دراسات و مقالات

طبيعة الزمن في المجموعة القصصية ” قتاع هراء ” للكاتب مجدالدين سعودي

عبدالرحمن الصوفي

ملاحظة : دراسة ذرائعية مستقطعة أي استقطعنا مدخلا واحدا من مداخل النظرية الذرائعية ، والمدخل الواحد هو موضوع دراستنا النقدية ، فاما لو درسنا المجموعة القصصية بجميع المداخل لتجاوزت الدراسة الخمسين صفحة … نطلب الله تعالى العون والسداد ….

 

 

تقديم

حين نقرأ قصة ، لا بد تتم القراءة وفقا لنظام زمني ، فالقارئ طبعا يقرأ الكلمة تلو الكلمة والفقرة وراء الفقرة وهكذا . فكل كاتب له تكنيكه المعين في سرد قصته ، فقد يبدأ قصته بالترتيب للزمن المتعارف عليه وهو السير إلى الأمام دائما ، وقد يبدأ القصة من منتصف الحدث ويستكمل بعد ذلك ما سبق من الأحداث ، وهذا ما يجعلنا نقر بأن في القصة لا ينبغي متشابها مع ترتيب زمن الاحداث . هذا الاختلاف بين الادباء في الترتيب الزمني في اعمالهم السردية يدفعنا لطرح مجموعة من الأسئلة ، والجواب عنها سيكون موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة .

بسم الله الرحمن الرحيم

يرتبط الزمن في القصة عموما باللغة ، فهي وسيلة التعبير في كل عمل أدبي ، ومن طبيعة اللغة انها لا تستطيع أن تستوعب القصة وتكملها في جملة واحدة ، وإنما لابد لها من مراحل زمنية كي تكتمل ، ولكي نتابع الحدث المتطور في القصة لا بد من رصد زمن معين له . والقصة تحتاج إلى زمن داخلي ، لأن الشخصيات العاملة في القصة توجد وتعمل في الزمن ، والأحداث الواردة كذلك في القصة تعمل أيضا داخل الزمن ، فهناك ما يتغير في القصة في إطار الزمن ، وهناك ما لا يتغير من بداية القصة إلى نهايتها ويتم في إطار الزمن . وبما أن القصة تظهر أمام القارئ متدرجة خطوة تلو خطوة ، فإن المؤلف يستغل المعرفة المؤقتة لدى القارئ لكي يزيد من الاهتمام والتوتر . كما أن المؤلف يستغل الزمن الداخلي يبرز ذلك بوضوح ، ولأن الزمن داخل القصة يختلف غائيا عن الزمن الموضوعي الفيزيائي . فالزمن الموضوعي يقاس بجهاز قياس الزمن المتعارف عليها ، أي أنه يتقدم في خط مباشر وبنظام ثابت من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل .

# – كيف اختار الكاتب مجدالدين سعودي الكلمات وكون بها الجمل ليوضح علاقة القصة والوحدات المكونة لها بالزمن ؟

# – هل الزمن في المجموعة القصصية يسير وفق نظام معين ، ام متغير يغير سرعته واتجاههه ؟

# – هل الزمن في المجموعة مادة سلسة يشكلها الكاتب كما يشاء ، أم قارة ثابتة ؟

# – ما المدة التي يستغرقها الزمن في القصة ؟

# – ما هو الترتيب الزمني الذي سلكه الكاتب ؟ أ الترتيب الموضوعي أم الزمن القصصي ؟ وما العلاقة بينهما ؟

الأجوبة عن كل هذه الأسئلة وغيرها ستكون موضوع غوصنا من خلال دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة للمجموعة القصصية ( قناع هراء ) .

لنتأمل الزمن في القصة القصيرة المعنونة ب ( تمرد حكايات ) الصفحة ( 13 – 14 ) وبعدها نعود للتحليل

 تمرد حكايات

( في الواقع الموحل والزمن السقيم ، قد يكون انجاز الزمن الممكن هو الحلم ) / سعد الله ونوس .
قالت الحكاية الأولى : سأتمرد على حبكتك ..
تجشأت الحكاية الثانية وهتفت : لعنة الله على العقدة والحل ..
قالت الثالثة : مللنا من الزمكان ووحدة الموضوع …
نددت الحكاية الرابعة بالصراع الطبقي الذي أناقشه …
قالت الحكاية الخامسة : هل سينتصر الخير على الشر في نهاية قصتك ويتعذب الظالم ويعاقب الجاني وووووو ….
طالبت الحكاية السادسة بالربيع الإبداعي شرط أن لا تتدخل أمريكا اﻹسرائيلية والعربية الغربية وإعطاء الحرية ﻹبطال الحكايات يقررون مصائرهم بدون تدخل أجنبي …
نددت الحكاية السابعة بتواطئ الكاتب مع مقص الخريف العربي وأعلنت إفلاس منظومة الكاتب …
حار الكاتب بين ما يكتبه وبين ما يريدون له كتابته …
قالت الحكاية الثامنة : لا نريد اجترار حكايات ( شهرزاد التي أدركها الصباح فسكتت عن الكلام المباح … )
قالت الحكاية التاسعة : نريد أدبا إبداعيا جديدا …
أما الحكاية العاشرة فأعلنت خروجها عن النص الأصلي …
قال الكاتب : أمهلوني لحظات لأسترجع أنفاسي وأبدأ من جديد …لأكون كاتبا مجددا يخرج من الجلباب المتعارف عليه …) …

====================================

نلاحظ ازدواجية الزمن في معظم قصص المجموعة ، أي الزمن الأول الموضوعي الذي يقع خارج النص ، وهو ما يمكن أن نسميه زمن القص ، والزمن الثاني الذي يقع داخل القصة ويمكن أن نسميه زمن القصة ، هنالك أهمية كبيرة للعلاقة بين هذين الزمنين في كل نصوص المجموعة ، فمن خلال هذه العلاقة تتضح لنا العلاقة بين الأجزاء النسبية والمختلفة في النص الواحد ، فحين تتوضح العلاقة بين الزمنين تتضح لنا الصورة التي تعرف بها الأحداث داخل كل نص ، وبالتالي يسهل علينا استخلاص النتائج بشأن مغزى النص وموضوعه الرئيسي …

بالنسبة لزمن القص في المجموعة القصصية ( قناع هراء ) فهو نفسه الزمن المطلوب لقراءتها ، زمن يمكن قياسه بسهولة لأنه واضح ويقع خارج النصوص ، لكن الصعوبة تكمن في معرفة زمن القصة في المجموعة القصصية ، أي الزمن الداخلي المستخدم فيها ، ونرى أن وسيلتين لمعرفة الزمن ومعرفة أنواعه وعلاقاته ، وهاتان الوسيلتان مرتبطتان باللغة كما أشرنا إلى ذلك في المقدمة وهما :

1 – أزمنة الفعل المستخدمة في نص قصصي في المجموعة القصصية .

جاء في القصة القصيرة ( صباح الخير يا أنا ) الصفحة ( 47 – 48 ) : ==============

( من خصائص الواقع أن السيطرة عليه غير ممكنة ) رولان بارت
1
أنت ؟ …
نظر إلى المرآة الممتلئة بالبياض والحكمة ، لم يجد أحدا …
بسمل وتكلم : صباح الخير با أنا …
نظر إلى المرآة…
ابتسمت المرآة …
وترحم على أيام زمان الغارات الشعرية …
2
ناداه صوته الجميل : يا أنا …
تعجب وقال لنفسه : انه يعرفني …
قالت المرآة : كلنا هذا العشق الجميل …
3
قالت المرآة مرة أخرى : أنا وأنت هو أنت وأنا …
مسح دمعة حقيقية بيده كعادته القديمة ثم كتب :
أنا أنتم ونحن الحلاج …
4
في سماء سابعة التقى أناه …
كانت تعشق البحر والزرقة … وكانت حاتمية الطبع والجمال وتغني عن أناه …
5
تعجب لأناه التي تعشق الحاتميين والبعيدين والسفر والإبداع والبسمة …
قالت المرآة : أنت حاتم ياحلاج …
وسكت عن الكلام المباح بعد أن أدركه الصباح

===== =================

أقصى ما يمكن ان نعرفه من خلال ازمنة الأفعال في نصوص المجموعة هو أن حدثا وقع في زمن معين في الماضي ، ولكن هذا الماضي غير محدد ، فنحن لا نعرف ما إذا كان الحدث وقع منذ أيام أوسنة أو سنوات … أو منذ فترة طويلة أو طويلة جدا … فزمن الفعل لا يمكنه أن يحدد ذلك ، لأنه في اللغات السامية لا نعرف الماضي التام ولا الماضي الناقص ، بل حتى في اللغات الأروبية لا يمكن أن نحدد الزمن الدقيق للفعل ، ونفس الشيء بالنسبة للحاضر والمستقبل ، فنستنتج أن زمن الفعل غير قادر على أن يوضح المدة الزمنية التي استغرقها الحدث .

2 – كلمات التعبير عن الزمن في قصص المجموعة .

ويختلف الأمر مع الكلمات ( سنة – مساء – صباح ….) وأسماء الأفعال والإضافة والأرقام وغيرهم فقد تححد الزمن بصورة دقيقية ويمكنها أن تحدد المدة التي يستغرقها الزمن ، لكن نلاحظ هذا النوع الثاني قليل غير ان الاقول التي تتفتح بها التصوص . وهنا لم يعد الزمن موضوعا فحسب أو شرطا لازما ، بل أصبح هو ذاته موضوع قصص المجموعة القصصية ، بل إنه يوشك أن يصبح ” البطل ” ، ويمثل الزمن هنا عنصرا من العناصر الأساسية التي يقوم عليها القص ، على اعتبار أن فن القص هو أكثر الفنون الأدبية التصاقا بالزمن ، فهو يسير ويتحكم في صيرورة الأحداث الخاضعة لترقيم في قصص المجموعة وفق منظومة لغوية معينة بغية التعبير عن الواقع الحياتي المعيشي وفق الزمن الواقع أو السيكولوجي .

—– زمن صيرورة الأحداث الخاضع للترقيم احتمالات الترتيب الزمني في قصص المجموعة —-

وجود الزمن في فن القصة عنصر أساسي ، فبدون الزمن لا يمكن للقصة أن تستقيم ، وعلاقة القصة بالزمن كما أشرت علاقة مزدوجة ، فالقصة تصاغ في داخل الزمن والزمن يصاغ في داخل القصة ، والقصة تحتاج للزمن لكي تقدم نفسها من خلاله ، أي كل مرحلة وراء الأخرى ، ونشير أن زمن الحدث ينطوي بدوره على مجموعة من الأزمنة ، منها زمن الحبكة ، وزمن القصة ، وزمن العمل الأقصوصي وزمن قراءة العمل ، وكل هذه الأزمنة متداخلة ومتفاعلة ولكل منها ترتيب واستمرار ووتيرة خاصة ، فزمن الحبكة مختلف عن زمن القصة . لأن زمن الحبكة في المجموعة القصصية رتب وفق ترتيبات تبادلية رقمية لزمن القصة ، أي أنه إذا كان هناك حدث واقعي له ترتيب زمني على شكل :
( 1-2-3-4–5-6) ( الاعداد من الاصغر إلى الأكبر ) فإنه في قصص المجموعة يظهر في عدة احتمالات نذكر منها :

1-3-2-5-4-6
1- 6-4-2-3-5
1-5-2-4-3-6

وغيرها من الترتيبات الزمنية التي يمكن رصدها من خلال قصص المجموعة الحاملة لأرقام تحيلنا على احتمالات في الترتيب الزمني ، ولنتامل جميعا القصة التالية المعنونة ( سقوط ) للكاتب ( مجدالدين سعودي ) الصفحة ( 77 – 78 )

 سقوط

( رهيب ، أن تدفن الآمال في مقابر الذات ) . غادة السمان

1
سقطت تفاحة …
سقط آدم …
سقطت حواء …
2
كانت تنتمي للعالم الافتراضي …
هي بكل ألوان قوس قزح …
مرة تظهر بصورة عسلية …
مرة ثانية تبدو ( سمراء ) …
مرة تظهر بعيون زرقاء …
3
كنت امنتمي لنفس قطيع الذئاب …
مرة أحاضر في الأخلاق …
مرة أتحدث عن أهمية الرياضة …
مرة أدافع عن المساكين …
4
التقينا في فضاء افتراضي …
تحدثنا عن ( الحب ، الأمل ، السعادة ، القيم ، الاحترام …)
5
أصبحنا فضاءين للبهتان والكذب …
ننافق …
نتسابق …
6
نظرنا معا إلى التفاحة …
قلت أو قالت : دعنا من الخطابات الحكومية الرسمية ولغة الخشب . لقد آن أول الالتحام …
7
سقطت عاريا …
سقطت فاتحة شهوتها وتفاحتين …
سقطنا معا …
8
لعبنا بالتفاح معا …
كنا نتساقط معا عاريين بدون أوراق التوت …

اختار الكاتب ترتيبات كثيرة زمنية للأحداث او الجزئيات ، منها الترتيب المرقم الحامل لترتيبات محتملة كثيرة يشكل مجموعها زمن القصة ، ولا يمكن أن يبرز الزمن في القصة دون ارتباطه باللغة ، فالزمن عنصر بنائي ولا يوجد مستقلا عن القصة يس مثل الشخصية نستطيع ان نستخرجه من النص . وتتميز قصص المجموعة بالتداخلات الزمنية كالاستباقات والاسترجاعات وقيلا ما رصدنا التسلسل الزمني . وتمتاز طبيعة الزمن القصصي لدى الكاتب بوحدتين يمكن رصدهما من خلال البناء القصصي في هيكله الزمني وهما الزمن الطبيعي والزمن النفسي ، فالزمن الطبيعي يمثل الخيوط التي تنسج منها لحمة النصوص ، أما الزمن النفسي فيمثل في المجموعة الخيوط العريضة التي تبنى عليها قصص المجموعة ، بحيث يرتبط الزمن النفسي الداخلي بالشخصيات في القصص لا بالزمن الحقيقي ، حيث يتداخل مع الحياة النفسية للشخصية في كل نص ، والزمن النفسي لا يخضع لمعيير خارجية لذلك يلجأ الكاتب إلى المونولوج الداخلي .

 خاتمة

الحديث عن طبيعة الزمن في المجموعة القصصية ( قناع هراء ) للكاتب مجد الدين سعودي ، يستدعي كذلك العلاقة بين الزمن القصصي والمقاطع النصية التي تصبح عبارة عن ارقام حاملة لدلالات لا يمكن التغافل عليها كمكون اساسي في الفضاء البصري النصي ، فالمقاطع النصية هي التي تغطي الفطرات وهي التي تسمى سرعة النص عند ( جنيت ) ، حيث يصنفها تحت أربع حركات وهي : الحذف الزمني – الحركة الزمنية – زمن الخطاب – وزمن الوقفة الوصفية . وهذه العناصر الأربع ستكون تقديما لدراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لنفس المجموعة القصصية ( قناع هراء ) للكاتب مجدالدين سعودي ، وعنوان الدراسة المقبلة ( الحركة السردية وأنواع السارد في المجموعة القصصية ” قناع هراء ” ) إن شاء الله تعالى

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى