قصة

السجدة الأخيرة …

هداية مرزق

بين سجدتين وركعة رأى أيام عمره تتراقص بين يديه، غاب في زمن كان يرى نفسه سلطانا، تدحرجت الحروف بين يديه ترسم خط عرض لم يره من قبل، تابع سير الخطوط فارتسمت نقاط سوداء شكلت أهم العقد في حياته، لم يكن زواجه نقطة سوداء، ولم تستنفر بنات أفكاره يوما قريحته، كل الذي كان يشغل باله كيف يسطو على فكرة كانت في يد صديقه ، الطريق إلى قلبها لن يكلفه سوى ابتسامة وخدعة بلاغية، الأيام تتراجع وهو يتقدم بثقة، الفكرة صارت ملك يديه وليس بمقدوره أن يعيد تشكيلها ، رسم سجنا وبوابة من حديد، دخل الزنزانة وأغلق على نفسه، تذكر وصايا الثعلب فراح يخطها على جبينه لتقرأها…
لم ينته من كتابة الوصايا عندما ركعت بين يديه، فتحت باب السجن وقالت هيت لك، كل فكرة هي عقدة في ميزان أيام مضيئة بالسواد، كان كل همها أن تبعثه من الرماد، وكان كل همه أن يسطو على كل فكرة قبل أن تولد، لم يكن يعلم أن طريق الكذب سهل جدا، ابتسامتين وقلب رجحت الكفة …
قام من سجوده بتثاقل لم يألفه من قبل، لقد استهلك كل القصص وطال أنفه بما فيه الكفاية، لكن أفكارها غزيرة ولا بد أن يجني حصادها، العودة إلى صديقه غير مضمونة، وجمال نفسها تفتح شهية الثعالب والخرفان، كل الخطوط الحمراء والشقراء والسوداء تمايلت بين يديه وهو يركع، الملاءة البيضاء وطبيب التخدير يقهقهان عاليا، أصوات إخوته السبع وهم يحفرون البئر تبعث في جسده النحيل قشعريرة الموت، سجدة أخرى قد تعيد إليه الفكرة فتخلصه من سوط الوهم الذي يجلد جيبه المثقوب كل يوم، أتم الركعة الأخيرة دون أن يدري، الطريق اليها سهل ممتنع، كل الحيل تكسرت على شاطئ قلبها الكبير ، هو يخطط وهي تنفذ دون أن يطلب منها، السجادة تهتز ألما من سجود وركوع واهيين كخيوط العنكبوت ، آذان الفجر يبعث في نفسه حسرة على فكرة جديدة تعيدها إليه صاغرة، سنابلها الخضر واليابسات تكاد تفر من بين يديه، هي في الواقع لا تمثل له أكثر من فكرة خصبة، هو في الواقع اعطاها أوراقه دون أن يدري، سجدة واحدة من طرفها كادت تقضي عليه ، توقفت بين التلاوتين لتراه مترنحا ؛ ما كانت تحتاج إلى الهدهد كي تقرأ كل نقاطه السوداء التي لا زال يبحث لها عن حلول، فقد شمر عن ساقيه وهو يسير إلى قصر الاعيبه المزيفة صاغرا..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى