دراسات و مقالات

من : .. سفر التكوين .. الي : حنين النوق .. تأملات

السعيد عبد العاطي مبارك

مع الشاعر العراقي الكبير عبدالرزاق عبد الواحد
” متنبي الرافدين و نخيله الشامخ والبيرق … ”
عندَما كـُـوِّرَتْ
عندَما كلُّ آياتـِها صُوِّرَتْ
قيلَ للشمس ِأن تـَستـَقيمَ على مَوضع ٍلا تـَغيبْ
وَلـِلـنـَّجم ِكـُنْ أنتَ منها قريبْ
ثمَّ خـُط َّعلى الأرض ِمُنعَـطـَفانْ
تـَبَجَّـسَ بينهُما الماءُ ،
وانحَسَرَتْ آيـَتـانْ
بمُعجـِزَةٍ تـَجريانْ
فالتـَقى الفجرُ بالـلـَّيـل ِ
والنارُ بالسـَّيل ِ
كلٌّ بأمرٍ يُسـاقْ
وأتى الصَّوتُ :
كـُونـي ..
فكانَ العـراقْ
” من سفر التكوين ”
—————-
وَحِيدَيْنِ نَبقىٰ أُمَّ خالِدَ هاهُنا = نَحِنُّ حَنينَ النُّوقِ للزَمَنِ الخَلِي

” من قصيدة : حنين النوق ”
( اهداء الي شاعرنا العراقي الدكتور عادل الشرقي صديق الشاعر ، و المهاجر الي بلاد المنافي بين جبال الثلج وصدي الذكريات في تلك البلاد … المقيم في فنلندا ) .
و هو صاحب رائعة التي بعنوان (حنانيك ِ يا بغداد ) و منها قوله :
أقول لشمس الله بغداد منبعي حنانيكِ هل يُرضيك ِ حزني وأدمعي
حنانيك هل يُرضيك شكوايَ ناحبا ً وفي الباب أغرابٌ يسمعونَ تلوُّعي
فما كان هذا البعدُ عندي سجية ً ولكنني هُجِّرتْ واحتلَّ مرتعي

مع شاعر العراق عبد الرازق عبد الواحد فارس المربد :
————————–————————–
هذا الشاعر أحبه فكأنني أمام فحول أسوق الشعر قديما بين حلبة عكاظ و ذي المجنة و المربد ، استمع الي المعلقات الشعرية السبع أو العشر ، و أضم لهم معلقة ( سفر التكوين ) لعبد الرزاق عبد الواحد ، الذي ينشد الشعر من منابعه الأصيلة شكلا ومضمونا وتوهجا حسنا مقبولا ، فأرنو اليه مندهشا مسرورا ، و لم لا فهو صناجة الشعر المعاصر و رافد جميل متدفق يضاف الي دجلة الخير ..
و ما أجمل الحكمة في شعره المتدفق من بيئة العمارة الساحرة ذات الطمي البصري ، فمن المتنبي الي الجواهري يستلهم ظلال قصائده منشدا …!!
و الحديث معه و عنه ” ذو شـــــــــجون ” نهر ومرايا تعكس أسرار التكوين بداية حضارة صنعت الحياة بكل ملامحها و اتجاهاتها من أدب و فلسفة وفنون و عظمة روح الاسلام في تسامح و سلام ، فهو المغني الصداح بين قصور الرشيد يترنم بأصالة العراق في مفترق الطريق يحكي حكايات تفوق ألف ليلة و ليلة ، أمجاد للطفولة من جديد …!!
و من ثم يعد عبدالرزاق عبد الواحد واحد من أهم الشعراء العرب، أحب المعري و المتنبي ، حيث اعتبره الجواهري خليفته، وله أكثر من 57 ديوان شعر، وله العديد من دواوين الأطفال والشعر الحماسي، وتألق شعره إبان حرب العراق وإيران .
فحصاد شعره يحتاج الي سرد في مفصل متباين كي تمسك باللآلئ و الجواهر التي يعج بها بوحه و تباريحه منذ مأساة الحسين و الرشيد ، أنه صوت العراق القوي صبر أيوب صبر الجمل و حنين النوق … سلام علي بغداد …

و يقول في قصيدته مخاطبا صديقيه المتنبي :
ما تشائين فاعصفي يا رياح = لا يخاف السقوط هذا الجناح
ان عبدالرزاق ما كان يوما = غير ما أنبأت به الالواح
يملأ الارض والسماء دويا = كلما اطبقت عليه الجراح
تستباح الدنى جميعا وتهوي = والنفوس الكبار لا تستباح
يا صديقي وسيدي المتنبي = يا عظيما عدت عليه الصفاح
رغم أنف الزمان ما زلت حيا = والصغار الذين غالوك راحوا

و يقول في قصيدته الرائعة تحت عنوان ( حنين النوق ) :
حنين النوق ……

أجَلْ..
كلُّ هذا الهَمُّ يَوما سَيَنجَلي
فَقُل لِلَّتي تَرنُو إليكَ: تَحَمَّلي
أجَلْ
كلُّ هذي النَّار يَوماً سَتَنطَفي
وَتُبقي نِفاياتِ بِها العُمْرُ يَمْتَلي
وَأعلَمُ لا بَيْتي سَيَلْتَمُّ شَمْلُهُ
وَلا أهْلُ بَيْتي عائِدينَ لِمَنْزِلي
وَلا صَفْوُنا يا أُمَّ خالِدَ راجعٌ
ولا ضِحْكَةٌ إلا لمَحْضِ التَجَمُّلِ
وَلكنَّها يا أمَّ خالِدَ حَسْرَةٌ
هِثِمْتُ بِها ضِرْسي وَقَطَّعتُ أنْمُلي
ولو كانَ في سَفْحِ الدُّموعِ تَعِلَّةٌ
غَزَلْتُ دموعي طولَ عُمْري بِمِغزَلِ
وَأيْنَ، وَهَيْهاتَ الرُّجوعُ لِبَيْتِنا
لأولادِنا النّائينَ في كلِّ مجْهَلِ
وَحِيدَيْنِ نَبقى أُمَّ خالِدَ هَهُنا
نَحِنُّ حَنينَ النُّوقِ للزَمَن الخَلِي
وَيا وَيْلَنا مِن يَوم يَرحَلُ واحِدٌ
وَيَبكي الذي يُبْقيهِ حد التوسل

مع ملحمة ( سفر التكوين ) :
————————–
سفر التكوين ….. للشاعر عبدالرزاق عبد الواحد :
عندَما كـُـوِّرَتْ
عندَما كلُّ آياتـِها صُوِّرَتْ
قيلَ للشمس ِأن تـَستـَقيمَ على مَوضع ٍلا تـَغيبْ
وَلـِلـنـَّجم ِكـُنْ أنتَ منها قريبْ
ثمَّ خـُط َّعلى الأرض ِمُنعَـطـَفانْ
تـَبَجَّـسَ بينهُما الماءُ ،
وانحَسَرَتْ آيـَتـانْ
بمُعجـِزَةٍ تـَجريانْ
فالتـَقى الفجرُ بالـلـَّيـل ِ
والنارُ بالسـَّيل ِ
كلٌّ بأمرٍ يُسـاقْ
وأتى الصَّوتُ :
كـُونـي ..
فكانَ العـراقْ !

فـَجْرُ كلِّ الحَـيـاة
مَهدُ كلِّ الـنـُّبوّات
مِن عَهـدِ آدَمْ
والحَضاراتِ مِن عَهدِ أورْ
بَـدْءُ كلِّ العـصورْ
مُنـذ ُميلادِ سومَـرْ
والشموسُ جَميعا ًعـليها تـَدورْ

أشرَقـَتْ شمسُ بابـلْ
ثمَّ ضاءَتْ أكـَدْ
ثمَّ آشـور ،
ألقـَتْ إليها الدُّهـورْ
بـِمَقالـيدِها ..
ثمَّ أغفى القـَدَرْ
واسـتفاقْ
كانَ نـَجمُ العـراقْ
ساطعا ًفي الحَـضَرْ .. !

وأقـبـَلـَتْ بغـدادْ
حاملة ًشموعَ ألفِ ليلةٍ ولـَيـلـَه
وصوتَ شهرزادْ
وأجملَ الأحلام ِعن أشرِعَةِ السِّـنـد بادْ ..

وكانَ الرَّشـيدْ
وكانَ لها ألـفُ فجـرٍ جَديـدْ
ثمَّ أخنى عليها ظلامٌ مَديدْ
إلى أنْ تـَلألأ في لـَيـلـِها
سَـنا كوكبٍ جاءَها يومَ عـيدْ ..

مَن يَعرفُ العـراقْ ؟
يَعرفُ كيفَ تـَلـتـَقي السُّهولُ والجبالْ
الضَّوءُ والظـِّلالْ
الواقعُ والخـَيالْ
والمُمكـِنُ والمُحالْ .. ؟

مَن يَعرفُ العـراقْ ؟
مَرْفأ ُفـُلـْكِ نـُوح
في طوفانـِهِ العظيمْ
وَبََيتُ إبراهيمْ
أسرَجَ فـيهِ نـُورَهْ
وَمُرتـَقى شامشْ
وصَوتُ كلكامشْ
في مَدارِجِ الزَّقـورَهْ ..
والرُّقـُمَ المُغـَلـَّقـَهْ
والماءُ يَجري صاعدا ًبـِقـُدرَةِ المَجهول ِللجَنائن ِالمُعَـلـَّقـَهْ !

مَن يَعرفُ العـراقْ ؟
مَن الذي يَعرفُ أيُّ قـَدَرٍ يـُقـيمْ
في هذهِ الأرض ِالتي شاءَ لها القـَدَرْ
أنْ تـَلـتـَقي في جَوفِها الجَنـَّة ُوالجحيمْ ؟!

هاهوَ ذا ..
ما ضاقَ يَـوما ًحَولـَهُ الخـناقْ
إلا رأيـتَ ماردا ًمِن نـَومِهِ اســتـَفـاقْ
فضَجَّ حتى تـَسـتغـيثَ السَّبعَة الطـِّباقْ
مِن هَـول ِما دماؤهُ تـُراقْ !

هذا هو العـراقْ
بالأمس ِيـَومَ نـَكـَّسـَتْ رؤوسَها الرِّجـالْ
وَكادَ أنْ يَبكي على هاماتِها العِـقـالْ
كانَ العـراقُ هـامُهُ كـَقِـمَم ِالجـبـالْ ..

دارَتْ رَحى الـقـتـالْ
وَذ ُبـِّحَ الـرُّضَّعُ والشـُّيوخُ والأطفالْ
وَبـَقـيَتْ هـاماتـُهُ شـُمّا ً.. وما تـَزالْ .. !

هوَ العـراقُ..سـَلـيـلُ المَجدِ والحَسَبِ
هوَ الـذي كلُّ مَن فـيهِ حـَفـيدُ نـَبي !
كأنـَّما كـبـريــاءُ الأرض ِأجمَعـِهـا
تـُنـْمَى إلـيهِ ، فـَما فـيها سـِواهُ أبي !
هوَ العراقُ ، فـَقـُلْ لـِلدائراتِ قـِفي
شاخَ الزَّمانُ جَميعا ًوالعراقُ صَبي !
هذه كانت وقفة مع قراءة في شعر عبد الرازق عبد الواحد – متنبي العراق – فقد كتبت عنه كتب و مقالات من قبل و اليوم أتذكر العراق و شعره فأعود أقطف من بستان شعره الوارف بظلال عبقرية بلاد الرافدين بين أحضان نخيل شط العرب و حضارة النهرين و أيام سومر و بابل نسترجع صدي ملحمة كلكامش ، و عشتار من جديد سلاما علي بغداد و شاعرها عبد الرزاق عبد الواحد في سجل الخالدين دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى