شعر

(العيّارون ) *

عبد الجبار الفياض

ليلٌ
أتخمَ بساطَهُ بما طابَ لخاصةِ نُدمائِه . . .
في حقيبتهِ
جمعَ ظلمةَ لياليهِ جوعاً
أُطعمهُ تعساءَ على وجعٍ ممنوعٍ من الصّرف . . .
بيدٍ
تخرجُ سوداء
تسملُ عيونَ فجرٍ مرهونٍ بحلمٍ مفقود . . .
كأنَّ أوديبَ
يصرخُ في طيبة
أيْ
ترسياس
ماذا أردتَ أنْ تصنعَ بي ؟ ١
دنيا
يتكعّبُ فيها الموت !
. . . . .
الجّمالُ
يذبحُهُ قبحٌ لقيط
في حضرةِ لحىً
تختفي في حناجرِها (لا) . . .
يا لوعيدٍ
يخرقُ للهِ ما وعد
يلتصقَ بسيف . . .
بسوطٍ . . .
بعصا
تُوخزُ خاصرةَ شيخٍ كبير . . .
يغمضُ الصّغارُ عيونَهم لداخلٍ
يَرى ما يراهُ غداً . . .
الحواملُ
يضرعْنَ ألآ يلدْنَ في زمنِ الأوغادِ هذا !
. . . . .
أيُّها الملأُ المشطورُ بين هذا وذاك . . .
لم تركتُم المدوّرةَ وحدَها
تدورُ بها الدّوائر ؟
خِدراً
تستبيحُهُ أشباهٌ
من الشّيطانِ في عروقِهم رجس . . .
تتمنّى أنّها وِئدتْ قبلَ هذا !
وأنتم
في ما لا تحتَ ردائهِ طائلٌ
تختصمون . . .
عن لونِ قطمير . . . ٢
عُدّةِ ما عندَ يأجوج ومأجوج . . .
تنقسمون بين داحسٍ وغبراء . . .
الزّمنُ لا يكونُ سخيفاً إلآ إذا تركهُ الخائبون كذلك . . .
. . . . .
تشحذون العراجينَ سيوفاً لا تنبو . . .
تكرّون
تفرّون بخيولٍ مربوطةٍ بصهيلها
مساحةَ كؤوسٍ مُترعة . . .
أما اقتربتمْ قليلاً من بقعةِ دمٍ على كفنِ الحلاّج ؟
ابتعدتمْ عن مُستنقعاتِ النّقيق
ولو مسافةَ شبرٍ من ندم
علّهُ يُشعلُ فتيلاً لم يُسرقْ زيتُهُ بعد ؟
أما فتئتم تجمعون أشعارَ الحماسةِ لأفواهٍ تغصُّ بجارٍ ومجرور ؟
. . . . .
ماتَ الطّين
ألقت الباسقاتُ حملَها دونَ طلْق
ولمّا يُفطمْ في المهدِ جوع . . .
تتشابهُ السّاعاتُ بإيقاعٍ جنائزيٍّ لا نشازَ فيه . . .
ما كان
يمشي الهويْنا داخلَ ما يكون . . .
ذلك !
لأنَّ غرباء
يضعون متاريسَ في دروبِ المسيرِ نحو الشّمس . . .
الرّيحُ
ليستْ هي . . .
القمرُ انشطر . . .
كُشفَ الغطاءُ عن وجوهٍ مُعارةٍ من الرّجيم . . .
جاءَ الهُدهدُ بنبأٍ عظيم . . .
تفرّقوا
فقد اعتذرَ جودو عن المَجئ . . .
اصنعوا الهروبَ سفائنَ من ورقِ الخريف
لعلَّ الطّوفانَ لا يفتحُ الغرقَ قبراً . . .
. . . . .
ويحَ زمناً مخبولاً
لا تنفعُهُ تمائمُ من شمسِ المعارف . . . ٣
لا على ما أُنزلَ على الملكيْنِ في بابل . . .
هل تعودُ ليالٍ ألف ؟
تفتحُ خباءَها شهرزاد
عسى ما يُسليها على ما ختمتْ عليه
ينكأُ جرحاً لابنةِ الكرْمِ حينَ أردتْهُ صريعاَ
ذاتَ ليلةٍ ثقيلةِ الأرداف . . .
أينَ منها عيونُ مهواة
شاعرٌ غلبَ هواهُنّ هواه ؟
ذاك الذي ألبسَها أساورَ من ذهبٍ عروسةً لزمانِه ؟
. . . . .
لمَنْ أرادَ بها سوءاً . . .
أجرى دمعةً لها عصيّة . . .
خدشَ جوريّها يوماً . . .
لعنةٌ متوارثةٌ في أصلابِ الدّهورِ إلى حيثُ تكتبُ الأقلامُ آخرَ الحروف . . .
عُدْ إليها زريابُ بأوتارٍ
لا غيرَها
يمحو حَزَنَ المحاق . . .
نمْنمْ قبابَها
أيُّها الواسطيّ الجميل . . . ٤
يا دفيناً في لحدِ جُرحِهِ
غنِّ دجلتَها من على بعدٍ لِما يُرقصُ لأمِّ عوفٍ مِغزلاً . . .
. . . . .
الإعتذارُ لبغدادَ جمال . . .
الجُرحُ من أجلِ بغدادَ جمال . . .
أنْ تقولَها شعراً جمال . . .
وهل بغدادُ غيرُ امرأةٍ ذاتِ جمال ؟
زالتْ عصورٌ ولمّا يزلْ أعجوبةً ذاك الجمال !!
. . . . .
ثمود/ 2019

* ظهر العيارون في بغداد في أواخر القرن الثاني للهجرة وكان لهم في الفتنة بين الأمين والمأمون
وحدث نحو ذلك من العيارين في حرب المستعين والمعتز سنة 251هـ إذكلما حدثت فتنة أهلية اغتنموا اشتغال الدولة بها وهمّوا بالمنازل والحوانيت وأخذوا الأموال. وكثيراً ما كانت تحدث أمثال هذه الفتن في بغداد من القرن الثالث للهجرة وما بعده. وكانوا يزدادون قوة كلما ازدادت الدولة ضعفاً وتكاثرت تعدياتهم على بغداد كلما تكاثرت الفتن فيها إما بين الحكام في التنازع على السلطة أو الأموال وإما بين العامة تعصّباً لبعض المذاهب. فلم ينقضِ النصف الأول من القرن الخامس للهجرة حتى تسلّط العيارون على بغداد وجَبوا الأسواق وأخذوا ما كان يأخذه رجال الدولة وانتظموا انتظام الشرطة أو الجند .(منقول بتصرف) .
١_ كبير الكهنة .
٢_ كلب أصحاب الكهف .
٣_ كتاب في أعمال السحر لمؤلفه أحمد بن علي ألبوني.
٤ _ يحيى بن محمود الواسطي رسام وخطاط عربي مسلم ولد في بلدة واسط بداية القرن الثالث عشر الميلادي .اختط نسخه عام 1237 م ، من مقامات الحريري وزيّنها بمائة منمنمة من رسومه .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى