قصة

وِحَفَرْتُ حَرْفي

أكثم جهاد

وِحَفَرْتُ حَرْفي
أعْجَبَهُ غِلاف الكِتاب، ناداهُ العِنْوان السّاحِرَ، لكِنّ المُدهِشَ في الأمرِ ذلِكَ المُحْتَوى اللُجّيّ، إذْ كانَ المُحْتَوى سَرْداً لِقِصّةٍ حَدَثَتْ مَعَهُ قَبْلَ عِدّةَ أعْوامٍ، عِنْدَما كانَ في ذلِكَ المَرْجِ مَعَ صُحْبَةٍ لَهُ، يَتَذاكَرونَ أشْعارِهِم البَيْتَ تِلوَ البَيْت، حَتّى انْتَهَتِ القافِيَة عِنْدَ تلِكَ الشّجَرَةِ العارِيَةِ في مُنْتَصَفِ المَرجِ الّتي كانَتْ تُناجي العُشّاقَ لِلقدومِ إلَيْها لِتَسْتَظِلّ بِأشْعارِهِم وَيَسْتَظِلّونَ بِفَيْئِها..كانَ وَحيداً في كُلّ مَداراتِهِ، إلى أنْ أتَتْ مِنْ بَعيدٍ تِلكَ القاطِنَة في الظّلامِ، مُتّجِهَة نَحْوَهُ بكُل أمَلٍ وَرَجاءٍ وَفي جُعْبَتِها كُلّ أسْبابَ الشّقاءِ ، وَعِنْدَ التّلاقي تَوقّفَتْ ساعَةُ الزّمَن في صَمتٍ لَمْ يَعْهَدْهُ مِنْ قَبْلٍ. 
_وَبِسُؤالٍ أذْهَلَهُ..هَلْ تَحْفِرَ حَرْفي عَلى تِلكَ الشّجَرَةِ،؟ وَكَأنّها تَبْحَثُ عَنْ عِشْقٍ دَفينٍ في حَناياها تَبِثّهُ مِنْ خِلالِ اسْمِها عَلى تِلَكَ الشّجَرَةِ.
_أجابَها دونَ تَرَدّدٍ : بِكُلّ سُرورٍ..وَحينَما انْتَهى مِنْ عَمَلِيّةِ الحَفْرِ المُمتِعة. 
_سَألَها : لِماذا لَمْ تَقومِ بِهذِهِ المُهِمّةِ السّهْلَةِ المَنالِ؟ 
_أجابَتْهُ بِصَوْتِ الأَسى: أقْلامي قُصِفَتْ مُنْذُ العَهْد القَديمِ وَتاهَتِ الحُروفَ مِنْ ذاكِرَتي..انْتَشَرَتِ الضّحِكاتِ الهيسْتيرِيّةِ مِنْ الظّلالِ المُحيطَةِ بِهِ في لَوْحَةِ الجَمالِ لِتَسْقُطَ الأوْراقَ الخَضْراءَ الباقِيَةَ الّتي كانَتْ تَخْصِفُ عَوْرَةَ تِلْكَ الشّجَرَة، وَدونَ غَيْمٍ انْهَمَرَتِ الأمْطارُ مِنْ عَيْنَيْها، لِتَرْتَوي مِنْها تِلْكَ الشّجَرَة، وَبِعَكْسِ اتّجاهِ الرّيحِ ذَهَبَتْ
مُسْرِعَةً لِيَتَضاءَلَ طَيْفُها، لَكِنّ الوَقْتَ أسْعَفَهُ لِلحاقِ بِها عِنْدَ خَطّ النّجاةِ.
أخَذَها مِنْ يَدِها إلى قُمْقُمِهِ الّذي يَقْطِنَهُ وَناوَلَها ذلِكَ القَلَم المَفْقود بِحُلّتِهِ الجَديدَةِ لِتَخُطّ بِهِ عَلى أوْراقٍ صَنَعَها مِنْ بَريقِ الأمَلِ..تَوالَتِ الفُصولَ تَحْتَ قَدَمَيْها، وَتَماثَلَتْ أزْهارُ الحُروف بِكُلّ مَواسِمِها أمامَ ناظِرَيْها، وَانْسَجَمَتْ أنامِلُها مَعَ السّطورِ. لكِنّ العِيونَ المُظْلِمَةُ كانَتْ تُلاحِقُها وَقَلْبَهُ مُغَلّفٌ بِالجَليدِ خَشْيَةَ الوُقوعَ في نيرانِ الهَوى، وَحَدَثَتِ الفَجْوَةِ الّتي لَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ يَتَجاوَزُها، لِتَخْتَفي دونَ سابِقَ إنْذارٍ.
بَحَثَ عَنْها قَليلاً دونَ جَدْوى وَبَقِيَ في أحْضانِ الذّكْرى العابِرَة يَأسَفُ عَلى مَشْروعِهِ الّذي لَمْ يَتِمْ، إلى أنْ جاءَ هذا اليَوْم الّذي وَقَعَ فيهِ ذلِكَ الكْتابُ بِيْنَ يَدَيْهِ لِيُكْمِلِ لَهُ قِصّتَهُ الّتي انْتَظَرَ نِهايَتَها سَنَواتٍ عديدة، انهمرَتِ الدّموع على وَجْنَتَيْهِ. 
_تَمْتَمَ قائِلاّ: نَعَمْ عَزيزَتي لَقَدْ حَفَرْتٍ حَرْفَكِ أيّتُها المُبْدِعَة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى