دراسات و مقالات

عن قصيدة مطولة ( حسين مردان أمام القاضي)

الناقدة الأستاذة سامية البحري

الفياض يكتب عن رجل الضباب ورائد الصعلكة وصاحب القصائد العارية في زمن كانت الكلمة ترتدي نقابا …
حسين مردان …ويتحدى النقاد بمطولة تثير الجدل :
هل الفياض يؤسس للقصيدة المثقفة /النخبوية؟؟؟؟؟
الإهداء :
في بداية التكوين كانت الكلمة …
وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم. .
إلى الذي قال في سنوات الضياع والتشرد
“لن أحترم العالم مادام هناك طفل واحد منكسر العينين ”
إلى شاعر التمرد ورفيق الفاقة والخصاصة وسيد الأنفة والكبرياء
إلى بودلير العراق حسين مردان. ..
___________

1_ في مستوى بنية النص الشعري
العنونة ___عتبة إلى المتن
للعنونة الوزن الذي يليق بها في النص الشعري الحديث
فهو يختزل المتن ..ويضيء الدروب نحو مسالك النص ومنعرجاته
وهو النص المختزل/أو النص القصير مقابل النص الأصلي الذي يرد في المتن
في هذا النص الشعري يستوقفنا العنوان الذي جاء على مراحل ثلاث
1_الاستعداد: وسم هذه المرحلة ب (مطولة )
دفاع حسين مردان أمام القاضي
وذلك لربط صلة بين طبيعة النص والقارئ /المتقبل
الذي يجب أن يستعد نفسيا وذهنيا للنص لاسيما أننا في زمن السرعة والابتكارات العجيبة والمصطلحات المربكة
كالهايكو..الومضة ….والقصيرة والقصيرة جدا..والجملة ..وربما سنكون في قادم الأيام أمام القصيدة الكلمة ….وهي مخترعات تنتظم ضمن توجه ايديولوجي واستعماري مبرمج …
وليست بريئة ابدا …وهذا باب كبير. …
وقد اعتقد البعض أنه قد ولى زمن القصيدة المطولة..وهو اعتقاد واهم …مردود على أصحابه. ..وهذا ما افرز قارئا مختلفا بالضرورة …
وقد أعد الشاعر الأسباب لنصه حتى يستقطب القراء
فهو محاكمة تجري أطوارها في محكمة
وهذا يتطلب الاستماع والتركيز والضبط والاصغاء إلى أصوات مختلفة
2_الدفاع :
النص الأول وهو نص مطول ..يختزل ملامح مردان الفكرية والثقافية والفلسفية والاجتماعية. .
وقد نجح الشاعر الفياض في رسم ملامح شاعر التمرد والصعلكة والفاقة والكبرياء بلغة شعرية ونسق شعري بعيد كل البعد عن النسق الاخباري المقيت أو السردي الممل
وهنا تكمن حنكة الشاعر ودوره في بناء نص شعري في شكل محاكمة تجري أمام القاضي وفي المحكمة
والطريف أن يجعل المتهم نفسه هو الذي يجري هذه المحاورة وهو الذي يتولى الدفاع عن نفسه فاسحا المجال له ليقول ما لم يقله في حياته. .أو ما لم يسمح له بقوله ربما أمام القاضي
وهي تقنية فنية ساعدت على إعادة الاعتبار لشاعر انهكته الحياة وفتك به المجتمع ..
وهذا القسم يحتاج إلى دراسة معمقة وبحث دقيق لضبط خصائصه المختلفة ..
3_ القرار :
وهو على لسان القاضي
الذي يضرب بمطرقته جبين الزمن ليعلن عن خطاب يقف حجة على عدل هذه المحكمة
وهذا انتصار من نوع آخر لصورة القضاء في هذه المحكمة
وهو تصور ينهل من واقع الحادثة أولا، ثم ينهل من رؤية استشرافية تفاؤلية تحمل رؤى جميلة ومشرقة حول القضاء في علاقته بالإبداع أو بالنص الإبداعي..
فلا ننسى أن الشاعر يمثل أمام القضاء بسبب مجموعته الشعرية “قصائد عارية ” والتي حوكمت على أنها تتعدى على المنظومة الأخلاقية والقيمية الجماعية
ما نود الإشارة إليه أن النص في مستوى البناء والعنونة والتشكيل الفني هو رؤية جديدة مختلفة
جاءت في قالب مشهدية عالية ..إذ نعثر على جملة من المشاهد المختلفة التي يمكن تصورها وتتبع اطوارها ..
وقد استدعى الشاعر كل مقومات التصوير السينمائي من حركات وأفعال وأبعاد نظر مختلفة ..
وقد نأى الشاعر بنفسه بعيدا ليقف مع المتفرج جنبا إلى جنب
رغم أنه هو الذي يدير كل الأحداث من خلف ستار
وهذه إضافة مبتكرة تحتسب للشاعر لاسيما أن الشعر يرتكز أساسا على الوظائف الثلاث وهي
_الوظيفة التعبيرية حيث يتجلى الأنا / الشاعر معبرا عن مشاعره أو مواقفه أو رؤاه بتوظيف ضمير الأنا / المتكلم
_ الوظيفة التأثيرية حيث يسيطر المخاطب / الانت للاستمالة وتحقيق المآرب
_ الوظيفة الجمالية وهي متعلقة بالنص في جوهره
وهي وظيفة لا يمكن أن يتخلى عنها الشعر مهما اختلفت الاحقاب
لأن الخطاب الشعري يبنى على تلك الجمالية التي تصنعها جملة من العلوم المختلفة كاللغة والبلاغة بكل فروعها والايقاع وصناعة الصورة الشعرية
والنص الذي بيننا قد التزم هذه التقنيات بما يخدم شكله ومضمونه ومقاصده ..(دراسة الجملة الشعرية نموذجا)

2_ بين الدفاع والقرار نص عميق كالمحيطات وتلك البحار
______
في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ هذه الامة المنكوبة ..وفي هذه اللحظة بالذات وأنا أمسك بالقلم لأكتب عن هذه التجربة الشعرية التي زادت يقيني أننا مجتمعات غارقة في الوحل منذ زمن ..
في هذه اللحظة يهرب القلم ..وتفر الكلمات ..
كم من الوجع ستختزل ذاكرتك _أيتها الناقدة العجيبة _
كم ..وكم ..وكم….!!
ربما يقتلك يوما كل هذا الوجع الذي يستوطن ذاكرتك ..
وتجارب فتك بها زمنها تستوطن رأسك الصغير ..وقلبك الشاسع كما السماء ..
وأعود لألملم كل ما تشظى داخلي ..عبر أحقاب و أحقاب..
ما أشد أن تحيا في زمن تكلس المشاعر لتكتب بمشاعر تحرق لو أطلقت أنفاسها كل ما هب ودب ..
تجارب إبداعية كثيرة أحرقت كل أوراقها قبل أن تكتمل وتبلغ عنان السماء. .
تجارب مضت غريبة ..وماتت في عزلة ..طحنتها يد الفاقة حد السحق..ونالت منها الجماجم الخاوية حد العظم
فما أكثر مصائبك _يا أمتي _ وأشدها حرقة نكبتك بأيادي أبنائك …….!!!
حسين مردان ….!!
لا يعرفه أصحاب القصور والموائد الفاخرة ..لكن تعرفه طرقات بغداد وأرصفة الشوارع ..وقع خطاه لا يزال يعزف فوق تلك الأمكنة
الأمكنة بذاكرة لا تعرف النسيان
هلا سألت تلك الشوارع حيث مشى بحذائه المثقوب وهو يبحث عن ماهية لتلك الأشياء حوله ..!!
تلك الحياة البائسة سرقته منه
وزرعت في روحه اشواكا وسكاكين…
فثار على كل الخطوط المستقيمة..تلك التي تخدع العين والنفوس ..وهي لم تكن مستقيمة ابدا ..بل كانت تخفي الاعوجاج في أغوارها. ..
تمرد على القيم والمألوف..لأنها وهمية ..زائفة..بلا روح ..
ظالمة حد سلخ الجلد وهو حي يسعى …
قال ذات قصيدة وهو يدرك ما يقول
هذا أنا رجل الضباب ومن له
في كل موبقة حديث يذكر
هذا رجل الضباب يعلن عن نفسه ..ويحدد هويته بلا خوف ولا تردد
وكيف يعرف الخوف من عاشر الليل وسرى في الظلمة وألف العفاريت والاشباح والأصوات من كل الاتجاهات ..
وكيف لا يعرف تلك “الموبقات” وقد خبر دهاليز الليل ..؟؟
وهذه الأرض بوجهين
وجه للعتمة..ووجه للنور
وما يحدث هنا ..لا يحدث هناك بالضرورة
ذلك هو الشاعر المتشرد الذي استطاع أن يرى الوجه الآخر للحياة
وأن يراه بوضوح شديد ..
هذا الشاعر اللغز ..الذي لم يفهم ذاته ..ولا يمكن فهمه خارج السياق الذي أنتجه ..
وهو القائل ” أنا في ذاتي سر مغلق لا أرى في الناس من يفهمني ..
مثلما جئت سوف اذهب لغزا يحتويه الغموض والكتمان ”
بيد أنه بالنظر في النص الشعري الذي سعى إلى إحياء ذكرى هذا الشاعر ..المتشرد ..الغامض ..حسين مردان ..
يمكن الاقرار أن الشاعر السومري عبد الجبار الفياض
استطاع أن يقارب تلك العوالم الخفية الغامضة لمردان، بالنظر في توجهاته الفكرية والثقافية والفلسفية
فالرجل لم يأت من فراغ ..
بل جاء محملا بقناعات مختلفة المصادر والتوجه ..
ونذكر بعضها مثلا الياس ابو شبكة إذ جاء ملدوغا من أفاعي أبي شبكة لما أطل على مشارف الفردوس
وأصابته عدوى التمرد والتحدي لما أستنشق “أزهار الشر ” لبودلير وأينما ولى حرفه ثمة عوالم تستفزه ليكون على ما كان عليه …
يخرج من جحيم دانتي ليعود إليه. ..
وهي مصادر حركت ذاك المارد القابع في أغوار هذا الشاعر ..الهارب من الحقيقة. .وللحقيقة وجوه مختلفة ..
لذلك كان لابد من التمرد الصارخ ضد كل المقدسات ..وأولها صورة الأم. .أو المدرسة الأولى في الحياة. .
ولابد لفهم هذا التمرد ووضعه في مواضعه فهم خصائص الخطاب الشعري عند هذا الشاعر المتمرد ..
فالنص عنده نصان/ نص ظاهر ..مربك ..صادم ..
ونص باطن يضع الحرف على الداء ..
لذلك لقي مواجهة شديدة من مجتمعه الذي وقف ضد أفكاره إلى حد محاكمته بتهمة الإخلال بنظام الأخلاق العامة ..
ولعل أكبر صدمة يمكن أن يتلقاها القارئ العادي ..الذي ألف نظاما معينا تسير عليه المنظومة الأخلاقية والقيمية المشتركة. .
حين قال :
قد رضعت الفجور من ثدي أمي
وترعرعت في ظلام الرذيلة
وهنا يتضح تأثره الشديد بالشاعر الفرنسي شارل بودلير في مجموعته “أزهار الشر”
ولفهم هذا الخطاب الشعري لابد من فهم كل متطلبات المرحلة التي أنتجته..وفهم خصائص المدرسة الفرنسية التي ينتمي إليها بودلير والذي كان له الأثر الكبير في تجربة مردان….
فصورة الأم مثلا ___تقرن بصورة الحياة عموما وليست هي الأم في المعنى الضيق …
وهو ما يستجيب إلى العنوان الذي وضعه لكامل المجموعة “قصائد عارية ”
فحتما عندما تمشي القصيدة عارية في شوارع التوحش والقيود والفتاوى الفتاكة ..ستحدث رجة عنيفة ..وتشعل بركانا
تماما كالأنثى..وقد نضت عنها الثوب لتغتسل..فلما تسربت إليها العيون الخبيثة من الثقب ..كانت الطامة الكبرى. ..
أو ليست القصيدة أنثى …وقد تسربلت بالجمال والنقاء والضياء …؟؟؟
وهنا تكمن القضية الرئيسة وهي محاكمة الإبداع. .محاكمة النص الذي خلق ليكون حرا. .
ولا يقبل بالأسر والقيود أبداا
فكيف إذا كان هذا الشاعر قد كرع من ينابيع الحرية وجالسهم..وسهر معهم الليالي ومشى معهم في تلك الأزقة الخاوية الباردة ..من جان بول سارتر إلى باولو نيرودا.. إلى بودلير. .ومن سار على نهجهم…
في تربة لا تعترف بالقمم. .. بل لا ترنو إلى ما وراء السحاب ..فقد تعودت على الإنحناء. .تمشي مكبة على اوجاعها وماضيها المحمل بالمآسي..وحاضرها المشروخ..ومستقبلها الضبابي …
تلك هي مأساتنا منذ زمن بعيد ..لكأن التاريخ لم يتزحزح بعد ..
وهنيئا لمن استطاع أن يكون ما يريد ..في زمن يقتل فيك الإرادة والأمل والتفاؤل . ..
إلى كل الأحرار. .تحية إجلال واكبار..ماتوا ..و ما ماتوا..رحلوا وما رحلوا ..بل هم خالدون
رددوا معي ما تركه هذا الشاعر الذي أعاد للصعلكة قيمها واصولها التي نشأت عليها في الجاهلية
“أحيا عاريا بينما تحيا ساترا ذاتك بألف قناع”
وما أقره هذا السومري في جملة شعرية تختزل النص برمته
وهي سمة تميز نصوص الفياض
“حفر الجرذ منازل رخيصة ..!!”
وما أكثر الجرذان في أمتي!
وقد اعتلت الكراسي المريحة لتمتص عيون الوطن
تقديري الكبير لهذا النص الكبير
وللشاعر الكبير رائد المدرسة الجديدة في الشعر العربي السومري الفيلسوف عبد الجبار الفياض
شاعر النخبة..والمنابر العلمية الأكاديمية
وهذه مفارقة كبيرة ..أن نكتب عن المهمشين والمسحوقين
وكل من مشى في أزقتهم بلغة أكاديمية مشفرة
ونص موغل في التخصص
وهي سمة القصيدة الجديدة ما بعد الحداثة ويمثلها الرائد الشاعر الموسوعة عبد الجبار الفياض
ولي موقفي من هذه المسألة الشائكة جدا أعرضه في أوانه ..
وأدعو النقاد الأكاديميين العرب إلى ضرورة الخوض في تفاصيل هذه المسألة الهامة لأنها ترتبط بالنص الشعري الجديد والمهام الذي يناط بعهدته …
شكرا الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض Abd Uljabar Fyad
وأنت تبحث عن مسالك جديدة نحو تطوير النص الشعري الحديث. .وأنت تنصف تجارب شعرية قد طواها النكران
وترفع التهمة السوداء عن عاريات مردان. ..
إيمانا أن الكلمة خلقت حرة …تتنفس برئة اسمها الحرية
وشكرا جزيلا للجميع
الناقدة والأستاذة الباحثة سامية البحري
________________
النص الشعري :
مطوّلة

حسين مردان أمام القاضي*

(الدّفاع)

أضدادٌ
تباعدُني عمّا أريد
بعد فسخِ عقدٍ بيني وبين جماجمَ فارغة
لم تبرحْ أنْ تكونَ مكيالَ شعيرٍ في بادية . . .
لم يعُدْ ذاك أمامي سوى مبلولِ ما تتركُهُ الأبقارُ في مرعى . . .
أيّها الظّانُ بنفسهِ إنّهُ يملكُ الجّهاتِ الأربع . . . ١
دعني
أُخاطبْكَ بمفرداتٍ قد لا تجدُ فيها رائقاً
يُرضي غرورَ ملك . . .
أنتَ نيشانٌ تافهٌ
يحملهُ سفهاءٌ
يجرّون أمامَهم إلى وراء . . .
أفاعٍ
تحتفظُ حتى بثيابِها المنزوعةِ
وهماً
يُخيفُ مَنْ كان لهُ قلبان في جوفِه . . .
تعساً لِما حللْنا به
يستعرضُ قوتَهُ بأحمرَ أمامَ ثورٍ أسبانيٌّ مُنفلت . . .
كنتُ خصماً لك منذُ أنْ قطعْنَ الحبلَ السّريّ
اصطبغَ وجهي بلونِ العوزِ الأغبر . . .
لم تنلْ ممّا نويتْ
ولو تغابياً بلونِ الطّاعة . . .
ما التقينا في محطةٍ واحدةٍ إلآ تصارعتْ عيونُنا من غيرِ نزال . . .
افتراقٌ على وعيد . . .
. . . . .
انفصلتُ عن عالمٍ
يُرقّعُ خيمتَهُ بقطعٍ من خلافٍ
يمزّقُ ما رُقّعَ في دائرةٍ سوداء . . .
أوزارُهُ
تحملُها متونُ التّعساء
ولغيرِهم
على ألوانِهِ يُجنى التّرف . . .
لعلّ يومي
يغفرُ لي غفلتَي في صباي . . .
نفسي أقاضي
لها أنْ تكونَ أو لا تكون
ما صرخَ بوجهِ قدرِهِ هاملت !
. . . . .
نسائي
يحملْنَ سحرَ بابل
سمرةَ سومر
في صورٍ ما شهدتْ كمثلهِا بغدادُ في سالفِ عصر . . .
يقصُرُ إحساسُ شاعر
رقصتْ قوافيهِ على شاردِ نغمٍ من زرياب . . .
يتبرجْنَ ليسَ في حضرةِ سلطانٍ
يغتصبُ يدَه . . .
ولا في سوقِ نخاسةٍ
يشطرُ آدمَ أرباعاً
أخماساً
وإنْ أنصفَ
يُنصفُه . . .
هُنّ الحياةُ كما وِلدتْ تحتَ السّماء !
. . . . .
دونَكم ما احتدمَ في قلبِ الحجّاج . . .
لن تغلقوا كوةً صغيرةً
يتسلّلُ منها القمرُ ثوباً لعاريةٍ
في حُضنِ عاشق . . .
لا يجمعُ من حديثِكم سوى زبَدٍ
لا يبلُّ منقارَ طير . . .
لستم جزءاً من فزعِه
أنتم
دودُ مقابر . . .
لِمَ تنكرون أنْ ترى عيني ما تراهُ الجّدرانُ لحظةَ عُري ؟
وتَدَعون خائنةَ عينٍ ما شاءَ لها
أنْ تسرقَ ما تحت . . .
. . . . .
قولوا عنّي ما ذهبتْ بكم حروفُ الذّم . . .
فأنا بالتّفاهةِ التي تصفون
بلغتُ عوالمَ
تحتاجون إلى سنواتِ نوحٍ النّبيّ
كي تقفوا عندَ أبوابِها متسوّلين . . .
اذرعوا بحذاءِ الطّنبوريّ بينَكم وبينَ الذّرى
إنْ أردتُم الصّعودَ إليها . . .
عجنتُ طينتي بأنفاسِ الخطيئةِ الأولى . . .
أحرقتُ وسادتي
فقد كذبتْ . . .
أيُّكم لا تصرُعُهُ روابٍ رابية ؟
جمّارٌ
يتجرّدُ عن ثوبِه ؟
لا يتلاشى في محرابٍ كانَ لباساً لآدمَ في جنتِه ؟
ما أجملَ أنْ يُمزّقَ القزُّ شرنقتَه !
لا تُفتحُ الأبوابُ بيا سمسم . . .
. . . . .
دعوني في مملكةٍ مُشرعةٍ من غيرِ حرس
لا أخشى من عرّافٍ على ماءٍ يسير . . .
أتداوى بما أفتى بهِ نديمُ صفرائهِ الدّاء . . .
ليس عندي تأويلٌ على وجوهٍ
يُداهنُ نقيضٌ نقيضَه . . .
ليس لعاشقٍ أنْ يشطرَ قلبَه
ولو قلبتْ لهُ الأيامُ ظهرَ المِجنّ . . .
معكم
إلى لحظةٍ
انفجرَ فيها الورمُ عن قيْح . . .
ودّعتُ نسختي الصّماءَ إلى حيثُ أنا . . .
ساخراً مما يمتصُّ رحيقَ نشوتِكم المبتورة . . .
أجداثاً
تتنفّسُ خوفَها بشهقاتِ غريق . . .
. . . . .
سلطانٌ من غيرِ حاجب
ينتعلُ خوفَه . . .
لا يسألُ عن أصلِ البيْضة . . .
لونِ براقش . . .
عددِ أصحابِ الأخدود . . .
اتّسعَ خرمُ الأبرة طريقاً لشبقٍ تحتَ رَماد . . .
جوارٍ متجرّدةٌ بقطوفٍ دانية
يحملْنَ عرشاً
تحرسُهُ من شياطينِ الشّعرِ عيون . . .
لا أوراقَ توت
ما لحسنٍ أنْ يُحجبَ بحجاب !
رَبّاه
كيفَ صوّرتَهُ بهذهِ الصّورةِ التي يتفتّتُ أمامَها أيُّ عزم ؟
. . . . .
نوناتٌ لي
من أفاعي أبي شبكة ٢
فيهن
كُلُّ ما سلبَ لُبَّ ابنِ ربيعة . . .
ضجّ بهنَّ دافقٌ في دارةِ جُلجُل . . .٣
أُضاجعُ أيّهنَ تحتَ رايةٍ بيضاء
لا تحتَ رايةِ فتحٍ أحمر
حصدَ من الحياةِ أخضرَها . . .
أنا
هُنَّ
خطفْنا ساعاتٍ
لا تمرُّ بها عقاربُ زمنٍ
يتلهّى ببعثرةِ ما يجمعُهُ بؤساءُ الأرض . . .
كشفتْ كُلٌ عن ساقيْها لتعبرَ لجةً ممنوعةً
فانزاحَ وقار . . .
لا تغضّوا الطّرفَ
فنحنُ كذلك
وأنتمْ بأمرِ الأمير . . .
متى تَدَعون المرآةَ تحكي ما ترى ؟
. . . . .
مُذهلٌ
سيدتي !
أنْ تعصفي بمملكةٍ من الفرعونِ إلى الحوذيّ . . .
أنْ تقذفي الممنوعَ نواةً في قاعِ النّيل . . .
مَنْ قالَ أنَّ امرأةً
يضطرمُ في جوفِها عشقٌ
تصرخُ بوجهِ نبيّ
أنتَ لي
وإنْ عانقتِ الأرضَ السّماء . . .
أبدعُ ما صنعتْهُ يدُ الله !
جوريّ
تكوّرَ
فانشطرَ سحراً
لا يُلامُ عاشقُه . . .
قِباباً . . .
أخجلَتْ ضوءَ الشمس . . .
قِواماً
سجدتْ لهُ أعمدةُ الرّخامِ قبلَ قاماتِ كهنةِ آمون في معبدِه . . .
سيدةٌ أنا وأنتَ عبد
لولا أنّ ربَكَ لم يخلِ بينكَ وبينَ نفسِك . . .
العشقُ غيّرَ هذا بذاك . . .
الأبوابُ السّبعة
لا تكتمُ شهادةً ناطقة
كانَ القميصُ صادقاً هذهِ المرّة !
. . . . .
(القرار)

بمطرقتِه
ضربَ القاضي رأسَ زمنِه . . .
العُريُّ
كانَ لباساً في جنّةٍ
طُردَ مَنْ فيها بعدَ الخَصْف . . .
ما سارَ مردانُ وحيداً في هذا الدّرب . . .
افتحوا سجنَ النّساء
البسوا البراءةَ عارياتِ مردان . . .
أدركتِ الأسماءُ أنّ معانيها لم تجفْ بعدُ على شفاهِ شُريْح . . .
دعوا الرّجلَ
قَصُرَ ما عندنا عمّا عندَه . . .
إنّهُ خارجٌ لتوّهِ من جحيمِ دانتي ليعودَ إليه
فبودلير ٤
ينتظرُهُ عندَ الباب . . .
. . . . .
كانَ معي أنا
لا يصافحُني سِواه . . .
اصطحبتُ حساني بثيابِ نومٍ
هربتْ منها الأزرار
فاستباحَ الذّهولُ بساتينَ التّفاح
فكانَ الاشتهاءُ وليمةً من غيرِ خِوان . . .
لابُدَّ من عثورٍ على زقٍّ
يُطفيءُ ظمأَ سجنٍ
ابتلعتْ أقفالُهُ مفاتيحَه . . .
ليتَ فضاءَ العصافيرِ لكُلِّ سجناءِ الحريّة . . .
حدَقاتٌ تتّسع . . .
ثمارٌ
تدلّتْ لقطاف
لكنَّ أياديَكم من دونِ أصابع . . .
تودّون فعلَ ما فعلتْ
لكنّ الجُّبنَ لا يحتلّْ القِلاعَ الحصينة . . .
حُفرُ الجُرذِ منازلُ رخيصة !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
تموز /2020

* صدر عن دار المشرق في لبغداد قصائد عارية لحسين مردان سنة ١٩٤٩ .

القرار

لعدم توفر أركان الجريمة ضد المتهم السيد حسين مردان ،قررت المحكمة الإفراج عنه وفق المادة 155
من قانون إصول المحاكمات واُفهم علنا . ”
حاكم جزاء بغداد الاولى
26 تموز 1950 ” .
١ نرام سين ملك الجهات الأربع في الحضارة السومرية .
٢ أفاعي الفردوس للشاعر الياس ابو شبكة .
٣ بركة ماء كبيرة والقصة معروفة مع الشاعر امرئ القيس .
٤ شارل بودلير 1821-1867 شاعر وناقد فني فرنسي. بدأ كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه أزهار الشر .
يبدو ان الشاعر حسين مردان قد تأثر بهذا الشاعر حتى لقب بودلير العراق .
__________________
ملاحظة :
هذا النص الشعري يقدم رؤية جديدة حول القصيدة الجديدة
ويدعو النقاد إلى التوقف والتأمل
ويمكن الدخول إليه من زوايا مختلفة . ..ولا ندعي أننا قلنا كل ما نملك حول هذا النص ..
فهو النص المتعدد في الأصوات والوجوه والنصوص والمقاصد….

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى