قصة

البطل

رعد الإمارة

جلست أمي عند رأسي، تخللت شعري بأصابعها، قالت :
-انهض حبيبي، أعرف أنها باردة في الخارج، لكن عليك أن تحضر لنا الخبز، سأهيء الفطور ريثما تعود، حليب ساخن وبيض مسلوق كما تحبه تماما، سأوقظ اخوتك أيضا، هيا حبيبي لاتكن عنيدا، اتسمع! لقد استيقظ أباك. نفضت الغطاء عني حالما سمعت صوت نحنحة ابي في باحة الدار، دست أمي النقود في راحة يدي ثم راحت توقظ اخوتي الصغار. لم يكن المخبز بعيدا عن دارنا، مع ذلك فقد أخذت أمشي بسرعة، كان الجو باردا وقد فكرت بأنها أفضل طريقة لتدفئة جسدي! كان الفرن شبه فارغ عندما وصلت، كنت الهث ،لكني بقيت مأخوذا بكمية البخار التي راحت تتصاعد من فمي، ذكرتني بدخان السجائر الذي ينبعث من فم أبي!. قال أحد العمال لصاحب الفرن وهو يبتسم للرجل الواقف خلف الواجهة الزجاجية :
-مسكين هذا الرجل،لطالما لهونا معا عندما كنا صبيانا صغار، اصابته لوثة -أشار إلى رأسه – انقذه خروجه المبكر لجلب الخبز! لقد شب حريق في منزلهم، ماتوا جميعا، الأب والأم والطفلين الصغيرين، آه يازمن!لم ينجو سوى هذا الصبي الذي أصبح رجلا! يأتي كل يوم ليأخذ الخبز وهو يفرك يديه، تصور انه يفعل ذلك حتى في أيام الصيف الحارة، مازال برد الشتاء في ذاكرته، لقد تكفلت عمته برعايته منذ ذلك الحين. كان باب الدار مفتوحا على مصراعيه، أمسك بكيس الخبز ونادى بأعلى صوته :
-لقد عدت يا أمي، خبز ساخن، لقد تدفأت ببخاره طوال الطريق. تعال يابني،قالت العمة، لقد سخنت لك الحليب، ثمة بيضتان على النار، اجلس ريثما تنضجا. اصفر وجهه، أخذت يديه ترتعشان، ألقى بكيس الخبز وهرول صوب المطبخ، مد يده بسرعة وأطفأ النار! ظل يحدق في البخار المتصاعد من قدر البيض ،كان جسده يرتعد، دنت منه عمته العجوز ووضعت يدها برفق على كتفه، قالت :
-إسم الله عليك حبيبي، تعال معي. رفع رأسه ونظر اليها، كان مايزال يرتعد،قال وهو يتنهد فيما كانت عينيه تلمعان :
-انظري عمتي، اطفأت النار في الوقت المناسب! سيفرح أبي وأمي، لقد أنقذت إخوتي الصغار، أنا بطل. أخذت العمة تربت على كتف ابن أخيها الذي تجاوز عمره الخامسة والعشرين ثم خنقتها العبرة، فيما راح هو يستعرض عضلات جسده في المطبخ ويردد بصوت خافت :
-أنا بطل، أنا بطل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى