دراسات و مقالات

البوليفوني و الميتاسرد في رواية أنثى من عسل أو مواء الرجال للرّوائي زهير شلبي

سهيلة بن حسين حرم حماد

القراءة

سؤال يتبادر دائما إلى ذهني يشغبني يأسرني يحيّرني …
لماذا تألّب و تآلف العالم ضدّ العرب ؟؟؟ من دون أن يشعروا بالخجل و الوجل …
لماذا يستصغروننا؟ لمذا يقزّموننا؟ لماذا يستهدفوننا؟ لماذا نحن لقمة صائغة؟ سهلة البلع؟ لماذا نلوك القضيّة الفلسطينيّة، التي اختزلت في يوم الأرض و لم نستطع بلعها ؟ ألهذا الحدّ هي لقمة صعبة الهضم؟..
أم أنّها إشارة ربّانيّة إلى خيانة مؤتمن و وصيّة؟ و تنبيه بأنّ مقدّس قد دُنّس! و أنّ الحرام تصدّر الحلال بالطّغيان و الكفر بالنّعمة، وإخضاع الكلّ لخدمة قلّة من شياطين الإنس، الماردين، المارقين، الدّجّالين، المتقمّصين، لدور رجال الدّين و الشّيوخ، الذين دنّسوا الدّين باقترافهم لمجازر الهنا و الهناك،
المنشغلين بفتوحات سدّ الثّقب المشوّهة، بحثا عن لذّة حرام ، بدلا من سدّ ثغرات الصّفوف، في المساجد و التّصدّي، لمنع كلّ مستعمر مغتصب، حتى لا ينتهك عرض الأرض، و الأوطان، التي استخلفهم فيها الرّبّ و الأجداد، رمز الشّرف و العرض؟…
قلّة للأسف تقمّصوا دور الشّيوخ، ذالك أن الشّيخ في المتخيّل الاجتماعي، مرتبة اجتماعيّة دينيّة، تجلب لصاحبها الاحترام، و تبعده عن الشّبهات، و الشّكوك و الرّيبة. قناع تخفّى وراءه كثيرون، ساعدهم على ذلك إتقان التّستّر، خلف تزكيّة الزّمن، الذي تولّى حفر الأخاديد، على الجباه مجانا، و رسم دائرة قمر مزيّف بين العينين، يشعّ منه إشعاع مسرطن، طمس أعين ضعفاء النّفوس، الذين تمّ شراءهم بالفلوس، فباعوا ضمائرهم، و صاروا تحت مغنطيس الأشرار، يأتمرون بأوامرهم، يكوُون و يحرقون، و يقتلون، و يعبثون و يزوّرون التّقارير، ويقلِبون الحقائق، ممّا زاد في طغيان جيوش سدّ الثّقب، فكان العقاب السّماويّ بأن هالت علينا طيور أبابيل، خرّبت الحيطان ، التي شوّهت الأوطان، و دمّرت جسور الوصال، بثقوب الرّصاص، و القنابل العنقوديّة، هنا و هناك… فمزّقت الأوصال، كما شُوّه بين السّيقان، بالكيّ و الطّهارة بحجّة الطّهر و كفّ العهر، والقضاء على الدّعارة و الحدّ من الرّذيلة . والحال أنّهم من فجّر العهر ..و وأد الأخلاق ..

فدفعت فلسطين و أحمد الدّرة و غيره ثمن كلّ خطيئة الرّجال، في حقّ النّساء كأنّهم الياسوع الذي حمل وِزر البشريّة كما جاء في الإنجيل..

ولكن المرأة مرّة أخرى تثبت أنّها قادرة على التّصدي و إعطاء درس للعالم، كتلك الفتاة الفلسطينيّة، عهد التّميمي، ابنة ال16 عشر التي تصدّت للجنديّ الصّهيوني، و صفعته في فلسطين، صورة تناقلتها كلّ شاشات العالم، برهنت أنّ المرأة أرض ، قادرة على الفعل، تمرّدت على القهر، و الغبن، تحدّت الظّلم، ترفض أن تلعب دور المفعول بها، و بأرضها قامت بما لم يجرؤ على فعله فحول الصّفقة ..و أنجزت ماعجزت عليه بطلة الرّواية في البداية، عندما كان لها نفس سنّها ….

صبيّة في السّادسة عشر من عمرها قامت ب “الصّفع” لتفعل ما عجز عن فعله بعض من ادعى الفحولة الواهيّة، الكاذبة المزيّفة التي تظهر في العتمة. فتاة بفعلتها كانت مستعدّة للشّهادة من أجل قضيّة تحرير بلادها، قضية لا طال ما أمنت بها . رغم أنّ كثيرات للأسف من جيلها ، رضين بلعب دور زوجات نكاح في مسرحيّة جديدة، من إخراج مفلسين الدّين، الخارجين عن الشّريعة، الذين طوّروا خطاب المتعة، لممارسة الرّذيلة بالعقود، تحت غطاء و راية الدّين المكذوبة والنّخاسة و تبييض المال و تشجيع العهر و الفساد …
🌷
وتأتي رواية أنثى من عسل أو مواء الرّجال، للأديب المفكّر الرّوائي زهير شلبي، لتفكّ اللّغز وتؤكد ما انتهيت إليه، من انشغال الرّجال بالبحث عن اللّذة، على حساب المرأة بقهر النّساء، فكأنّ الله سلّط عليهم جمّ غضبه ليجرّبوا القهر و الغبن و ليذوقوه عبر الاحتلال … علّهم يثوبون إلى رشدهم فيفكّون قيد النّساء ويحرّرهن .

رواية في شكل مذكّرات غيريّة، تذكّرنا بمذكّرات الأرقش، لميخائل نعيمة، فإن مكّن صاحب المقهى المذكّرات ميخائيل نعيمة، فإنّ الرّوائي قد وجد مذكّرات أنثى من عسل، مندسّة ضمن أوراقه في محفظته .. وقد استغرب وجودها محدثا بذلك التّشويق ….
كتب الأرقش مذكّراته وهو يمثّل “قسم الإنسانيّة السّاكت، لاقتناعه بأنّ السّكوت لا غشّ فيه، و بعد أن تأكّد بأنّ الكلام مزيج من الصّدق و الكذب”، أرقش مختلف ملأت الثّقوب وجهه حسبوه مختلّ الشّعور .

أمّا المذكّرات التي بين أيدينا فهي مذكّرات ممضاة “بوجع أنثى هدّها الجرح القديم ” تمثّل كلّ النّساء اللّاتي تعرّضن لعمليّة تشويه فضيعة، عطّلوا بها آداميتها أصابوها بإحساس الألم الدّائم، استكثروا عليها لذّة الحياة، حسبوها لا تصلح للتّصرّف في إدارة شؤون نفسها، جريمة اقترفت في حقّ أنثى بعنوان المحافظة عليها، مصدرها توارث ثقافة تظهر حسن نيّة مبطّنة “بنيّة فاسدة، بِبَيَانِها الذي يقلّد الصّدق” كما جاء في إحدى مذكّرات الأرقش.

مذكّرات امرأة تمرّدت على “إلاه الخصب” الظّالم، الذي نصّب نفسه متصرّف في سلب سعادة الخلق . أنثى دوّنت ما جرى لها، بعد وعيها و استفاقتها من كابوس بعد ما خسرت نفسها، و كلّ من أحبّتهم،
فقرّرت التمرّد و الثّورة على من تسبّب لها في الشّقاء الأبدي فقرّرت إعلان الحرب بمقاومة الطّغيان، و القصاص من المجرم قبل فوات الأوان، على ابنتها و ولدها والأجيال القادمة، فكانت نهاية مذكّراتها، إعلان بداية البحث عن الحقيقة و العدل من قبل المظلومين المقهورين بعد أن بلغ الظّلم منتهاه ….

مأساة امرأة بدأت قبل بلوغها …و قبل وعيها و أدركت مأساتها فعلا عند زواجها و بلوغها سن السّادسة عشر….

مذكّرات كتبت بدم فضّ بكارة الزّمن، الذي تآمر على نصف مجتمع مضطهد، لشعوب قابعة في الجهل تخلّفت عن سائر الأمم، بسنوات ضوئيّة، بسبب حبّ القمع و الاستعباد للمختلف الضّعيف …

الزّمن في الرّواية:

تماهى مع إيقاعها شكلا و مضمونا، ساهم في إبراز مقدرة الرّاوي في إحكام بناء الرّواية الحديثة بحيث استطاع أن يربط الحاضر بالماضي و يستشرف المستقبل:

قاطعا مع فكر الجهالة و الجاهليّة، في التّعامل مع المرأة، ذاك الكائن الشّفيف كالقوارير، التي حضيت باهتمام الرّسول و الرّحمان، فجاءت صورة النّساء في القرآن لإكرام كلّ النّساء، و قد ضرب لنا عدّة أمثلة بالنّساء تشريفا، بدءا من حوّاء، و ملكة سبإ كعنوان للملك العادل، مرورا بأزواج الرّسول، و الفرعون، وصولا إلى من في جيدها حبل من مسد, أو تلك التي صارت صنما …ليُثبت أنّه كما أنصفها فهي لن تفلت من العقوبة إذا أساءت التّصرّف و خالفت ، شأنها شأن الرّجال تسلط عليها العقوبة إذا استحقّتها…

فالأنثى في الجاهليّة، كانت توأد من بعضهم لأنّها كانت مجلبة للعار، والدّونية ، فجاء الإسلام و حرّرها من كلّ القيود، و شرّع لها حقّها في الحياة، و كان في حسن معاشرة الرّسول لنسائه أحسن مثلا، كما يبرز في قوله ” خيركم خيره لأهله و أنا خيركم لأهلي “..
وممّا يؤكّد عدم مشروعيّة تعدّد الزّوجات لانتفاء العدل قوله تعالى
فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة وفي آية أخرى نراه يقول ولن تستطيعوا أن تعدلوا …
و بذلك نرى أنّ الله أنصف المرأة
و زاد في تكريمها بأن جعل الجنّة تحت أقدامها، و قد خصّها الرّسول في خطبة الوداع بوصيّة أوصى بها الرّجال ” أوصيكم بالنّساء خيرا ” أوصيكم بالقوارير ..ليحسنوا معاملتها و التّأدّب في معاشرتها،
وقد استطاع من خلال حسن اتقان توظيف الموضوع، من خلال تسليط الضّوء على حقبة تاريخيّة لرصد ممارسات قد تبدو غرائبيّة للبعض في شأن موضوع شائك شغل المنظّمات الحقوقيّة في السنوات الأخيرة، حيث اعتبروه ممارسات عدوانيّة، في شأن المرأة.

🌹
رؤية الرّوائي تتجلى من خلال التّقنيات الحديثة التي استعملها .

و لعلّ أبرز بطلين في الرواية، هما تقنيّة البوليفوني polyphony، من خلال تعدّد الأصوات داخل الرّواية التي تدعّمها تقنيّة الميتاسرد، أو الميتارواية ، تلك الدّوائر السّرديّة الغرائبيّة، الواقعة بين زوم الواقع التّجريبي، و التّخييل، التي استخدمها الرّوائي، لمزيد تفعيل الحبكة الرّوائية، لشدّ القارىء، و حمله، على التّعاطف مع البطلة و التّفاعل المباشر مع المذكّرات تباعا، لإنتاج دائرات سرديّة خارج الرّواية، أبطالها نقّاد و قرّاء .. كما كان الشّأن لمحمد الرّاوي .. الذي كان داخل مبنى الرّواية، قارئا ساردا مؤلّفا لمبنى الرّواية، في مستوى ثان مقابل للحكي الرّئيسي .فقد أوهمنا الرّوائي منذ البدء، بأنّ الرّاوي المشار إليه أعلاه، قد استدعى أقاربه أمّه و جارته سامية ، و زجّ بهما معه في دائرة سرديّة مقابلة لدائرة السّرد المركزي، للسّاردة المرأة المجهولة صاحبة المذكّرات، الذي يستقي منها الرّاوي بالمعلومات، مُفرّطا في صفة العليم، التي اتسم بها السّارد، منذ سنوات و سنوات، منذ نشأة المقامة ومن ثمّ القصّة، التي تطوّرت.. و أصبحت عبر الأوراق المكتوبة، كنوع من أنواع السّيرة الغيريّة، داخل الرّواية فعملت هذه الدّائرة، أو البؤرة السّرديّة، من خلاله، أي الرّاوي، على مزيد تفعيل الأحداث، و دعم الرّاوية، لحفظ التّوازن النّفسي للمتلقّي، لزرع الأمل و بثّ الحياة في النّصّ ، و اجتناب الملل، ليوضّح موقف الرّاوي المعادي لتلك الممارسات حينا ، و لنشر ثقافة المساواة بين الإناث و الذّكور حينا آخر ، عبر مختبر التّجريب الواقع في الحاضر، من خلال تجربته مع جارته و حسن تعامله مع أمّه ، مؤكّدا نبذه لما حصل في الماضي ببعديه القريب و البعيد من خلال ما وقع للمرأة المجهولة و لابنة الغجري… و ما يحدث في الحاضر الذي علِمه من خلال الواقع الافتراضي… و ما قد يقع في المستقبل بسبب مؤازرة بعض رجال الدّين لهذه الممارسات، كما عمد إلى طرح أسئلة مباشرة أثناء الحكي كأنّها ومضات إشهاريّة بغرض إثارة الفضول، و إيقاظ الضّمائر، من أجل الوعي بالأزمة المخزيّة للبشريّة و للإنسانيّة، التي أنتجها البعض من المجتمع الذّكوري اللّذين يمارسون سلوكيّات موروثة من زمن الجاهليّة ، للثّورة على رواسب الجهل، و التّعاسة، و النّكبة، التي لازالت تنخر بعض المجتمعات، في الهنا و الهناك في الماضي السّحيق أو في الزّمن الذي طوله معدّل عمر الإنسان 60 سنة ما بين سنة 1959 و 2019 الزّمن الذي انتهت فيه كتابة الرّواية. حاضر قريب، و حاضر بعيد، يعانق الماضي القريب، التي ذهب ضحيّتها (أي السّلوكيّات)* فئة من الإناث تسبّب فيها البعض من السّاديين .
لاستشراف غد أفضل به أمل، علّه بذلك يعيد للقارئ البعض من توازنه النّفسي الذي فقده أثناء مطالعته لتطوّر الأحداث، التي تقيّأها، بسبب الغثيان، و الدّوار اللذين أصاباه أثناء رحلة العبور، والتّجوال بين سطور المذكّرات، الممتطيّة لقوارب التّشويه، و الموت التي كانت تقارع الشّيطان القابع في الإنسان المتستّر وراء لحاء رجال الدّين، و الطّابع المرسوم على الجبين، لأولئك الذين عاشوا في بلاد شمال الوسط الإفريقي أثناء هجرتهم إلى الجنوب.. تتأرجح الأحداث بين الشّمال و الجنوب في مفارقة اقتصّ منها أهل الجنوب من أهل الشّمال بطغيان الذّئاب على الأغنام في محاولة لقلب أوضاع العالم …

ليشدّ أزره و يعينه على مقاومة ثقافة الجهل و المكر، بالمستضعف للانضمام إلى جيل ثالث تنتمي له ابنة المرأة المنكوبة، التي حملت مشعل فكر أمّها، الذي ورثته بالفطرة …لمقاومة بؤر الظّلام فكانت شهرزاد الحكاية التي أعادت نسج منطق الرّواية، فخبّأت الخاتمة عن الرّاوي العليم، و جعلته يتساءل و يتصارع في داخله، يتحصّر على عدم تمكنّه من بقيّة الحكي، و أعادت النّظر في مفهوم ثقافة الجمال، الذي تخلّى عن القناع الموروث لفائدة النّسبية التي يتحكم فيها المكان و الزّمان في الهنا و الهناك …

هذا التّلاعب فى الخطّ السّردى المعتاد، باستخدام تقنيّة القصّ داخل القصّ ، بعثر الإيهام بغية إنشاء وعى آخر فى عمليّة التّلقّى باعتبار المعمار الحداثى و ما بعد الحداثى الجديد فيما يتّصل بالفاعليّة و التّفاعل والعمليّة القرائة برمّتها …

فصارت بذلك المرأة تمتلك الحقيقة و شريك فاعل لا يكتمل الفعل الّا بحضوره و عند رغبته …

الأسلوب:
🌹

و من خلال تاء التّأنيث، في ثالوث اللّغة، و البلاغة، و الفصاحة، استطاع الرّوائي أن يسخّر، و يمرّر و يبلّغ صوت أنثى العسل، و الملكة المشتهاة من قبل المختلف السّادي المريض الشّبقي ، الذي نصّب نفسه الخصم، و الحكم، و مقترف الذّنب، المتستّر وراء لقب الشّيخ و الدّين حينا، و وراء العادات الماسخة حينا آخر، فضخّم الخطأ الجسيم الذي اقترفه بعضهم ليؤازر من و رائها، كلّ أنثى من المحيط إلى الخليج، مع التّذكير بأنّ هذه الممارسات لا تخصّ كلّ الشّعوب العربيّة، بل اشتهرت بها بعض المناطق دون غيرها، و باعتبار احترام الأستاذ شلبي للمرأة و خوفه عليها باعتبارها، أمّه و زوجته و أخته و ابنته و زميلته في العمل و صديقته ، نراه تبنّى قضيّة الدّفاع عن المرأة، عن طريق تحويل مذكّرات امرأة، وجدها ذات يوم مندسّة بين أوراقه، إلى رواية تطرح قضيّة العنصريّة و طهارة الإناث، و العنف المسلّط على المرأة . و إن بدا الموضوع من قبل البعض تخريفا غرائبيّا، لا يمكن تصوّره حتى في الخيال ، إلّا أنّ هذا الأمر حقيقة فعلا، و التّقارير الدّولية تؤكّد صحته موثّقا بالأرقام و تفيد تزايده . كما تجدر الملاحظة بأنّ هذا الفعل بات مدعّما من بعض رجال الدّين المتطرّفين في المدّة الأخيرة … و مخافة أن تنتشر هذه الثّقافة كثقافة زواج النّكاح، نراه من خلال نظرته الاستشرافية الثّاقبة، و حرصه الشّديد على تخليص الكثيرات، من هاته العادات المشينة لها و لمجتمعها، يؤازر الحركات الحقوقيّة المناهضة لهذه الممارسات ذات النّزعة العنصريّة الدّونيّة، التي تبرّأت منها الحيوانات كالكلاب التي صوّرها في مشهديّة مثيرة، و هي تمشي في جنازة أب المرأة، الذي مات من الحسرة، نتيجة الصّدمة من الإهانة لعدم تحمّله الموقف الذي تعرّضت له ابنته و عائلته ..الذي كان هو سببه منذ البداية …

علما أنّ المنظّمات العالميّة قد نشرت تقارير تؤكّد بأنّ هناك مؤامرة على المرأة، و على المختلفين عموما، كما جاء بالرّواية، و قد أشار إلى العنصريّة في ترفّع، رافعا من شأن السّمراء، فجعلها خلّابة المفاتن ساحرة للألباب، ليضع مقاييس الجمال في الميزان، و يجعلها نسبيّة، لا تستقرّ على حال فهي تتغيّر و تتطوّر حسب الأماكن و مقاييس الجمال في الهنا و الهناك بالأمس و الآن و في الغد …

.كما لم يفته أن يطرح مشكلة تواصل الأجيال، و كيفيّة مساعدة الأبناء في اختيار شريك أو شريكة حياة أبنائهم بطريقة حضاريّة، من دون تدخّل مباشر. و القطع مع سياسة القطيع و الذّئاب، بأن حاول أن يُرسي ثقافة التّفاهم، و الوئام مع التّشهير بثقافة صراع الثّعالب على الغنم .
كما استطاع أن يدوّن الصّراع و حركة الهجرة صعودا و نزولا لتأريخ الأحداث و التّوثيق و قد استأنس ببعض المصطلحات من القرآن ….
كذكره ليأجوج و مأجوج و تضمينه للأسطورة عبر الإشارة إلى بعض الرّموز كتقنيّة من تقنيّات الإيحاء، لتفاد الإطناب، كما أحسن توظيف الحوار لخدمة بؤرة السّرد الأوّل، للمقاربة، ولبثّ الأمل في أنّ القادم أفضل، و أنّ ليس كلّ الرّجال لهم نفس الممارسات، بل منهم مفكّرون و كتّاب و فلاسفة دافعوا عن المنكوبين، و المظلومين، على امتداد العصور و قد استشهد بفكتور هوغو، و غيره كثيرين ..مما يؤكد سعة اطلاع الكاتب وموسعته الفكريّة ..
وقد انتهى إلى أنّ الواقع و التّجارب أمرّ بكثير ممّا بلغه التّخييل …
فقد استطاع أن ينقل لنا “عظمة الأنثى إذا خرجت من القمقم” كما جاء في فصل ” اللقاء مع الماضي” بعد أن حوّل المذكّرات إلى رواية ولمزيد إيهامنا بأنّ ما قرأناه واقع و حقيقة، فقد كتبتْ له ملكة العسل، خليفة أنثى من عسل، تفويضا من أجل تحويل مذكّرات أمّها إلى رواية تروي (الظّلم الشائع بين البشر )، و من خلالها طرح عدّة أسئلة عبر مونولوجات أخرجها متعمّدا، في كتابة بحروف مغايرة لبقيّة السّرد، لمساعدة القارئ على التّمييز بينها و بين بقيّة البؤر السّردية ، لإبرازها كتقنيّة، تخدم التّقطيع المشهديّ السّينمائي. و الميتاسرد و البليفوني، نراه أيضا استعمل تقنيّة التّبطيىء من أجل التّشويق لاعبا على الإيهام، بأنّ معرفة النّهاية تتجاوزه … و مرّات لعب على تقنيّة الاسترداد عبر تقنيّة الفلاش باك، كما تعمّد التّسريع في مواقع، متجاوزا السّنين متجنّبا الدّخول في تفاصيل تثقل الرّواية بالحديث عمّا لا يفيد كمروره مباشرة، إلى الحديث عمّا بعد زواجه …و استجلابه ملكة العسل محدثا للقارئ الصّدمة، التي صدمته هو الآخر، التي أحدثت لديه الرجّة التي نقلها بدوره إلى القارئء، كتقنية الغرض منها، شدّما انتباه هذا الأخير، أحكم بها ربط الحاضر بالماضي، عن طريق المستقبل المتمثّل في رفع المشعل من قبل ابنة أنثى العسل، و من ورائها إبراز رؤية صاحب الرّواية، و ثقته بالمرأة عموما و خاصّة الشّابة وتعويله عليها و على الشّباب، من أجل التّغيير الذي لم ينجح في بلوغه الآباء. “لجعل المرأة في مكانها الصّحيح كرفيقة لا تابعة، و شريكة لا أجيرة، و محاورة لا منصتة، و مبدعة لا متلقيّة وإنسانة لا عورة” كي تكون إنسانة حقيقية يفخر بها المجتمع ويتباها بها بين الأمم فاعلة لا مفعول بها …
كما طرح أسئلة على أمّه في إحدى حوارته معها في “حديث الكارثة”، و من خلالها على القارئ، و لعلّ أهمّها، سؤاله” لماذا يشيع الظّلم، بدل العدل، مع أنّ كلّ الدّيانات تدعو للحبّ، و كلّ القوانين تنصّ على العدل، و العدل من مصلحة الجميع ؟! لماذا يا أمّي ؟”

التّناص :

يطالعك بالرّواية التّناص بمواقع عديدة و سأكتفي بذكر بعض ما جاء في المذكّرة الثّامنة عشر
كدلالات أيقونيّة عديدة تتعالق مع الأساطير و القرآن.

1) الأساطير: كالصّخرة التي تذكّرنا بصخرة سيزيف وكذلك الجبل الأقرع الذي يذكّرنا بإلاه الخصيب إلاه العواصف و الأمطار و الرّيح بالرّافدين ” هدد” أو “أحد”
2) القرآن: ذكر يأجوج و مأجوج قابيل و هابيل ” لإن بسطت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك …”
يحيي العظام و هي رميم
3) قصيدة “الرّيح الأصفر ” أو “النمر”

أما المنولوج:

فقد كان حاضرا بكثافة و عكس درجة وعي أبطال كلّ الدّوائر السّردية في الرّواية، كما عكس بقوّة تفاعل الرّاوي، و ردّة فعله المباشر مع دوائر السّرد الخارجة عن إرادته، في الرّواية، و كذلك من أجل مدّ جسور الاتصال و التّواصل مع القارئ للتّفاعل ..

من أجل إنتاج وعي جماعي و حلحلة الواقع المرير لذلك حرص على إيجاد معادلة جمعت بين القسوة و الرّحمة، و النّقمة و المودّة والتّشاؤم والتّفاؤل والقصاص والحوار …من أجل رسم غد أفضل تتصدّر فيه المرأة أفضل المراتب …

فكما الخطبة على الخطبة حرام؟؟؟
فاحترام شهريار للمرأة يبدأ من مدى إلتزامه بالوعود و بضبط الآجال لكل اتفاق لرفع كل التباس، حتى لا تبقى كلّ النّضالات حبرا على ورق، ورهانات واهية تفعّل برفع شعارات من حين لآخر من أجل جلب أنظار العالم للتّمعش من المنظمات الحقوقيّة على حساب القضايا الإنسانيّة …

رواية حقيقة بالإطلاع، على قدر عال من الحرفيّة والإتقان، استطاع الكاتب بواسطة اللّغة، أن يصوّر لوحات مشهديّة، متحرّكة، بفضل تكثيف التّناص، و بهاء الإيقاع الدّاخلي و الخارجي للأثر عبر تناغم بين المفردات المنتقات اتساقا وانسجاما مع الفكرة … بشكل خدم التّشويق و الحبكة التي خدمها المنطق بين السّبب و النتيجة، والصّراع بين الخير و الشرّ، من أجل إثبات الذّات، و نبذ العنصريّة، أقنعت المتلقّي بصدق الحكي، و الدّافع و الهدف و الرّسالة و الغاية من الحكي فأنسانا إبداع الحرف مرارة الواقع و حرقة الفراق ….

لذك قيل عن الرّواية “بأنّها ليست نصّا وأنّما هي ممارسة نصّيّة مفعمة بالفكر و الفنّ و الحياة وهي الأقدر على تجسيم هذه الموضوعات ” و المقصود بالموضوعات ذاك المعاش فعلا على الصّعيد الدّاخلي للذّوات من حيث الصّراعات الخارجيّة و الدّاخليّة النّفسيّة على اختلافها صراعات وجوديّة قلقة تبحث في ماهيّة الأشياء و عبثيّتها بغرض تأصيل كيانها لذلك كانت تتجاذبها قوى الخير و الشرّ…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى