دراسات و مقالات

الفئة المهمشة في القصص المكثفة دراسة نقدية في المجموعة القصصية ( وصف ما لا يوصف ) للكاتب مجد الدين سعودي

الدراسة الذرائعية من إعداد : عبدالرحمن الصوفي / المغرب

أولا : المقدمة :
————–
الكتابة لحظة يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي ، فتأخذ الذات فيها رموزا لوصف الموضوع ، كما يأخذ فيها الموضوع صفة الذات ، والمحرك والصانع لهما هي اللغة ، فتضفي الموضوعية على ( الأنا ) متابعة وتدرجا نحو سياق التاريخ ، فتقدم لنا التاريخ أدبا والذات موضعة . تلك هي الطريق التي تسلكها الكتابة في القصة القصيرة في المغرب وهي الجنس الأدبي الأكثر رواجا وإبداعا ، لان كتابتها تتم بدافع الرغبة في التعبير عن الأوضاع الاجتماعية والنفسية … لذلك سلكت الكتابة في عمومها طريق الرفض للواقع المعاش ، حاملة في طياتها الاحتجاج ، وناظرة إلى المستقبل بأمل وخوف وقلق .
تحكي الكثير من نماذج القصة القصيرة بالمغرب عن معاناة الفقراء في واقع قاس تصبح فيه الحياة بلا معنى ، سواء في اتجاه الكتابة الواقعية أو الرمزية أو التجريبية …تتميز ببطلها الإيجابي ، والنهاية المتفائلة . لقد تبلور في كتابة القصة حس أدبي جديد بمسميات عديدة ، سواء في المغرب أو المشرق ، منها القصة القصيرة جدا ، لوحات قصصية ، ومضات قصصية ، مقطوعات قصيرة ، بورتريهات ، مقاطع قصصية ، مشاهدة قصصية ، فن الأقصوصة ، فقرات قصصية ، ملامح قصصية …
والأسئلة التي تطرحها علينا قصص مجموعة ( وصف ما لا يوصف ) هي :
أين يمكن تصنيف نصوص المجموعة القصصية ( وصف مالا يوصف ؟ ) ، ما هي خصائصها الفنية ؟ وما هي خصائصها التداولية ؟ ، وما هي هرمية بنائها الوصفي والسردي ؟ وهل تناغم الشكل مع المضمون ؟ ، كل هذه الأسئلة وغيرها ستكون موضوع دراستنا النقدية الذرائعية ، نطلب الله التوفيق والسداد .
—————————————————-
ثانيا : توطئة :
————-
يقول الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي في كتابه (الذرائعية في التطبيق ) : ( القصة القصيرة المكثفة نوع أدبي جديد مثير للجدل ، ملائم ومناسب لروح العصر الذي عزف فيه الكثيرون عن إنفاق الوقت في القراءة للأحداث سردية فارغة ، بحكم التقدم العلمي والحاسوبي للعقل البشري ، والتوجه الذهني نحو التفكير العلمي الدقيق في كل الأمور منها الأدب ، وإطلاق العنان للعقل بدل البصر ، فحل التبصر ، فتحرك المضمون في هذا النوع حسب الشكل . قام المتبصرون بإطلاق العنان للأعمدة الرمزية والإشارة لكل المفاصل النصية بالتكثيف الرمزي ، فهي قص قصير بكل عناصره ، من عنوان ومقدمة وصراع درامي وعقدة وانفراج ونهاية …) .
——————————————————————————
ثالثا : السيرة الذاتية للكاتب :
————————–
الاسم : مجد الدين سعودي
– من مواليد مدينة الشهداء ( واد زم ) المعروف في تاريخ المغرب .
– يشتغل في حقل التدريس .
– نشر عدة دراسات أدبية ومسرحية وسينمائية في عدة جرائد ورقية مغربية ( الاتحاد الاشتراكي – أنوال – بيان اليوم – الأنوار – المنظمة …)
– تشرفي عدة مواقع الكترونية متعددة…
– المدير المسؤول عن موقع أنوال 24 الالكتروني
– له عدة مجموعات قصصية ومسرحية قيد الطبع ..
– مجموعة قصصية (وصف ما لا يوصف )
– ديوان شعر(شاعر يرفض توقيع قصيدته )
————————————————-
رابعا : الشكل البصري :
————————–
الكتاب الذي بين أيدينا مجموعة قصصية ، عنوانها ( وصف ما لا يوصف) ، لكاتبها مجد الدين سعودي ، تقع المجموعة في واحد وتسعين صفحة ، تبتدئ بكلمة إهداء ، ثم الفهرس/ برولوغ ، و النصوص القصصية وهي كالآتي : ( الحلم – عندما تنطق الأسطورة – الطيف والموت – وصف ما لا يوصف – العدوى – العامرية – المزاد – هي الأحرى – العيون العسلية – في مدن الصفيح – المجذوب – الحصار – الشهيد ) . النصوص القصصية من نوع القص القصير المكثف ، الذي يوضحه الأعمدة الرمزية التي تشيرإلى البناء الفني المخبوء ، وتتوضح عناصر القص جلية ومتمثلة في الصراع الدرامي والعقدة والانفراج ثم النهاية .
التزم الكاتب في المجموعة القصصية بالشكل النموذجي للقص المكثف ، ترتيب العناوين والسطور والجمل والفقرات والأعمدة ، كما استخدمت أدوات التنقيط / علامات الترقيم بكل أنواعها ( النقطة ، الفاصلة نقط الحذف ، علامات التعجب ، علامات الاستفهام …) ، كما أن بعض القصص فصلت فقراتها أرقام عربية ، وحدات النصوص مجزأة لكنها تتميز بوحدة موضوعية متمركزة حول النص المكثف . كما استعمل الكاتب بعض جمله باللغة الفرنسية .
النصوص في مجملها مكثفة رمزية بمسحة أيديولوجية وفلسفية ، لذلك يمكن إخضاعها لنظرية الفن للمجتمع .
————————————————————————–
1 – العنوان :
———–
العنوان هو البوابة الرئيسية لكل عمل أدبي ، وهو اللغز الساحر في أعين القراء ، هو أول ما يدخل العقل ويسكن وجدان ، وهو الذي لا ينسى أبدا وإن طالت السنوات ، ويكون العنوان في الغالب ملخصا لمجمل الكتاب .
كلمة ( وصف ) في العنوان ، لم تستعمل بغرض الوصف المتعارف عليه أدبيا ، بل بغاية رمزية مخبوءة في نصوص المجموعة القصصية ، والتي سنتعمق فيها في التحليل .
الوصف في المصطلح الأدبي هو تصوير العالم الخارجي أو العالم الداخلي من خلال الألفاظ والعبارات ، وتقوم مرتكزاته عند الأديب على التشابه والاستعارات …وتقوم مقام الألوان لدى الرسام ، والنغم لدى الموسيقي ، الوصف يلتقي فيه الأدب بالرسم والموسيقى ، فيستطيع من خلاله المبدع العبقري أن يعزف بالكلمات بديلا عن الأنغام ، ويستطيع أن يرسم أبعاد الصور بالرسم بالكلمات ، بديلا عن الفرشاة والألوان ، وهذا الوصف تتجلى فيه براعة سردية يمتاز بها الكتاب الكبار، ووظيفة الوصف خلق البيئة التي تجري فيها أحداث القصة لتكون نسيجا متماسكا . وردت (ما) كذلك في العنوان ، وهي تستعمل في اللغة العربية لذات غير العاقل وصفاتهم ، لكن عند البلاغين فقد تستعمل (ما) للعاقل وغير العاقل .
لا النافية في العنوان تتشابه مع أدوات النفي بلاغيا من حيث نفي حدوث الفعل ، لكن كلمة (وصف ) أحدثت الفعل في وصف ما لا يوصف ، أي أن النفي يفهم في سياقه داخل الجملة عند العرب . و( ما لا يوصف ) عالم المجموعة القصصية ، وما لا يوصف في مجتمعاتنا العربية مسكوت عنه ، لكنه موجود ، لا يقترب منه ، لا الإعلام ولا كاميرات الصحافيين ولا أقلامهم … وقد يكون المسكوت عنه يدخل في سياسة الأجهزة المسيطرة ، خاصة إذا تعلق الأمر بالمهمشين والمنبوذين والفقراء والأوساط التي يعيشون فيها …هو عالم المجموعة القصصية التي بين أيدينا . جاء في الإهداء ( فاعذرونا إن عرينا المدنس وصوبنا نحوه المسدس ونفضنا عنه الغبار الكدس ) .
—————————————————-
2-الإهداء :
———-
جاء إهداء المجموعة القصصية (وصف ما لا يوصف ) كالآتي : (إلى ديمقراطية العرب المؤجلة إلى أجل غير مسمى …إلى ربيع مغتال …إلى حلم في الطريق …إلى سفر ملغى …إلى كل من يعجز عن ( وصف ما لا يوصف )…إلى محيط خليج النحر والفقر والقهر …إلى قدر أحمق يفرض روعته وبهاءه …أهدي هذا السفر إلى بحر المكاشفة والبوح …) . إهداء تفرد به الكاتب عن نمط الإهداءات النمطية ، إهداء لواقع عربي يعيش لحظات تاريخية تحت الصفر، من المحيط إلى الخليج ، النحر و الفقر والقهر… خلال دراستنا النقدية سنترصد في ( وصف ما لا يوصف ) هذا الواقع الذي ينبغي قراءته من الأسفل إلى الأعلى ، ضمن تصور فلسفي وأيديولوجي تاريخي مادي .
المجموعة القصصية يمكن اعتبار الإهداء فيها حبكتها العامة ، تتحقق مفرداتها في القصص المكثفة للمجموعة ، وذلك ما سنتعرف عليه أثناء دراستنا النقدية الذرائعية .
————————————————————————
3– الحبكة العامة للنصوص والزمكانية :
————————————-
الحبكة العامة في معظم قصص المجموعة تدور حول التهميش بمفهومه الواسع ، تهميش الطبقة الدنيا من المجتمع . وكتب ذلك الكاتب مجد الدين سعودي في فهرس المجموعة التي خرج بدوره عن المألوف ومنه ما يلي : ( نحن جزء من ذاكرتكم ومن فهرس حياتكم ووعيكم الشقي …وفيه نناجيكم ونلخص لكم جزءا من مسيرتنا الإبداعية عبر هامش الهامش بلغة الواقع بدون ماكياج …نحن منكم وإليكم …نحن أنتم وأنتم نحن …) .
أسباب وجود فئة واسعة من المهمشين بالمغرب متعددة ، ولها ارتباط كبير بالسلطة المخزنية التي سلبت المواطنين أراضيهم قبل دخول الاستعمال ، وجعلت من السكان ( خماسة و رباعة …) . واستفحل الوضع مع دخول الاستعمار الذي أجهز على ما تبقى للبعض من أرض ، هذا الوضع الذي أصبح فيه المواطن مواطن على الأوراق ليس إلا ، سيجعل أغلبهم يهاجرون نحو المدن ، متخذين من الهامش سكناهم الصفيحي في إطار تجمعات لا يعرف عنها إلا الكاريانات ، دواوير:( الرجا في الله – لاحونا- الحفرة – البراني – الكراب …) ، الصمت المضروب حول هذه الفئة الاجتماعية من طرف الإعلام والحكومات المتعاقبة ، نتج عنه توسيع دائرة وهؤلاء المهمشين الذين لا يعرفون معنى المواطنة والوطنية و حقوق الإنسان …صنعوا عالما خاصا بهم له لغته وسلوكا ته ومعاملاته في الحياة اليومية المملة : ( يختلط الأموات بالأموات …تبكي المومسات على ضياع شرف من لا شرف له ولا أم له …تزغرد قوادات على نسف بغداد …سيشرب الأعرج والأبكم نخب السقوط ) .
في المغرب الثروة والاغتناء السريع خارج الجريمة ، النهب ، الاختلاس ، الرشوة ….واقع اقتصادي يحكمه ، الغني يزداد غنى ، والفقير يزداد تفقيرا ، إجهاز كامل على حقوق الفقراء الذين أصبحوا مجرد رقم انتخابي ، مقابل وعود أو دريهمات .
—————————————————————————–
4 – الزمكانية :
——————–
والمقصود بها الزمان والمكان ، أي زمن قصص المجموعة الذي يجمع الحقبة الزمنية العامة التي حدثت فيها الأحداث ، والتي وصفها الكاتب بدقة ، ليضع القارئ في جو المجموعة القصصية ، والقصد منها تثبيت الوقائع الإبداعية وصدقيتها . جاء في القصة المكثفة ( الحلم ) : (وسط كومة أزبال …رأى بطيخة … نفدت رائحتها إلى خياشمه …اشتهاها …الذباب …تبا له … حتى ( الدبان ) يزاحمه …نفض عنها الذباب والزبل …أراد أن يتذوق …لم تسعفه حاسة الذوق …التفت وراءه … رأى أحد الكلاب يقترب منه …- تبا له …حتى الكلاب تضايقه وتزاحمه …) . المكان في معظم القصص أمكنة شريحة من المجتمع طالها التهميش ، ( الزبالة – دور الصفيح – شوارع مهمشة – مقاهي مهمشة – مقابر – واد زم …) . الزمان والمكان في المجموعة القصصية متلازمان في السرد . والزمن في المجموعة القصصية المكثفة بين مغلق وزمن مفتوح منه الطبيعي النسبي ، ومنه الزمن النفسي ، والزمن الأسطوري والزمن التاريخي . ورد في القصة المكثفة المعنونة ب ( الطيف والحلم ) التالي : ( كان صوت ناس الغيوان يحمل ارتسامات مذهلة عن دروب القصدير التي يتراوح فيها الفقر والبؤس …ويختلط فيها الجد بالهزل …في مدن القصدير بدأ حنين الناس إلى الفرح يكبر …وعندما يكبر الفرح يزهر بالمقابل الحنين …) ، وفرقة (ناس الغيوان )مجموعة من أبناء المهمشين الذين هاجروا من قبائلهم نحو الدار البيضاء ، وكان مصدر نجاحهم أغانيهم النابعة من هذه الشريحة ، والموجهة لها .
وفي القصة المكثفة ( وصف ما لا يوصف). عالم المجموعة القصصية مكانه وزمانه إخفاق أحلام الشريحة الكبيرة من المجتمع ، وخاصة ما بعد الاستقلال ، وتوالي مسارات التهميش التي ولدت لدى الكاتب أسئلة قلقة تبحث عن الحقيقة بين أناس في المجال المهمش ، والذي يحاول فيه هؤلاء الناس أن يصدقوا أنهم أحياء ، يصارعون من أجل لقمة العيش من أجل البقاء . المكان في المجموعة لا يتم فيه التركيز على الشخصية بل علاقتها بالمحيط .
الزمكانية صورتان متداخلتان إحداهما بالأخرى بعلاقة تبادلية ، أي أن الزمان والمكان يعملان معا ويؤديان وظيفة ديناميكية كوحدة متصلة في قصص المجموعة . جاء في القصة المكثفة ( العدوى ) ( المقهى سكن …المقهى كفن …المقهى سجن …المقهى ملجأ الملحدين والدائنين والبائعين والمتشردين والمؤمنين والمدمين والمكبوتين ) …
————————————————————————–
5 – الصراع الدرامي :
——————–
إن الخير والشر هما البطلان الرئيسيان في كل القصص المكثفة ، والصراع بينهما هو أساس القص وركيزته ، أو لنقول الصراع الطبقي بين القوى المسيطرة بكسر الطاء ، والطبقة المسحوقة ، صراع يختلف فيه المنظور الفكري والسياسي والأيديولوجي ، صراع على مسرح الأحداث في وقت واحد حتى يخيل إلينا أنه أزلي ، لكن في اللحظات المفاجئة للصراع ، وهي لحظات الذروة ( العقدة ) ، ينقلب الصراع التي يتصاعد سلبا ليهبط إيجابا متخذا مساره نحو الانفراج ، حاسما الصراع بنهاية يعلن عيها بإضمار انتصار أحد الفريقين . جاء في القصة المكثفة ( في مدن الصفيح ) ( يباح ( السراج ) الخاص بالديمقراطية الأنف والشم …( خذ شم ) …خذ ما يذهب بك نحو السعادة الوهمية …نحو الهاوية …)
استخدم الكاتب في بنائه للصراع الدرامي ، طريقة سردية مباشرة مكثفة ، مما أتاح له الحرية لكي يحلل شخصيات قصصه ، ومحللها تحليلا دقيقا وعميقا ، تجعل القارئ يدرك أن الأحداث هي من صميم الإنشاء الفني ، مبتعدا عن الترجمة الذاتية والمعبر عنها بضمير المتكلم ، المقحم نفسه في سير نمو الشخصيات ، مما يجعل القارئ يظن أن الأحداث المروية هي تجارب ذاتية وحياتية خاصة بالكاتب .
تتميز نصوص المجموعة بتكنيك تميز به الكاتب في بناء الصراع الدرامي ، وهذا يعني أن القص المكثف صعب المنال والتناول ، ويحتاج إلى كاتب حامل لرصيد ثقافي كبير ، ومتفهم لصياغة الأعمدة الرمزية التي تحمل في طياتها معان كثيرة مخبوءة ومكبوسة . ونقتطف من القصة المكثفة حصار ما يلي : ( ضجيج ، صراخ ، صداع ، زكام …أريد الراحة ، لأنام في هدوء ولأستيقظ في هدوء …ماذا فعلت لهذا العالم المجنون الشيطاني ؟ أريد ممارسة الهدوء لتنتعش ذاتي ولأرتاح ، أريد الهدوء ، شمس تغرب لتشرق …أفلاك تدور…بيت ولو كان قبرا …لأغامر لأحاصر، لأتكلم لأتعلم ، لأهجو لأنجو …الكل ضجيج ، براز وقيء ، انجراف التربة وتعريتها ، زلزلة البلدان ، عمليات سطو وقتل …ضجيج ..المذياع …الجرائد …ضجيج …) .
——————————————————–
6 – العقدة :
———-
العقدة هي النقطة التي ننقلب فيها الأحداث نحو الضد ، تقع في نهاية الصراع الدرامي وبداية الحل ، ومن ميزتها التشويق والإثارة ، فعندما يبدأ الصراع الدرامي في تطوير الأحداث ، أي نقطة تحولها من مسارها السلبي نحو صراع عكسي إيجابي . كل قصة من قصص المجموعة لها عقدتها الرمزية المخبوءة ، يتغير فيها الصراع مخبوءا ونزولا نحو الأسفل . قصة ( حلم ) يتصاعد فيها الصراع إلى أن يصل ( أراد أن يعانقها …أحس بوخزة ألم …استيقظ أيها اللقيط …قم اذهب لعنة الله عليك …هل براكتي متنزه للحمير أمثالك …) ، وفي القصة المكثفة الطيف والموت ) ( 5 الملف السري لسمرقند ) ، وفي قصة ( وصف ما لا يوصف ) ( واتجهت الأنظار نحو شهرزاد التي لا تكف عن الكلام المباح ، إلا عند طلوع الصباح وكانت الحكاية أكثر تشويقا …) .
العقد في المجموعة القصصية تواكب الصراع بواقعية ، وتتجه بها نحو عمق العقدة ، يتبع فيها الكاتب نهج حبك داخلي ، ينشأ داخلها الصراع النفسي والعقلي ، تحت تأطير فلسفي أيديولوجي وجودي . كما لجأ الكاتب إلى بناء العقد بأسباب تعليلية تستثمر الصيغ اللغوية التي تنتظم فيها الأحداث انتظاما بعضها ببعض سائرة نحو النهاية . وعقد أخرى سببية ضمنية لا يدعمها السياق اللغوي ، بل تتضح من خلال متابعة دلالات الوحدات الحدثية التي يقدمها السرد ، ويمكن الاستدلال بالقصة المكثفة (العامرية ) . في هذا النوع من السرد نوعان من العقد ، عقدة بسيطة ، وعقدة معقدة ، الأولى يتغير فيا مسار البطل دون حدوث تحول ، ومنه مثلا القصة المكثفة (العدوى ) و(في مدن الصفيح ) و ( الشهيد ) ، والثانية العقدة المعقدة ، يتخير فيها البطل عن طريق التحول الممرحل الداخلي ، ومنه القصة المكثفة ( المزاد ) و ( الحصار ) …
ولو أن عناصر الحبكة واضحة ( البداية – العقدة – النهاية ) ، إلا أنه في القصة المكثفة يصبح جسد القصة مستعص أمام التقسيم المنهجي المتعارف عليه . ونسجل للمجموعة أن عقد قصصها المكثفة جاءت متماهية مع تنامي الحبكة ، والتي كانت ذات انزياح رمزي ، يبدأ مع الاستهلال وينتهي مع النهاية .
—————————————————————————–
7 – الانفراج والحل :
——————–
أما فيما يتعلق بالنهايات القصصية ، فإن القصص المكثفة تفرض نهاية حاسمة سريعة ، من خلال عبارات نهائية تحقق التنوير ، دون اختصار مخل أوتطويل ممل ، والنهايات في قصص المجموعة منها المغلق ومنها المفتوح أو كما يقال نهايات النهايات .
تميزت نصوص المجموعة بالنهاية المباغتة ، وهذه ميزة القص المكثف ، والنهاية فيه ركيزة أساسية ، وعمود صلب تقوم عليه مواضيع النصوص ، لقد تميز الكاتب بصنع هذه النهايات ، جاء في القصة المكثفة ( الرحيل ) (ارحل …كل رجلة وأنتم بخير …كل كبوة وأنتم بخير … ارحل …كل الحدود الجغرافية تلغى …كل الحدود السياسية تلغى …وحده أيوب الفلسطيني يرفض الرحيل …) ، وفي القصة ( هي الأخرى ) ( تنهد سيرفانتيس العاشق الولهان المدمن لحلاوة الركح ونصحني بمتابعة طريق العشق وشجعني قائلا – قل لي من تعاشر أقل لك من أنت – ….) . وفي القصة المكثفة ( الشهيد ) : ( البخور أيها الرجال …ماء الورد أيتها النسوة …افسحوا المجال للشهيد …ادفنوه ) ..
—————————————————————-
خامسا : النسيج الجمالي في النص :
————————————
1 – الأسلوب :
————–
الأسلوب طريقة فنية يستعملها الكاتب في التعبير عن مواقفه وأحاسيسه وأفكاره ، وبه تتفرد وتتميز شخصيته الأدبية ، وبه يتميز عما سواه ، لا سميا في اختيار المفردات وصياغة العبارات من خلال التشابيه والاستعارات …وانتقاء التراكيب الموافقة لتأدية الخواطر المحملة بالرصيف الفكري والثقافي واللغوي لكل أديب ، لذلك يعد الأسلوب روح كل عمل أدبي .
الأسلوب الأدبي هو أسلوب تعبيري فني منفتح على الجمال اللغوي البلاغي ، ويمتاز أسلوب الكاتب مجد الدين سعودي بمزج بين الأسلوب الأدبي الإخباري والعمق الأدبي ، مما أكسب الكلام حيوية ولهجة حية منعشة ، أسلوبه مصحوب بالصور والأخيلة التي تنقل المتلقي إلى أجواء يسرح فيها الخيال معانقا الأشياء والطبيعة والأحاسيس ، فتتجسد المجردات عنده بهدف الإيضاح والتأكيد والإقناع والتأثير ، أسلوب متضمن للنقد اللاذع للمتسببين في التهميش أو ثقافة التهميش سواء في المغرب أو العالم العربي ، كما مال أسلوب الكاتب أحيانا إلى السخرية من واقع النفاق السياسي .
أسلوب الكاتب يعبر عن عواطفه ومشاعره وأحاسيسه ونظرته الخاصة إلى العالم الكلي ، مستخدما أعمدة رمزية تعتمد الألفاظ السهلة المركبة تركيبا يمنحها العمق والحركية والفاعلية . امتلك الكاتب قدرة كبيرة على التلاعب بالألفاظ المتقاربة مخارج حروفها ، وكأنها يبحث على موسقتها ، تدخل في باب حرفية صنعة الكلام .
—————————————————————-
2 – السرد :
———-
السرد في القصص المكثفة هو سرد مخبوء بالتكثيف ، إذ لا نرى سردا ظاهرا بوضوح واستفاضة ، وإنما هو عمق سردي تتضح فيه عبقرية الكاتب ومدى قدرته على صناعة الأعمدة الرمزية المعبرة عن أفكاره .
تبدو طريقة السرد في المجموعة القصصية ( وصف ما لا يوصف ) أرحب وأنجع ، حين قدم الكاتب الأحداث في صيغة ضمير الغائب ، والتي أتاحت له الفرصة كي يحلل أفعال شخصياته تحليلا دقيقا ، كما أنه تجنب أن يوهم القارئ بأن الأحداث هي تجارب شخصية ذاتية .
يعتبر السرد أهم أركان الإنتاج القصصي ، حيث يسهم في الربط بين أجزاء القص ، وتتابع فنيته . والسرد يمكن ملاحظته في قصص المجموعة بالرغم من اختلاف الأمكنة والأزمنة ، فهو في حالة تتابع في ( وصف ما لا يوصف ) .
إن اللغة الموحية المكثفة تكمل أدوات التعبير في المجموعة من خلال توظيف الثنائيات السردية بشكل فكري يخدم البنية الفنية لقصص المجموعة ، وهي من سمات الحداثة عموما في القصة القصيرة .
تميزت النصوص القصصية المكثفة بمفردات حاملة لمعان مفترضة مخبوءة ، ولو أراد الكاتب إظهارها لكتب حولها صفحات وصفحات ، وهذا ما يسمى بالعمق الرمزي لأنه إذا خلا النص القصير من العمق فليس نصا أدبيا ، بل حبكة إخبارية لخبر صحفي. القص المكثف يعتمد العمق الرمزي بالتحديد ، وترك العنان للتفكير وصياغة الاحتمالات المختلفة من متلق إلى آخر .
——————————————————————————
3 – الوصف والصور :
———————
إن العمق الخيالي يدخل القص تحت عباءة مذهب من المذاهب المتعارف عليها ، ( الواقعية ، الرمزية ، الرومانسية ، السريالية ….) ، يقترن الوصف بالتكثيف في المجموعة ، يساير الصراع الدرامي والزمكانية ، والعقدة ، والانفراج ، لأن هذه العناصر ملتحمة ذاتيا بالوصف .
قصص المجموعة مكثفة ، أكثفت بالنزر القليل من الوصف عن طريق الصفات والنعوت وأحوال بعض الصور البلاغية .
———————————————————————————
4 – البلاغة وعلم البديع والبيان :
—————————–
الوصف هو تصوير العالم الخارجي أو العالم الداخلي من خلال الألفاظ والعبارات وتقوم فيه التشابيه والاستعارات والسجع …مقام الألوان عند الفنان التشكيلي .
مجال الخيال علم البديع وعلم البيان ، لا نحدها بكثرة في القص المكثف ، لأن جمال القص المكثف مقترن ومقنن بالعبارات الرمزية لأنه بصري ، وهذا ما يسمى بالاقتصاد أو الإيجاز السردي ، وهو أيضا نوع من البلاغة ، وهو عكس الإطناب الذي يعتمد على الزائدة لتأدية المعني .
استعمل الكاتب الأفعال بكثرة وقلل من الأوصاف التي تتخذ صبغة الاقتصاد والاختزال والتكثيف . كما توضيف بعض المحسنات البديعية ومنها السجع ( عرينا المدنس …وصوبنا نحوه المسدس …ونفضنا عنه الغبار المقدس …) و ( الخطابة …وما أدراكم من رتابة …وكآبة …) وغيرها من المحسنات .
———————————————————————————-
5 – الحوار :
————
الحوار هو تبادل الحديث بين الشخصيات بتنوعها في القصة ، ومن وظائفه في النص بعث روح وحيوية في الشخصية ، ومن شروطه – التي التزم بها الكاتب – أن يكون مناسبا ، وموافقا للشخصية التي يصدر عنها .
يقوم الحوار في قصص المجموعة بدور هام ، حيث بإمكانه أن يخفف من رتابة السرد الطويل الذي قد يشعر القارئ بالملل . التجأ الكاتب إلى تقنية الحوار السريع الخفيف الذي يقرب النصوص من لغة الواقع . اللغة أداة الحوار ، لذلك كانت عامل بناء في فن القصص المكثفة للمجموعة . ( قف من أنت ؟ ) ( القصة المكثفة العامرية ) ، ومن قصة ( هي الأخرى ) ( قال دون كيشوت : ( دولاب الحظ يدور أسرع مما يدور دولاب الطاحونة )
والحوار بشكل عام قليل جدا في نوع القص المكثف ، ونقدم منه حوار المنولوج الداخلي فيه الكاتب التي اعتمد الألفاظ الملائمة والموافقة للشخصية ، اعتمد فيه التركيز والسرعة في التعبير والإيجاز ، لنلاحظ ذلك جيدا في القصة المكثفة ( وصف ما لا يوصف ) ( وبدأت تكبر في علامات الاستفهام المضادة لأصرخ في وجه أبي ، وأنا في قمة نضجي :( ( لا ) …آنذاك أحسست بقوة وجرأة أمي وحكمة الغجر …إنهم الكلمة المقدسة والرموز الاستفهامية المضادة ، الحكايات المأساوية التي ما زالت تنغرس داخل ذاتي ، وسوق النخاسة قد أحرق بلهيب شموع الشقاء لتكبر في بالتالي هذه العضوية …)
لقد تجنب الكاتب طول الحوار الذي قد يضر بالعمل الفني القصصي . كما أن الكاتب قلل كثيرا من الحوار بغير اللغة العربية ، على اعتبار أن إبداع الكاتب هو للمثقفين والقراء العرب كافة . إلا في بعض الحالات استعمل اللهجة المغربية وجملة مكررة باللغة الفرنسية ليقرب الشخصيات من واقعها الحياتي . الحوار المتقن هو جزء مهم في القص المكثف ، يظهر فيه الكاتب براعته في تحريك الشخصيات ، وإعطاء البيئة السردية في النص روحا وحركية وجمالا .
——————————————————————————-
6 – الشخصيات :
—————-
الشخصيات في القصة لها عدة شروط أساسية نذكر منها :
– أن تكون معبرة مقنعة متفاعلة وحيوية حركية ومحركة ومتحركة مع الأحداث ، متطورة ونامية داخليا وخارجيا بتطور فعل القص ، بعيدة عن التناقض من البداية إلى النهاية .
– أن يتوفر فيها عنصر الصراع ، والمقصود به الاحتكاك بينها وبين نفسها وعواطفها الذاتية والمحيط الاجتماعي ، وبينها وبين الشخصيات الأخرى ، وكلما كان الصراع قويا وواضحا بين كل هذه المكونات كانت القصة أنجح وأعمق تأثيرا .
يحضر البعد الاجتماعي بقوة للشخصيات في نصوص ( وصف ما لا يوصف ) ، أي الفئة المهمشة ، أو ما يسمى العالم السفلي ، ثقافتهم وفكرهم والوسط الذي يتحركون فيه ، ومواقفهم مع ذواتهم والمحيط الذي يعيشون فيه ، وعواطفهم وطبائعهم وسلوكاتهم .
أنواع الشخصيات الفنية في القصة عديدة ، الشخصية الرئيسة وهي التي يختارها الكاتب القاص لتمثل ما أراد تصويره والتعبير عنه .
لقد منح الكاتب مجد الدين سعودي للشخصيات الرئيسة في مجموعته القصصية الاستقلال في الرأي وحرية الحركة ، شخصيات قوية متميزة بالفاعلية ، تتحرك أفكارها من الأسفل إلى الأعلى ضمن تصور فكري نقيض للأيديولوجية المسيطرة ، تنمو وفق قدراتها وإرادتها ، واكتفى الكاتب بمراقبتها وهي تأخذ مسارها في وسط اجتماعي مهمش .
الشخصيات المعارضة في المجموعة القصصية ثم اختيارها من طرف الكاتب ، كشخصيات تقف في طريق الشخصيات الرئيسية ، شخصيات تحمل فكر السيطرة الطبقية بكل تجلياتها ، والتي كانت سببا في ظهور وتنامي وتزايد عدد أفراد فئة المهمشين في المجتمع المغربي والعربي عموما .
الشخصيات المساعدة في ( وصف ما لا يوصف ) ، شخصيات مشاركة في نمو وتصاعد الأحداث ، تساهم في بلورة المعنى والإسهام في تصويره ، ونسجل أن الكاتب منحها أحيانا وظيفة الشخصية الرئيسة ، فأصبحا معا يؤديان أدوارا مصيرية .
لقد أظهر الكاتب براعة في وصف وتصوير ما لا يمكن وصفه ، والتي تمثل عمق الصراع في القص المكثف .
سادسا : المداخل النظرية والعلمية التي دخلت من خلاله لأعماق النصوص ومخبوءاتها في هذه الدراسة النقدية الذرائعية .
———————————————————————————–
1 – المدخل الاستنباطي :
———————–
جاء في كتاب ( الذرائعية في التطبيق ) ( تقوم نظرية الاستنتاج على مجال التقمص الوجداني ، أي أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي المباشر ، ويربط سلوكه رمزيا بحالته السيكولوجية الداخلية ، أي بمشاعره وعواطفه ، يصبح لسلوكه الإنساني معنى يصب بمفهوم الذات ، فيتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم المادي ، وعلى أساس تفسيراته السابقة لسلوكه ، ويخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية ) .
النصوص المكثفة في المجموعة ليست بعيدة عن واقعنا المجتمعي ، فنحن من جلدة أبناء المهمشين ، فليس غريبا عنا عالم هذه الفئة المجتمعية ، فكل كلمة سجلها الكاتب في مجموعته القصصية ، تجد لها صدي في نفسنا ، نحس بها ، نعيشها بكل المعاني والدلالات سواء الرمزية أو المرتبطة بالواقع المعاش . نصوص المجموعة محملة بالكثير من الحكم والمواعظ والنصائح ، نابعة من عمق تجارب الكاتب لهذا الواقع ( الفئة المهمشة ) الذي لا يمكن أن يتنكر لها المناضلون الشرفاء والحاملين لهموم الكائن الإنساني ثقافيا وفكريا وسياسيا وحقوقيا .
( البرقوق والقوق …الورقة في الصندوق ) ، واقع التمييع والبلقنة السياسية في المغرب ، واقع العزوف السياسي لشرائح واسعة من المجتمع .
( صور في صورة واحدة ) ، صورة واحدة متكررة في التاريخ والمكان ، اختفاء التغير والتغيير الذي هو أساس التقدم والتطور .
من خلال المدخل الاستنباطي يمكن الوصول للأمثلة الكثيرة المخبوءة ما بين السطور ، وهي عصارة فكرية برع فيها الكاتب في نصوص المجموعة القصصية ( وصف ما لا يوصف ) ، نترك لقارئ المجموعة تلمسها في القصص المكثفة للمجموعة .
————————————————————————-
2 – المدخل العقلاني أو التناص :
——————————–
في هذا المدخل الفكري العقلي سنسائل المعلومات التي توفرت لدينا بعد جمعها ، سنعرضها من خارج النصوص ، أي من خلال بوابة التناص الواسعة في أفق من المتوازيات ، وتكون تلك العناصر الفكرية عونا لنا .
ورد التناص بصيغ متعددة منها عنوان المجموعة ( وصف ما لا يوصف ) ، نجد ديوان شعريا للشاعرة ( فوزية السندي ) ، وهو من الأدب النسوي الهادف التي يحاصر بمواضيع متعددة فئة المهمشين وخاصة وضع المرأة المغربية والعربية من خلال قصائد النثر الشعري .
أما التناص على مستوى مضمون النصوص الواصفة لما لا يوصف في العالم السفلي فتناولها العديد من الكتاب في المغرب ، منهم محمد شكري ، ومحمد زفزاف ، وإدريس الخوري وغيرهم ، والذي ميز مجد الدين سعودي عن هؤلاء إدخال المجتمع العربي وتشابه وضعه الإنساني ، العالم السفلي عالم المهمشين المشكل من الدراويش ، وماسحي الأحذية والمتسكعين ، والمشردين ، والمومسات ، والجائعين …
التناص كذلك مع مجموعة من الكتاب العرب حول ماضي وحاضر ومستقبل الأمة العربية ، التي تعيش أحلك اللحظات التاريخية ، والتي تتعدد أسبابه بين ذاتية داخلية ( غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان – نهب الخيرات – قيادات متسلطة فاشلة – شعوب تعيش التخلف والأمية …) ، وأخرى خارجية بدأت مع الغزو الاستعماري ، ووعد بلفور المشؤوم ، وإفشال المشروع النهضوي العربي …
ورد كذلك التناص على مستوى الرمز الأسطوري والتاريخي ، والذي غالبا ما لجأ إليهما الشعراء و الروائيون ، لكن الكاتب مجد الدين سعودي وظفهما بطريقة جديدة ورائعة في القص المكثف ، محملان بدلالات قوية في الإشارة والتلميح ، ( الموناليزا – افرديت – القديس ديمتريوس – سمرقند – شهرزاد – شهريار – المتنبي – …). كما وردت فقرات متناصة مع خطبة طارق المشهورة ، وأشعار عبد الرحمن المجذوب وغيرهما .
——————————————————————————
3 – المدخل الاستفزازي السلوكي :
———————————
الدراسة التحليلية الذرائيعية للمجموعة القصصية التي اعتمدنا فيه على مداخل متعددة ، مكنتنا من الدخول إلى عمق مجريات النصوص الداخلية من خلال الاستفزاز السلوكي النفسي ، أي من خلال استفزاز الكاتب مجد الدين سعودي لقراء مجموعته القصصية – أنا واحد منهم – بتناوله وطرحه لعدة تساؤلات تحتاج لأجوبة فكرية وفلسفية وسياسية ونفسية …أسئلة موجهة إلي الضمير الإنساني ( حقوق الإنسان ) ، أي رفع الحيف على الفئة المهمشة . وأسئلة موجهة إلى الضمير المجتمعي ( الأحزاب والجمعيات والمنظمات والهيئات الحقوقية التي جعلت من المهمسين واجهة دعائية إعلامية ) . أسئلة موجهة إلى الشعوب العربية ( توالي النكسات والخيبات وآخرها الربيع العربي الذي ولد ميتا )…الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى رد فعل سواء حول الجهل والتخلف وتهاوي أركان التعليم ، والعزوف عن القراءة ، والنفاق السياسي ، والوضع المتدني التي تعيشه المرأة والطفولة والأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة ، التنكر لدم شهداء الاستقلال في المغرب…كل تلك الأسئلة وغيرها مخبوءة في عمق النصوص وبين السطور تستفز المتلقي الذكي ، وقد أخرجت بعضها كرد فعل سلوكي لعرضها على القراء ، ليتعرفوا معنى النصوص المخبوءة ، ونترك لهم الفحص والتمحيص لاكتشاف الباقي .
———————————————————————
سابعا : البؤرة الثابتة في النصوص :
——————————–
المقصوص بالبؤرة الثابتة أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية والتي لا يحق للناقد تحريفها أو التلاعب فيها ، وهي موضوع فكري ثابت كرسالة إنسانية موجهة للمجتمع ، فالكاتب يكتب عن فئة المهمشين الفقراء ، يلاحق الظلم والجهل والتخلف والغبن والفساد …وكلها شعارات كانت منطلق شرارة ما سمي بالربيع العربي ، الذي اغتيل قبل أن يرى النور ، ليدخل الأمة العربية في مستنقع التطرف الذي حصد معه آخر أحلام العرب في وحدة قادرة على المواجهة والتحدي …
—————————————————–
ثامنا : الاحتمالات المتحركة في النصوص :
—————————————
المقصود بها حصيلة الأفكار الغير نهائية التي تتوالد بشكل تلقائي ، من خلال تلاقح الأفكار …ومن خلال غوصي في نصوص الكاتب مجد الدين سعودي ، حاولت استخراج المخبوء من الأفكار ، سأقدم بعضها وأترك الباقي لذكاء وفطنة قارئ المجموعة .
– وصف المسكوت عنه في المجتمعات العربية
– قراءة التاريخ من الأسفل إلى الأعلى
– معاناة الفئة المهمشة وأسباب التهميش
– وضع المراة في المحتمع العربي عموما
– النفاق السياسي والديمقراطية المزيفة
– الحقوق الضائعة للفئة المهمشة
أثار الكاتب في نصوصه القصصية المكثفة الكثير جدا من القضايا والمواضيع التي وضعتنا صورها أمام قسوة الحياة ، ومن بين ما جاء في نصوص المجموعة : ( اختنقت الكلمة في فم الدراوييش …تلاشت العبارات …ماتت الكلمات …سكت الصوت الحكيم …) .
( فلسطين قضية … عروش متآكلة …بيع الأوهام والأحلام لملايين الفقراء …التصاق مؤخرة الحاكم العربي السمينة بالكرسي …جامعة الأوهام ومشتتة الأحلام …النفط المتدفق في جنات أوروبا وأمريكا …) .
( أول الأبجديات وباسم الأنانية يسقط التاريخ الرسمي …ينتحر الصعاليك …يتناسل الدراويش …) .
—————————————————————————
تاسعا : المدخل الرقمي الساند :
————————–
سنسند دراستنا النقدية التحليلية إلى جدار علمي قوي ، أي سأقوم بجمع جميع دلالات الأعمدة الرمزية وتحليلها ، ثم حسابها رقميا ، لأبين وأثبت رجحان الدلالات وموازنتها مع بعضها لبعض ، ليمكنني تحديد درجة الميل لكل واحدة منها، فأكون قد أسندت آرائي النقدية رقميا وحسابيا ، بأحكام رقمية علمية بحتة ، ومن خلالها هوية الكاتب وهوية النصوص على المستوى الإنساني ودرجة عمقها الأدبي ودرجة انزياحها ورمزيتها ، سنقوم باستخراج جميع الأعمدة اللسانية ودرجة تكرارها في النصوص أو ما ينوب عنها من مرادفات ، مع تحويلها إلى أرقام بطريقة حسابية .
– دلالات التهميش…(343)
– دلالات أيديولوجية …( 204)
– دلالات سياسية …(173 )
– دلالات مجتمعية …(196)
– دلالات أسطورية …(17)
– دلالات تاريخية …( 78)
نلاحظ غلبة الكثير من الدلالات التي تحيلنا على فئة المهمشين والتهميش ، وإذا جمعنا هذه الدلالات ( 334 + 202+ 173 + 196 + 17 + 78 = 1011
يتضح لنا من خلال درجة الميل أن النصوص همها أجتماعي إنساني من النوع الصين ، يرصد من خلالها الكاتب مختلف أمراض المجتمع ، ويمكن تصنيفها ضمن الفن للمجتمع .
———————————————————————————–
عاشرا : الخلقية الأخلاقية للنصوص :
————————————–
لقد نجح الكاتب مجد الدين سعودي في إبراز مظاهر المجتمع ، موظفا الكثير من الأدوات لإنتاج أدب رصين ، لم يعترض للمنظومات العامة للمجتمع المتمثلة في الدين بسوء وذلك واجب الأديب الحقيقي الملتزم بقوائم الأخلاق والمثل الإنسانية العليا …لقد سجلنا استعماله لبعض المصطلحات و هي موجودة على أرض الواقع ، استعملها الكاتب بدون خلخة أو تهديم للقيم والثابتة ، هادفا إلى قراءتها من جديد قراءة عقلانية فكرية ملتزما بنهج الفن للمجتمع .
———————————————————————————
خاتمة :
——–
لقد خرج الكاتب في خاتمة المجموعة عن المألوف والمتعارف عيها في خاتمات المؤلفات ، وبدورنا سنحدو حدوه باقتطاف جزء من خاتمة مجموعته التي ارتأى فيه الكاتب ( خاتمة مسك أو زفت أو أمل …) ،
( ستسألون : ما الخاتمة ؟ …نؤكد بداية ،لأن كل في كل نهاية بداية ، وفي كل بداية نهاية …وعندما تغيب الشمس يأتي الليل بسكونه ، وفي الفجر ، عند الفجر ، يتحول السكون إلى مدرجات ، فتطلع الشمس ، وشهرزاد إن سكتت عن الكلام المباح بعد طلوع الصباح ، لا لأن الصباح قد طلع ، بل لأن شهريار قد أعياه السهر ، فينام كالحجر …وعندما يستيقظ تكون شهرزاد هيأت له حكاية جديدة ، دون نهاية ، دون خاتمة …) .
———————————-
الدراسة الذرائعية من إعداد : عبد الرحمن الصوفي / المغرب
——————————————————————–

المرجع المعتمد : الذرائعية في التطبيق في تحليل النص الأدبي العربي / تأليف /
عبد الرزاق عودة الغالبي / عبير خالد يحيى

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى