دراسات و مقالات

المطر في الشعر العربي

السعيد عبد العاطي مبارك

أصاح ترى برقا أريك وميضه * يضيء سناه عن ركام منضد
” النابغة الذبياني ”

اِختَرتُ دَهماءَتَينِ يا مَطَرُ
وَمَن لَهُ في الفَضائِلِ الخِيَرُ
وَرُبَّما قالَتِ العُيونُ وَقَد
يَصدُقُ فيها وَيَكذِبُ النَظَرُ
أَنتَ الَّذي لَو يُعابُ في مَلَإٍ
ما عيبَ إِلّا بِأَنَّهُ بَشَرُ
” المتنبي ”
—-
” عاد المطرُ، يا حبيبة َ المطرْ كالمجنون أخرج إلى الشّرفة لأستقبلهْ وكالمجنون، أتركه يبلل وجهي وثيابي ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة٠٠ ”
” نزار قباني ”
٠٠٠٠٠٠٠

عاد المطر تارة أخري حيث الغيث يعانق الصحاري و الأرض العطشي و البحار و المحيطات و الجبال و الوديان و يغسل الانسان بالرحمة و البركات ٠٠ فتعود الحياة من جديد في اخضرار و مواسم العشق و الجمال حب ملامح الطبيعة التي رسمها الشاعر و الفنان قديما وحديثا، مع رحلة الفنون الجميلة كلمة و صورة تكشف معطيات الحب من خلال ظلال و دلالات لها أثر في الروح هكذا ٠٠٠
و من خلال دراسات لظاهرة المطر ، فقد
وظف الشعراء قديما وحديثا فكرة ( المطر )
فهي رمز للخير و المرأة و الحب و الحرب و السلام بل تمتد الي سائر المخلوقات تجسيدا لأهمية المطر في الحياة قاطبة ٠
ولذا شمل المطر منذ العصر الجاهلي موضوعات مختلفة ٠٠
و المثل الدائر يكشف لنا
كيف أكثر العرب من استخدام المطر على الحقيقة في أمثالهم المنوعة ، فقالوا لمن كان في رخاء و رغد فظن أن الناس كلهم في مثل حاله :
( يحسب الممطور أن كلا مطر ).

* مع حالة المطر في الشعر القديم :
===============
و من ثم رسموا صورا رائعة لمناظره و هو ينثال كاللؤلؤ من السماء ، قال النابغة الذبياني :
أ صاح ترى برقا أريك وميضه * يضيء سناه عن ركام منضد٠

و قال أيضا عبيد بن الأبرص :
يا من لبرق أبيت الليل أرقبه * من عارض كبياض الصبح لماح٠
***
و يقول المتنبي :
اِختَرتُ دَهماءَتَينِ يا مَطَرُ
وَمَن لَهُ في الفَضائِلِ الخِيَرُ
وَرُبَّما قالَتِ العُيونُ وَقَد
يَصدُقُ فيها وَيَكذِبُ النَظَرُ
أَنتَ الَّذي لَو يُعابُ في مَلَإٍ
ما عيبَ إِلّا بِأَنَّهُ بَشَرُ
وَأَنَّ إِعطائَهُ الصَوارِمُ وَال
خَيلُ وَسُمرُ الرِماحِ وَالعَكَرُ
فاضِحُ أَعدائِهِ كَأَنَّهُمُ
لَهُ يَقِلّونَ كُلَّما كَثُروا
أَعاذَكَ اللَهُ مِن سِهامِهِمِ
وَمُخطِئٌ مَن رَمِيُّهُ القَمَرُ

***
و يقول البحتري :
إن السماء إذا لم تبك مقلتها * لم تضحك الأرض عن شيء من الخضر
والزهر لا تنجلي أحداقه أبداً * إلا إذا مرضت من كثرة المطر ٠
***
و يقول شاعر تونس الخضراء أبو القاسم الشابي – عن الشتاء من خلال ملاحظاته الذاتية :
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ لِمَا أَذْبَلَتْهُ رَبِيعَ العُمُر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَاهُ الظَّلامِ وَلَمْ تَتَرَنَّمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَابُ في رِقَّةٍ مُحَبَّبَةٍ مِثْلَ خَفْقِ الْوَتَر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ، شِتَاءُ الضَّبَابِ شِتَاءُ الثُّلُوجِ، شِتَاءُ الْمَطَر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ، سِحْرُ الغُصُونِ وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر

***
* حالة المطر مع الشعر الحديث :
===========
و ذلك من خلال رباعية فرسان الشعر المعاصر الحر :
بدر شاكر السياب ، و نازك الملائكة، و محمود درويش ، و نزار قباني ٠٠

* أنشودة المطر للشّاعر بدر شاكر السّياب حيث يرسم الحبيبة و النخيل في تداخل بهيج مع ( أنشودة المطر ) :
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ أوشُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُكَالأَقْمَارِ في نَهَرْ يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا، النُّجُومْ وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَهُ المَسَاء دِفءُ الشِّتَاءِ فِيهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف وَالمَوْتُ، وَالميلادُ، والظلامُ، وَالضِّيَاء فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي، رَعْشَةُ البُكَاء كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر ٠٠
***
و تقول رائدة التجديد ( نازك الملائكة ) في على وقع المطر للشّاعرة نازك الملائكة أمطري، لا ترحمي طيفي في عمق الظّلام أمطري، صُبّي عليّ السّيل، يا روح الغمام لا تُبالي أن تعيديني على الأرض حطام وأحيليني، إذا شئت، جليداً أورخام اتركي ريح المساء الممطر الدّاجي تجنّ ودعي الأطيار، تحت المطر القاسي، تئنّ أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن زمجري، دوّي، فلن أشكو، لن يأتيك لحن أمطري فوقي، كما شئت، على وجهي الحزين لا تبالي جسدي الرّاعش، في كفّ الدّجون أمطري، سِيلي على وجهي، أوغشّي عيوني ٠٠
***
و يقول شاعر الزيتون و المقاومة محمود درويش
في قصيدته التي تحت عنوان ( مطر ناعم في خريف بعيد ) :
مطر ناعم في خريف بعيد والعصافير زرقاء، زرقاء والأرض عيد لا تقولي أنا غيمة في المطار فأنا لا أريد من بلادي التي سقطت من زجاج القطار غير منديل أمي وأسباب موت جديد مطر ناعم في خريف غريب والشّبابيك بيضاء، بيضاء والشّمس بيّارة في المغيب وأنا برتقال سليب فلماذا تفرّين من جسدي؟
وأنا لا أريد من بلاد السّكاكين والعندليب غير منديل أمّي وأسباب موت جديد مطر ناعم في خريف حزين والمواعيد خضراء خضراء والشّمس طين لا تقولي رأيناك في مصرع الياسمين كان وجهي مساء وموتى جنين وأنا لا أريد من بلادي التي نسيت لهجة الغائبين غير منديل أمّي وأسباب موت جديد مطر ناعم في خريف بعيد والعصافير زرقاء،زرقاء والأرض عيد ٠٠

***
و نختم برائعة “عاد المطر يا حبيبة المطر ” للشّاعر نزار قباني ، حيث يرسم صورة التضاد بين الشتاء و الصيف من خلال لوحة المطر و الصحراء و الاخضرار فيقول :
عاد المطرُ، يا حبيبة َ المطرْ كالمجنون أخرج إلى الشّرفة لأستقبلهْ وكالمجنون، أتركه يبلل وجهي وثيابي ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة المطر يعني عودة الضّباب، والقراميد المُبلّلة والمواعيد المُبلّلة يعني عودتك وعودة الشّعر أيلول يعني عودة يدينا إلى الالتصاقْ فطوال أشهر الصّيف كانت يدكِ مسافرة أيلول يعني عودةَ فمك، وشَعْرك ومعاطفك، قفّازاتك وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسّيفْ المطر يتساقط كأغنية مُتوحّشة ومطركِ يتساقط في داخلي كقرع الطّبول الإفريقيّة يتساقط كسهام الهنود الحُمرْ حبي لكِ على صوت المطرْ يأخذ شكلاً آخر يصير سنجاباً يصير مهراً عربيّاً يصير بجعة ً تسبح في ضوء القمرْ كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ وصارت السماء ستارة ً من القطيفة الرماديّة أخرجُ كخروفٍ إلى المراعي أبحث عن الحشائش الطّازجة وعن رائحتك التي هاجرتْ مع الصيف ٠
***
هذه كانت صورة المطر في فصل الشتاء تناولها الشعراء قديما و حديث في نسج قصيدة المطر ٠٠٠
في استحضار الخير و البركة و الجمال و الحب حيث عودة الحياة و روح الاخضرار الي نسيم الصيف في تباين يرسم لوحات فنية إبداعية مختلفة دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى