خواطر

حين تصفعنا الخيبة: عبده الصلّاحي

 عندما يكون المصاب أكبر من المتوقع ينهار كُلَّ شَيْءٍ في داخلك من فرط الصدمة، حتى تلك الأشياء الجميلة -والتي راهنت على بقائها طويلاً- قد تتلاشى في طرفة عين وإلى الأبد.

تمر سنوات من الشقاء والمعاناة وأنت تبحر بين لجج الظروف، وحين توشك على الوصول تهب عاصفَةٌ هوجاء تقتلع سارية الحلم، قد تحاول التجذيف عبثاً
فتغور مرساة روحك في أعماق العدم لتبتلعك آهات الخيبة بلا رحمة.

في الحقيقة نحن نعيش على خيط أمل أدق من الشعرة فإن نحن فقدنا ذلك الخيط سقطنا في هاوية سحيقة من التلاشي…نعيش على أمل تلك النهايات الجميلة المرسومة على جدار الغد، لكن قد يكون للنصيب رأي آخر فقد تأتي النهايات عكس ما توقعناهُ تماماً…وقتها فقط نعرف كم كنا أغبياء إذ لم ندرك بأنَّ الأحلام ليست سوى فخ، وأنَّ الأماني ليست سوى سراب.

ليتنا ندرك مسبقاً بأنَّ صفعات الخذلان لا تجيد أسلوب الاستئذان، وأنَّ الخيبة كالموت حين تصافحنا تحنطنا في تلافيف أكفانها في لمح البصر.

لا يؤلمنا الفراق بقدر ما يؤلمنا من تسبب لنا بذلك الفراق، والأكثر أيلاماً هو أن يفارقنا ذلك الشخص الغير متوقع ..
أن يكون أول العابرين على جراحاتنا.. فرحيل شخص هو رحيل لأشياء كثيرة.. رحيل للحلم، رحيل للحياة، ورحيل للروح نحو شهقات الوداع.

قد يبدو الرحيل لوهْلَةٍ فراقًا مؤقتًا، لكن الوداع رَحِيلٌ أبَدِيُّ نحو الفقدان…فالموت قَاسٍ إِذْ أنَّه َشكلٌ من أشكال الوداع، وما أقسى ذلك الشعور الَّذي ينتابك حين يودعك شخصاً وهو لا يزال على قيد الحياة، حينها لا أنت تستطيع تجاهلهُ فتنسى ولا تستطيع الوصول إليه فتُشفى.

“كعصفورة في كف طفلٍ يهينها
تُعَانِي عَذابَ المَوتِ والطِفلُ يلعبُ
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
ولا الطيرُ مطلوقُ الجناحينِ فيذهبُ”

إنَّه مَوْتٌ سريرِيُّ مُعَمَّرٌ للقلب على بساط التناسي، تنخر الخيبة فتات روحك فتستعذب ذلك الأيلام مبتسماً ساخراً مما تصنعهُ فيك الأيام غَيْرُ مُبَالٍ أو مُكْتَرِثٍ…لم تعد تعنيك تلك الأشياء المتبقية حتى بريقها يتضاءل تدريجياً في
عينيك…وتلك الحياة تصبح مملةً جداً أشبة ماتكون بمسرحيةٍ هزليَةٍ شاهدتها مسبقاً عشرات المرات…لم يعد فيها شيء يدهشك أو يغريك لكنك مجبرعلى مشاهدتها.

حينها ستكبر سريعاً قبل عمرك، حتى قلبك سيغدو مليئاً بالثقوب كغربال مهترئ..سيقضم خشاش نبضهُ منزوياً بعيداً عن هرطقات العالم الخارجي متقمصاً شخصية (روبنسون كروزو) في جزيرته.

ستبدو لك الثقة أسطورةً خرافيةً أشبهُ ماتكون بحصان طروادة وسيغدو الخيال قبلتك الأولى فمهما حاولت سبر أغوار واقعك مرة أخرى تذكرت تلك الندوب على قلبك وقتها ستعرف أنَّ الإنسحاب هو مخرج الطوارئ الوحيد القادر على إخراجك من سرداب الوجع المحيط بك، فإن لم تفعل فأنت تحفر قبراً لما تبقى لديك من أملٍ بيدك،
وتذكر دائماً:
” إذا لم تتعلم من الصفعة الأولى فأنت تستحق الثانية”

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى