُ من أمِّ اللغــاتِ فُـــراتِي
قلبي وعقلي وانشغالُ خواطِري. روحي وفِكري عشقُها مَرْقَاتي
أبني الفضيلةَ في نفوسٍ قد أتتْ .. تبغي النجــاةَ لحــاضرٍ والآتي
يا درةً تعلــو المناصــبَ كلَّها .. ورســالةً قــدْ عـانقتْها ذاتي
عزُّ الحياةِ إذا محوتَ جهالة .. وأتى الغراسُ بأطيبِ الثمَراتِ
ومددتَ للأبناءِ جسرَ مودةٍ .. كي يعبروا ويحققوا الغاياتِ
وأزلتَ بالصبر الجميلِ وساوسا ونقشتْ بالقلــمِ النبيلِ عِظــاتِ
ومسحتَ بالحِلم الذي فاقَ المدى ما سالَ فوق الخدِّ من عَبراتِ
وهديتَ بالعلم المنيرِ مسالكا كالبدر يجلو حالكَ الظلماتِ
ورسمتَ بالخلقِ القويم حكايةً عزفت حروفُك أقدسَ النغماتِ
كم من نفوس عابساتٍ أقبلتْ ثم انثنــت بسنــاكَ مبتسماتِ !!
من ذا يكافئُ زهــرةً فــوَّاحةً أمْ مَنْ يُسامي أرفعَ الهاماتِ ؟!
إن غَابَ دَورُ معلمٍ فترقبوا .. في إثرهِ سيلا من الحَسَرَاتِ
تلك الحقيقةُ إذْ أرادوا طَمْسَها في إثرهِ سيلا من الحَسَرَاتِ
الكلُّ يُنسَى بعد طولِ غيابِهِ .. ويظلُّ نورُ العلمِ بعدَ مماتِ
” قُم للمعلمِ ” أنشدوها دائما ما خابَ قومٌ أكرمُوا القامَاتِ

***
و نقدم له نموذجا من الشعر الجديد التفعيلي لوحة فنية رائعة يرسم ظلالها مع هدوء الليل في تجليات اشراقية يختصر بها مسافات الذات ، بعنوان « في هدأة ليلي» و قد نشرها في يوم الخميس 9 / 1 / 2020 م ، يقول فيها :

في هدأة ليلي
زارتني
صاحبةُ الحسنِ
بنتُ القمرِ
أختُ الشُّهُبِ
تكسوها
أثوابُ العزةْ
يعلوها
نورُ الفرقانِ
عيناها
واحاتُ الأملِ
بسمتُها
نسماتُ السحَرِ
أحببتُك ملْ سماءِ الكونِ
عُرضَ البحرِ
منذ نعومةِ أظفاري
منذ زمان الفتحِ القدسيِّ الميمونِ
أرتشفُ العبقَ الربَّاني
ورسمتك في عمقِ كياني
يا رقةَ صبحٍ ورديٍّ
من بعد عبوسِ الليلِ الحالكِ
تغشاني
تقطر لي شهدَ الأمطار
تنثر في صدري
عبقَ الأزهار
في زمن التيه
وبردِ العمرِ
تهدي لي حياتي
وتغني لي
أغنيةَ السُحُبِ
أنشودةَ طفلٍ
معزوفةَ حبِّ الأوطان
لحنٌ علويٌ يُشجيني
همساتٌ من زمن العشقِ
تأخذني
مثلَ طيورٍ خُضْرٍ
تحملُني
تحكي لي
وتطوفُ بروحي سابحةً
عبرَ الأكوانِ
ويظلُّ القلبُ يرفرفُ كالعصفور
ويداعبُ لألآءَ الشمسِ
حين يلامسُ وجهَ النهرِ
وتوشوش سمعَ الأصدافِ
والشاطئ يحتضنُ الذكرى
ينقشها
بضمير الدنيا
ليعيدَ إلى الأحبابِ
حُلمَ الإنسانِ
يُسمِعُها
آياتِ الوحي القرآني
ويحطمُ فوق جبال الزيف
أصنامَ النفسِ
ويدكُّ الوهمَ القابعَ
في الأذهانِ
ويفتتُ كلَّ حُصيَّاتِ الجهلِ
ببشاشةِ فيضِ الإيمان .

هذه كانت تأملات في شعر محمد النمر الشاعر الذي يعزف قصيدته بجدارة علي سيمات الرواد الفحول و كأنه امتدادا لشاعر النيل حافظ ابراهيم في لغته و رومانسية اسماعيل صبري ، فشعره يفوح بعطر الايمان و التحلي بالخلق و الحكمة و تصوير الواقع في فلسفة اشراقية مع المحافظة علي الخصائص الفنية لهذا الفن الجميل ، من وحي القصيد يرسم لنا حلمه و عالمه المتشابك في نقاء دائما .
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله .
Image may contain: 1 person, indoor

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى