قصة

السؤال المحرم

عمرو زين

– هوه أبويا ربّى دقنه ليه يا امه؟
– أصل الاخوان مسكوا (حكم) البلد ، ودول ناس يعرفوا ربنا..!
– قصدك يا امه ان اللى ليهم دقن هم اللى يعرفوا ربنا كويس ؟
– بيقولوا يا ابنى..!
– معدتش عاوز أروح أحفظ القرآن..!
– ليه يا ابنى؟ انت مش عارف إن حفظ القرآن بيجيب البركة ؟!
– الشيخ حسان كل ما أسأله عن حاجة يدوّر فيا الضرب.
– خلاص خليك زى زمايلك ومعدتش تسأل !
– أنا مش هاروح يعنى مش هاروح.
– أركب دماغك كده لحد ما أبوك يقابل الشيخ حسان فى صلاة العشا ويقوله انك ما جيتش.
– وايه يعنى اللى هيعمله لما يعرف ؟
– أبدا ..!هيدوّر فيك الضرب ، وأنت عارف أبوك بيبقى عامل ازاى وهوه بيضربك..!
– مش المفروض ان الدقن اللى رباها متخليهوش يضربنى تانى ؟
– اشمعنى ؟
– علشان اللى يعرفوا ربنا كويس لازم مايضربوش العيال الصغيّرة .
– طيب بطّل غلبة ويللا روح الجامع علشان تحفظ ..!
********
حمل الكُتيب الذى تآكلت جلدته عند أطرافه وتلاشت فوق أديمها الكلمات الا من شذرات فلم يعد يظهر منها الا ( جز…بار…) ، سار فى شوارع القرية متأملاً وجوه من يمرّ عليهم فى طريقه ، لفت انتباهه استطالة لحاهم عما كانت عليه بالأمس أو قبل أمس ، ومنهم من خضّب لحيته بالحناء، وجميعهم تشاركوا فى مسح لحاهم والمرور عليها براحة أياديهم مراراًً وتكراراً ، خطر السؤال على باله بعد أن انعطف فى شارع النصارى..
” هوه يا ترى مين صاحب أكبر دقن فى البلد ؟”
وما إن عبر طيف سؤاله المحير على باله حتى فوجىء بقسيس يخرج من باب الدار التى يمر أمامها فى اللحظة نفسها فتوقف لرؤيته إذ كانت المرة الأولى فى حياته القصيرة التى يرى فيها قسيساً بردائه الأسود فقد حدث أن رحلت العائلات القبطية عن القرية بعد أن وقعت حوادث عنف متبادلة من جراء فتنة لعلاقة عاطفية جمعت بين فتى مسيحى و فتاة مسلمة اضطروا على أثرها للمغادرة (للخروج) وما بقى منهم سوى عائلة واحدة ، استرعاه فى مظهر القسيس لحيته الطويلة الضاربة حتى صدره ، توجه اليه من فوره ووجّه اليه سؤاله :
– هوه انت اخوانى يا شيخ ؟
ُبهت القسيس لسؤال الطفل المباغت وهمّ مضيّفه أن ينهره لما ظن أنه سوء أدب فى حق القسيس الذى يأتيه بين الحين والحين زائراً لولا أن القسيس استمهله وتبسّم للطفل ثم سأله بدوره:
– وأنت تعرف ايه عن الاخوان يا بنى ؟
– أمى قالت لى انهم ناس يعرفوا ربنا كويس.
– اذا كان كده فاعتبرنى أنا كمان اخوان.
– طيب ممكن أسألك حاجة عن ربنا يا شيخ ؟
فتدخل مضيّف القسيس :
– ما تروح يا علىّ أسأل الشيخ حسان اللى بيحفظك القرآن ، ولاّ أسأل شيخ الجامع ، ولاّ حتى أبوك !
– اصل كل ما أسألهم عن حاجة ينزلوا عليا ضرب !
جثى القسيس على ركبتيه وقال :
– تعال يا على قل لى السؤال فى ودانى !
اقترب الطفل من أذن القسيس وألقى فيها بسؤاله الذى بدت آثاره الصادمة على وجه القسيس الممقتع وفى عينيه الشاخصتين الا أنه تدارك قائلاً:
– السؤال ده صعب قوى يا على وعاوز الواحد يدوّر و يذاكر علشان يلاقى له اجابة..
– انت عارف يا شيخ انت أول واحد أسأله سؤال وما يضربنيش.
– لو لقيت اجابة على سؤالك هاجى مخصوص علشان أقولها لك.
سار القسيس وبجواره مضيّفه حتى وصلا الى محطة القطارات وقبل أن يستقل القسيس القطار التفت الى مضيّفه سائلاً:
– أنت يعنى ما سألتنيش الولد الصغيرقال لى ايه فى ودانى ؟
– ما أنت يا سيدنا لو كنت عاوز تقول لى كنت قلت لى من غير ما أسأل..، بركاتك حلّت علينا النهاره يا سيدنا..!
– جرجس..! يا ترى لو ابنك مينا جه فى يوم من الأيام وسألك اذا كان ربنا ليه…؟
أطرق برأسه بعد أن صُلّبت الكلمات فوق لسانه ،وأخذ يجذب لحيته جذباً فما كان من جرجس إلا أن قال :
– انت عارف يا سيدنا لو ابنى اللى هوه ابنى اسجّر فى يوم يسألنى حاجة عن ربنا هاخيط ليه بقه بالأبرة والفتلة عشان ما ينطقش بعدها تانى أبداً ..
أومأ القس برأسه مرات والقطار يغادر المحطة الى وجهته المجهولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى