قصة

هذيان

إيهاب بديوي

ارتفعت حرارتي بشدة فنمت ثم أخبرتني زوجتي الحبيبة أنني هذيت كثيرا أثناء نومي وهي تنظر لي بلؤم.
………………………

هذيان 1
لم تتوقف عن البكاء لثلاثة أيام بعد رؤيتها العنكبوت يصطاد نملة ويحكم وثاقه عليها. لم تستطع التدخل في العملية لرقة قلبها. لكنها استجمعت شجاعتها أخيرا وتمكنت من رش بيت العنكبوت بمبيد متخصص. سعدَت لرؤيتها حركة النمل من جديد. بعد أقل من عام كان الحل الوحيد لإنقاذ البيت من هجوم النمل الكاسح زراعة عناكب في كل ألأركان، لمحتها وأنا أتصنع القوة واحتمال الحرارة المرتفعة تتبع نملة ثم تقتلها بيديها العاريتين!
………………….

هذيان ٢
من فوائد ارتفاع درجة الحرارة الإنفصال التدريجي عن الواقع والإنتقال إلى أبعاد أخرى. مع اقترابي من درجة الحرارة الأربعينية سمعت طنينا يحيط بي من كل جانب. ثم قوي نظري حتى لمحت في أحد أركان الغرفة بعوضة غريبة في تفاصيلها يكسوها زغب مرعب ولها نظرة غاضبة شرسة جدا. اقتربت مني وانا أراقبها عاجزا عن الحركة او المقاومة. حطت على يدي كنفاثة حربية بدات مهمتها القتالية على أرض العدو. بدا فمها يخرج أنابيب مختلفة الأطوال والأحجام. ثم افرزت سائلا ملونا قبل ان تغرز سيفها وتبدا في امتصاص دمي الساخن. أشفقت عليها من حرارتي العالية فلابد ان أجهزتها قد تأثرت بحرارتي. لكن للطعام الساخن الطازج مذاق لا يقاوم. حاولت باستماتة أن أبعدها لكن حركتي الضعيفة لم ترهبها. امتلأ بطنها حتى لم تعد قادرة على الطيران. شاهدتها تخرج سيفها وتفرد أجنحتها. لكنها لم تستطع. الطمع دائما يودي بصاحبه. تحاملت على نفسي بشدة ورفعت يدي الأخرى وهويت بها عليها. امتزجت دمائي بدمائها في لحظاتها الأخيرة. لا يمكن أن أنسى نظرتها تلك. ارتعشت بشدة وهي تنظر إلى بعوضة اخرى تنتظر خارج زجاج الغرفة…
………………………………………….

هذيان 3
فجأة انقطع المدد البارد الذي صنعته حبات المُسكن، دون سابق إنذار اشتعل الجحيم داخلي وتفجرت براكين الأعماق في شراييني، تعدت حرارتي الأربعين، فقدت الحركة تماما، عجز لساني وثقل حتى لم أعد قادرا على نبس الشفاه بالآه المخففة للأحمال، خرجت بهدوء ودون أن يشعر أحد من عالمهم، انسحب وعيي إلى عالم روحي بعد أن بدأت العوالم الضبابية في الظهور، التفاصيل الصغيرة واضحة جدا أمامي، ذرات الهواء تحوي عوالم عظيمة من كائنات منتظمة ومجتمع راق جدا يعرف كل فرد فيه تماما ما له وما عليه، دخلت عالم اللاوعي ممتطيا صهوة ما تبقى من فهم لما حولي، ثلاثة أيام وأنا أحترق وأنطفئ، لكن لا سبيل لملاقاتي الآن وأنا في رحلة غوص في العالم المفقود، يبدو أنني سأغيب هناك بعض الوقت..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى