دراسات و مقالات

شاعر العودة هارون هاشم رشيد – 1927 م

بقلم​ تغريدة الشـــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد ​

فلسطيني أنا اسمي فلسطيني
نقشتُ اسمي على كل الميادين
بخطٍّ بارز يسمو على كل العناوين
فلسطيني وإن داسوا على اسمي وداسوني
فلسطيني وإن خانوا تعاليمي وخانوني
أنا ماذا أكون أنا
بلا اسمي فلسطيني
بلا وطنٍ أعيشُ له
وأحميهِ ويحميني
————
نعم أنه الشاعر الثائر الغنائي الذي اختير ما يقارب تسعون 90 قصيدة من أشعاره قدمها إعلام الغناء العربي, وفي مقدمة من أشدوا أشعاره فيروز، وفايدة كامل، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح، وآخرون.
في بيئة غنية بكل مقومات الانسانية المعنوية و المادية ولد شاعرنا الفلسطيني هارون هاشم رشيد في غزة هاشم حيث العبق التراثي و التاريخي الرائع مع فجر عصور الحياة بين ظلال القدس الشريف و اشجار التين و الزيتون كانت يومياته بين الكلمة و الحجر اللذان رسما مساره مع الحياة في كفاح و نضال فجاء شعر المقاومة في تمرد و ثورة و احياء حلم العودة للغرباء و انشاد نشيده الخالد ” عائدون ” ملحمة تبث الوعي في النفوس –
و مما لا شك فيه و لا جدال أن هذه البيئة المتداخلة مع العصور ذات المؤثر الاجتماعي و التاريخي و الجمالي من خلال البعد الزماني و المكاني جعلت كل مرلود فلسطيني بعد نكبة 1948 م شاعرا بالفطرة و من خلال روح الوطنية و عبقرية الكفاح و الانتفاضات المستمرة هكذا و يظهر كل ذلك في الموروث الادبي لفن المقاومة شعرا و حجارة في خطين متوازنين ملحمة عطاء و ايمان بحب الوطن و مجابهة المستعمر الغاصب للحق الفلسطيني منذ كنعان المؤسس للبلاد —-
و من ثم كانت هذه التغريدة التي تفوح بعبق كلمات هذا الشاعر الكبيرالذي يجسد لنا ملامح البقية الباقية من تلك الكوكبة الشعرية الفلسطينية التي أضاءت سماءنا ذات يوم من أمثال أبي سلمى وإبراهيم طوقان وفدوى طوقان و سلمي الجيوسي وعبد الرحيم محمود وحسن البحيري و درويش و سميح القاسم و غيرهم كثيرون
فأكثر شعب فلسطين شعراء فحب الوطن و المقاومة جعلت كل فرد كلمة و حجر في وجه الغاصب الغاشم — !!
نشــــــــأته :
———
ولد الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، في مدينة غزة، حارة الزيتون، عام 1927م، وهو من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم اسم شعراء النكبة أو شعراء المخيم، ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة ويعد من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، فأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194)، أصدر عشرين ديوانًا حتى الآن، وكان يشغل منصب مندوب فلسطين المناوب بجامعة الدول العربية.
درس هارون هاشم رشيد في مدارس غزة فأنهى دراسته الثانوية في العام 1947، وحصل على شهادة المعلمين العليا. بعد حصوله على الدبلوم العالي لتدريب المعلّمين من كليّة غزة عمل في سلك التعليم حتى عام 1954.
انتقل للعمل في المجال الإعلامي فتولي رئاسة مكتب إذاعة “صوت العرب” المصرية في غزة عام 1954 لعدة سنوات, وعندما أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية كان مشرفا علي إعلامها في قطاع غزة من عام 1965 إلي 1967.
بعد سقوط غزة في أيدي الإسرائيليين عام 1967 ضايقته قوات الاحتلال الإسرائيلية وأجبرته في النهاية على الرحيل من قطاع غزة. فانتقل إلى القاهرة وعين رئيسا لمكتب منظمة التحرير فيها، ثم عمل لمدة ثلاثين عاما كمندوب دائم لفلسطين في اللجنة الدائمة للإعلام العربي واللجنة الدائمة للشئون المالية والإدارية بالجامعة العربية. إضافة إلي ذلك واصل عمله الإبداعي في الكتابة والصحافة والتأليف والشعر.
عاصر الشاعر هارون هاشم رشيد محنة الاحتلال ومعاناة الغربة وشاهد بأم عينيه عسكر الجيش البريطاني قبل الإسرائيلي يهدمون المنازل ويقتلون الاطفال والنساء والشيوخ حتى اصبحت تلك المشاهد هي الصورة اليومية لحياة المواطن الفلسطيني. من رحم هذه المحن أطلق هارون هاشم رشيد عهده في النضال حتى آخر بيت شعر، فتغنى بالشهداء وتفاخر بالمعتقلين الشرفاء، ووقف مع المقاتلين من أجل استرجاع الحقوق الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
شعره بسيط ومباشر وموزون وجله مبني على شكل الشطرين الموروث يعبّر فيه عن مأساة فلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم وبيوتهم، كما يصف عذابهم ومشاعر الفقدان والاغتراب العميقة التي عايشوها عبر السنين. أطلق عليه تسميات مختلفة مستوحاة من مراحل عذابات شعبه فهو:
شاعر النكبة، شاعر العودة، شاعر الثورة وهي تسمية اطلقها عليه الشهيد خليل الوزير عام 1967 بعد قصيدة «الأرض والدم»
وأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194).
أنتاجه الشـــــــــــعري :
———————-
أصدر قرابة عشرين ديواناً شعرياً منها :
(الغرباء عام 1954, وعودة الغرباء 1956,غزة في خط النار, حتى يعود شعبنا 1965 , سفينة الغضب 1968ورحله العاصفة 1969 ,فدائيون 1970 مفكرة عاشق 1980 يوميات الصمود والحزن 1983, ثورة الحجارة1991 , طيور الجنة 1998) وغيرها..
كتب أيضا أربع مسرحيات شعرية :
مُثِل منها علي المسرح في القاهرة مسرحية “السؤال” من بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي.
وبعد حرب العبور 1973 كتب مسرحية “سقوط بارليف” وقٌدمت علي المسرح القومي بالقاهرة عام 1974، ومسرحية “عصافير الشوك”، إضافة إلي العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة “صوت العرب” المصرية وعدد من الإذاعات العربية.

لقطات سريعة من شـــــــــعره :
—————————-
يصور لنا شاعرنا هارون هاشم رشيد مأساة أطفال الحجارة منذ بدايات الاحتلال البغيض من خلال هذه المقطوعة التي بعنوان ” طفل فلسطيني ” هذا الطفل الذي حرم من أبسط مقومات الحياة من أمن وأمان ومن كساء وغذاء ومن رعاية وتعليم و هذا أبسط الحقوق التي ربما اصبحت حلما فيقول فيها :

يحلم طفلي الصغير
مثلما يحلم الأطفال
يحلم أن يطير مثلما فراشة
تهيم في التلال
ولكن.. ومنذ أن حطّت قوى العدو في السهول والجبال
تفزعه رصاصة تشده قنبلة.. يخيفه زلزال. !!
وتأتي قصيدته المطولة ((ثورة الحجارة)) لتؤكد موقفه المبدئي من كل ما يجري على الساحة الفلسطينية وأنه متشبث بنهج المقاومة والجهاد بكل الأساليب، وهي قصيدة تتفجر فيها العاطفة ويجمع الخيال وتلامس الجرح الفلسطيني بكبرياء ويرتفع فيها النص صياغة وأسلوباً إلى مستوى الحجر الفلسطيني الذي أذهل العالم بقوة تأثيره وعمق إيمانه
لم يبق غيرك لي يا أيها الحجر
فقد تخلّت جموع، أجمعت زمرُ
عشرون عاماً وراياتي مخضبة
بالدم شرَّفها أبطالنا الغررُ
و يظل حلم العودة عند هارون هاشم رشيد يراوده ليل نهار بعد ثورة و تمرد و كفاح وروح ثائرة في كبرياء حيث يصور شخصية الطفل الفلسطيني فيقول :
:
طفل كحدِّ السيفِ يبرق
لامعاً في الشمس ساطع
ينساب من ليل المخيم
من تباريح المواجع
يمضي فلا يخشى الرصاص
ولا يخاف من المدافع
ويظل بالحجر المدبّب
يقذف الباغي… يقارع
و من قصيدة ” أنني لاجيء ” يقول شاعرنا هارون هاشم رشيد مصورا لنا خطوط المعاناة حيث يكابد الشقاء و الحرمان دون البشر شرقا و غربا :
أخي مهما ادلهمّ الليل سوف نطالع الفجرا
ومهما هدنا الفقر غداً سنحطم الفقرا
أخي والخيمة السوداء قد أضحت لنا قبرا
غداً سنحيلها روضاً ونبني فوقها قصرا
غداً يوم انطلاق الشعب يوم الوثبة الكبرى
غداً في زحمة الأقدار سوف نحقق الأمرا
فلسطين التي ذهبت سترجع مرة أخرى

و نختم لشاعرنا الثائر الحالم بالعودة هارون هاشم رشيد بهذا النشيد القومي الوطني الذي يدوي في انحاء المحافل يحفظه القاصي قبل الداني و من ثم فقد نال شاعرنا شھرة تجاوزت حدود فلسطین إلى أفاق العالم العربي، وفي عام 1954 صدر دیوانھ الأول مع الغرباء، وكانت قصائد الدیوان مستوحاة من مأساة فلسطین، وھو ناظم النشید القومي الفلسطیني (عائدون)، وقد استھل بھ دیوانھ (عودة الغرباء) الذي طبع عام 1956 بذلك النشید:

إِنَّنَا لَعَائِدُونْ
عَائِدُونَ عَائِدُونَ إِنَّنَا لَعَائِدُونَ
فَالحُدودُ لَنْ تَكُونْ وَالْقِلَاعُ وَالْحُصُونْ
فَاصْرُخُوا يَا نَازِحُونْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ
عَائِدُونَ لِلدِّيَارْ لِلسُّهُولِ لِلْجِبَالْ
تَحْتَ أَعْلَامِ الْفَخَارْ وَالْجِهَادِ وَالنِّضَالْ
بِالدِّمَاء وَالْفِدَاء وَالإِخَاءِ وَالْوَفَاءْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ
عَائِدُونَ يَا رُبَى عَائِدُونَ يَا هِضَابْ
عَائِدُونَ لِلصِّبَا عَائِدُونَ لِلشَّبَابْ
لِلْجِهَادِ في النِّجَادْ وَالْحَصَادِ في الْبِلَادْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ
يَا فِلَسْطِينُ دَعَا هَاتِفٌ إِلَى السِّلَاحْ
فَحَمَلْنَا الْمِدْفَعَا وَتَنَسَّمْنَا الرِّيَاحْ
لِلْأَمَامْ لِلْأَمَامْ بالحُسَامِ وَالْحِمَامْ
إِنَّنَا لَعَائِدُونْ

و أخيرا اتمني أن أكون قد قدمت صورة فنية رائعة عن بعض ملامح شاعرنا الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد صاحب حلم العودة في لوحات فنية تختصرة مسيرة نضاله بالكلمة بجانب الحجر معزوفة شعرية لأطفال تحدوا قوي الشر بين أطواق تفصل مناطق تراثهم عن معالم الاجداد في تهويد و تغيير للواقع التليد بكل ظلالها أمام صمت ضمير المجتمع العالمي المتمدن دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى