دراسات و مقالات

طائر الليل –الشاعر و الاذاعي و المحاضر السوداني د. حسن صبحي ( 1928 – 1989 م)

السعيد عبد العاطي مبارك

 

أيا طائرَ الليلِ
وَلَّى من الليل عمرٌ طويلْ
وما زلتَ أنت
تصيحُ تصيحْ
بصوتٍ جريحْ
فيطرق سمع الوجودِ الفسيحْ
وينهال يا طائري في حَزَنْ
فتكنزه العتمةُ الحالكهْ
ويثخن فينا جراح الشجنْ
فنذكر مُرَّ الأسى والنواحْ
إلى أن تهلَّ عيون الصباحْ
وتنشر شمس النهارِ الضياءْ
وحينئذٍ
تعود إلى وكرك المنعزلْ
بعيداً بعيداً برأسِ الجبلْ
وتلقي بجسمك يا طائري
كليلاً من الرحلة الساهرهْ
ويحملك النوم في مركبِهْ
ويرخى الشراعَ
وأنت تنامْ
وتحلم بالرحلة القادمهْ
ويمضي الصباحْ
بأنفاسه الحلوة الطيبهْ

.—
من أرض النيلين – السودان الشقيق – حيث تفوح رائحة الشعر و تتلألأ صورة الطبيعة الساعرة بجمالها الفتانة الذي يلهم الانسان الفنان و لا سيما الشاعر الرسام الذي يحكي مشاعره لوحة مكتملة الأركان .
و لم لا فالشعر السوداني له مذاق خاص يجذب المتلقي في لغة راقية و صورة تفيض بالشجن و الدلال و ايقاعات تفتح نوافذ الزهو في كبرياء ..
الهادي آدم و التيجاني و المجذوب و ادريس جماع و حسن طه و مبارك المغربي و تاج السر حسن و مصطفي سند و د . مجدي الحاج ، و روضة الحاج و ابتهال محمد مصطفي و مناهل فتحي و سميرة الغالي و فرحة عطا و سعادة عبد الرحمن وغيرهم كثيرون .

مع الرائد المجدد في مرآة الأدب الحديث و الشعر المعاصر دكتور حسن صبحي !! .

و من مدينة ” شندي ” نتوقف مع الشاعر العبقري ” حسن صبحي ” الذي كم أسعدنا أثناء عمله بهيئة الاذاعة البريطانية بي بي س !! .

فهو المسكون بمشاعره النبيلة يمتلك الموهبة و الثقافة و تفيض ظلال أسفاره و ترحاله بين العواصم العربية و الأجنبية معا .
و من ثم السفر و الترحال و تنوع العمل جعله موسوعة انسانية تعج بالتراث الحضاري و الروح الجمالية في نزعات صوفية بجانب انه من الشعراء العشاق و شعره ينم عن شفافية الغزل الراقي الذي يستلهم منه روح الحياة في سليقة القدماء مع توازن القالب الحداثي الذي تلفه المدنية بكل صبغاتها المتوالية .

فشعره منهل عذب لا تتوفق برهة و انت تنشده من حلاوته و روعة جماله و بساطة مفرداته و فلسفة صوره البلاغية و تجلياته الاشراقية و خياله الخصب الذي يجنح به نحو الارتقاء الي القيم فيظل المحلق عبر رحلته مع الابداع .
انه الشاعر الغزلي المرهف الغنائي بل فيض من التوقد الأدبي والإنساني …

فقد كتب أغنية ” ماذا يكون حبيبتي ” للفنان عبد الكريم الكبالي و أغنية النصر للفنان سيد خليفة ، و أغنية ” قدم خير ” لشرحبيل أحمد و غيرهم .
و تظل كلمات دكتور حسن صبحي تصدح في مخزون محبي الشعر حيث يطالعنا مع مواسم الهجرة و الشتاء بكلمات دافئة تصور رقي مشاعره فيقول منها :
غابت شمسك أبي من سماءالدنيا
وزارني فصل الشتاء البارد
طوقني دخان الضباب
خيم الصمت على المكان
والكلمات باتت مجمدة
لا تقوى على الحراك
أواه يا أبتاه
أحن لك ولكلماتك الرقيقة
بنيتي…حبيبتي…سلمى
أواه يا أبتاه
وفي قمة السكون
طرق الباب ضيف صبوح الوجه
مبشراً بشمس يوم جديد

نشـــــــأته :
———

ولد الشاعر و الاعلامي و المحاضر السوداني حسن بن عباس صبحي عام 1928 م في مدينة شندي (شمالي الخرطوم – السودان) وتوفي في تبوك (شمالي السعودية). عام 1989 م .
تلقى تعليمه الأولى بشندى و المرحلة الوسطى بعطبرة التي شكلت له جزءا كبيرا من حياته حيث التقى بأستاذه / عبد القادر شريف الذي حبب إليه اللغة الإنجليزية فانكب عليها وكان من المتفوقين في منافسات الإلقاء بالإنجليزية والعربية.
منذ نعومة أظفاره .كان معجبا أيضا بشخصية العقاد وعبقريته والمهاتما غاندي مُحَّبَ السلام ، و شغفه بالتاريخ .
عاش في السودان، ومصر، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، والاتحاد السوفييتي.
درس بمدارس بخت الرضا، ثم التحق بكلية الآداب (جامعة القاهرة) قسم اللغة الإنجليزية، وبعد تخرجه أحرز الماجستير من الكلية ذاتها، ثم سافر إلى جامعة
أدنبرة (بريطانيا) حيث نال درجة الدكتوراه في الأدب المقارن.
عمل معلمًا، ثم مذيعاً بالقسم العربي بإذاعة لندن، غير أنه استقال عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 – وعاد إلى السودان، ليعمل أستاذًا للأدب
الإنجليزي بجامعة أم درمان الإسلامية. ثم انتدب للتدريس بالمملكة العربية السعودية، وكان هناك الرحيل.
التزم شعر التفعيلة، وكانت إقامته بمصر سبيلاً إلى تأثره بشعراء المدرسة الجديدة في مصر، وعلى رأسهم صلاح عبدالصبور، كما كان لتخصصه في الأدب الإنجليزي
أثره الواضح في أخيلته الشعرية، وقد استفاد من معين الرمزية الذي يزخر به شعر الحداثيين الأوربيين أمثال عزرا باوند، وإليوت، ممن قرأ لهم الشاعر وتأثر بشعرهم.

كان عضواً مؤسساً في الندوة الأدبية بأم درمان، وعضواً بمؤتمر الكتاب الآسيويين والإفريقيين، وعضوًا عاملاً في كثير من منتديات القاهرة الثقافية.

الأوسمة التي نالها:
———————-
= نال وسام العلم الذهبي من جمهورية السودان عام 1976.

= نال وسام العلم والآداب والفنون الذهبي وجائزة الدولية التقديرية من الطبقة الأولى من رئيس الجمهورية جعفر محمد نميري عام 1977
= نال وسام العلامة إقبال الذهبي من الرئيس الباكستاني ضياء الحق عام 1979

المؤتمرات التي مثّل فيها السودان في العالم العربي
o مهرجان المربد في العراق 1970
o عضوا في وفد الأنبياء إلى صنعاء 1976
o مثل السودان في ندوة بن رشيق 1981
o عضو الوفد الثقافي الإعلامي على القاهرة 1981
o ممثلا للجامعة في الموسم الثقافي للطلاب السودانيين بالجامعات المصرية
الأنشطة والمناصب الأخرى
1. كان رئيس اتحاد الأدباء السودانيين عام 1976
2. أمين العلاقات الخارجية في الإتحاد نفسه
3. أمين الثقافة بجمعية الصداقة السودانية الباكستانية
4. رئيس لجنة الدراسات الأدبية والترجمة بالمجلس القومي للأدب والفنون.
5. عضو لجنة الآداب بالمجلس نفسه
6. عضو لجنة النشر بالمجلس نفسه
7. كان عضو لجنة الشعر من عام 1978 -1981
الأوسمة التي نالها:
o نال وسام العلم والآداب والفنون الذهبي وجائزة الدولية التقديرية من الطبقة الأولى من رئيس الجمهورية جعفر محمد نميري عام 1977
o نال وسام العلامة إقبال الذهبي من الرئيس الباكستاني ضياء الحق عام 1979 .

الإنتاج الشعري:
– له ديوان: «طائر الليل» – مطبعة التقدم، – القاهرة ، كما نشر الكثير من شعره في الصحف والمجلات السودانية والعربية.
و من مؤلفاته :
—————
o ديوان طائر الليل بالعربية
o الصورة في الشعر السوداني بالعربية
o دور المثقف في المجتمع بالعربية
o الرومانسي اللامنتمي بالانجليزي
o في الأدب المقارن باللغة العربية
o النفاذ عبر الجدار باللغة الانجليزية
o مثالية الحب والجمال عند الرومانسيين باللغة الانجليزية
o إدراك الذات مع الطبيعة الأم باللغة الانجليزية
o الشعراء الانجليز والعرب في المهم الرومانسي باللغة الانجليزية
أعمال قام بترجمتها:
o مسرحية الرجل السابع للكاتب الانجليزي مايكل ردقريق وقدمت من البرنامج الثاني من إذاعة مصر ترجم
o بلاد الشمس الساطعة للكاتب الليبي الوطني موجا جيكارو لخصه ونشر في جريدة الجمهورية
قام بترجمة دليل جامعة أم درمان الإسلامية من العربية الي الانجليزية و غير ذلك !!.

ثم يتنقل بنا بين ربوع الصيف فينشد هذا :
قمر مشبوب الأضلاع
يتراقص في بحر البللور
والأنجم …….يا للأنجم
حول القمر عرائس نور
وشراع يرشف في شوق،
أنفاس الريح النشوانة
والمجداف.

مختارات من شــعره :
——————–
و هذه قصيدته الرائعة بعنوان ( طائر الليل ) و هي تحمل اسم عنوان ديوانه ، صور فيها كل تباريحه و بث فيها أشجانه و شكواه في رمزية الي الهموم و الحزن و كم من المعاناة ، و قد يحوم بين مفرداتها ينشد النور و الحرية كالطائر المطارد فيشدو في حب نحو الخلود مع الحياة ينادي ظله مخاطبا طائر الليل في فلسفة ثنائية ذات بعد اجتماعي انساني في تناغم مع الكون الفسيح :

أيا طائرَ الليلِ
وَلَّى من الليل عمرٌ طويلْ
وما زلتَ أنت
تصيحُ تصيحْ
بصوتٍ جريحْ
فيطرق سمع الوجودِ الفسيحْ
وينهال يا طائري في حَزَنْ
فتكنزه العتمةُ الحالكهْ
ويثخن فينا جراح الشجنْ
فنذكر مُرَّ الأسى والنواحْ
إلى أن تهلَّ عيون الصباحْ
وتنشر شمس النهارِ الضياءْ
وحينئذٍ
تعود إلى وكرك المنعزلْ
بعيداً بعيداً برأسِ الجبلْ
وتلقي بجسمك يا طائري
كليلاً من الرحلة الساهرهْ
ويحملك النوم في مركبِهْ
ويرخى الشراعَ
وأنت تنامْ
وتحلم بالرحلة القادمهْ
ويمضي الصباحْ
بأنفاسه الحلوة الطيبهْ
بأنوار بهجته الساطعهْ
بأزهاره النضرة الباسمهْ
بأطياره حرةً في الفضاءْ
وطير «الخداري» يغنّي طليقًا
نشيد الأملْ ربيع الحياهْ
ينغِّم ألحانه في انتصارْ
ويشعل في القلب روح الرجاءْ
ونارَ الكفاحْ
وأنت تنامْ
وتحلم بالرحلة القادمهْ
وشيئاً فشيئاً يذوب الضياء
تودِّعه نغماتُ الطيورْ
إلى أن يغيب وراء الأفقْ
وحينئذٍ
يعود «الخداري» إلى عُشِّهِ
بقلب الحديقة بين الفروعْ
وينضح في جسمه شوقه
ليوم غدِ
ليسكب من صدره حبَّهُ
لدنيا الحياة وروح الرجاءْ
وبعد قليلٍ
يعمّ المساءْ
وتتبعه الظلمة الموحشهْْ
وتعوي الذئاب بصوتٍ نكيرْ
يخيف الجزيرة تحت الجبلْ
وتشرع ضفدعةٌ في النقيقْ
تشاركها ضفدعات أُخَرْ
وتنسلُّ تنسلُّ من نومها
زواحفُ مكتئبات الصورْ
تمرِّغ أجسامها في الوحلْ
تجرُّ على العالمين الخرابْ
وتنفثُ أحشاؤها ألفَ شَر
وبين الظلامِ
تصبُّ الكلابْ
نذيرَ النباح بجوف الجزيرهْ
تجاوبها غمغماتُ الذئابْ
ويعلو الصراخْ
يدوِّي النُّباحْ
يلفُّ الجزيرة
يهزُّ الجبلْ
فتقفز من حلمك الغيهَبِيِّ
وتنظر مبتهجًا بالظلامْ
وتجلس في وكْركَ المنعزلْ
بعيداً هناك برأس الجبلْ
توزّع صيحاتك النائحهْ
وتهفو لرحلتك القاتمهْ
بدنيا الظلامْ
وأنت تصيحُ
تصيحُ تصيحْ
بصوتٍ جريحْ
فيطرق سمع الوجود الفسيحْ
وينهالُ يا طائري في حَزَنْ
فتكنزه العتمةُ الحالكهْ
ويثخن فينا جراح الشجنْ
فنذكر مُرَّ الأسى والنواحْ
إلى أن تهلَّ عيونُ الصباحْ
وتنشر شمسُ النهارِ الضياءْ

و يقول الشاعر السوداني حسن صبحي في قصيدة غزلية بعنوان ” ماذا يكون يا حبيبتي ؟! ” حيث تسائل عن دوامة العشق التي تساوره في روح غزالية جمالية يحوم كالطائر الغرد حول دوحته في حوارية رائع في انسجام بين حنين و ذكريات و حسرة برغم حجم المأساة و قد غناها الفنان عبد الكريم الكبالي حيث تحمل ظلال الغزل بكل أطيافه في مسحة صدق و جمال تترجم مشاعره :

ماذا يكون؟
ماذا يكون حبيبتي؟
ماذا يكون؟
******
يا جرح دنياي الّذي لا يندمل
يا من تركت القلب ينزف في أنين
حسرات لحظات توالت في وجل
كصدي يطير مضيّعا عبر السنين
*******
ماذا يكون حبيبتي؟
ماذا يكون.
*******
بعد الّذي جرّته أيّام العذاب
و توشّح القلب المولّه بالسراب
وهو الّذي يلقي الصباح علي أمل
و يبثه من وجده شوق الكنار
وينضّد النغم المورّد للنهار
حتّي مع الّليل المخيّم بالظلام
يهب الحياة غناؤه…
يهب الفنون.
*******
ماذا يكون حبيبتي؟
ماذا يكون؟
*******
بعد الوعود وقد تلاشت و انطوت
بعد البراعم في أكمّتها ذوت
بعد العناد و قد توشّح بالظنون؟
*******
ماذا يكون حبيبتي؟
ماذا يكون؟
*******
و مع السلام
لك من فؤادي باقة الحبّ الحنون
لك من عيوني دمعة المزن الهتون
لك من جنوني، يا جنوني، ألف لون
لك من فؤادي ما يكون و لا يكون
و لك السلام و لهفتي
و تساؤلي:
ماذا يكون حبيبتي؟
ماذا يكون؟

هذه كانت أهم الملامح لصور الشعر السوداني المعاصر مع الشاعر و الاعلامي و المحاضر السوداني الدكتور حسن صبحي الذي شرق و غرب مع عواصم المدن و رسم خط بياني ثقافي لحياته الادبية و العملية فجاءت قصيدته ذات زخم و حضور مكتملة كل المعايير الفنية في تدفق يمسك بظلال الكلمة الشاعرة المؤثرة في حياتنا دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى