دراسات و مقالات

مع تجليات راهب الليل طاهر أبو فاشا

السعيد عبد العاطى مبارك

 

غريبٌ على باب الرجــــاءِ طريحُ يناديكَ موصولَ الجــــوى وينوحُ
يهونُ عذابُ الجسْمِ والروحُ سالمٌ فكيف وروحُ المستهامِ جــــروحُ
—————-
ففى الليل يبعـث أهـل الهـوى وفى الليل يكمن سـر الجـوى
ولما طوانى الدجـى والجـوى لقيت الهوى وعرفـت الهـوى
————
ان عالم الشاعر ” طاهر أبو فاشا ” راهب الليل يتهادي من بدايات العشق الالهي مع كبارشعراء الصوفية في مناجاه — و هو مع التجليات يذوب و يتوحد و شعره يعج بصور في تنفسات الصوفي المعذب الباحث عن المواجد و الاشواق بغية الوصول مع الروح الي الحقيقة و لم لا فهو راهب الليل و صاحب حانة الأقدار و عرفت الهوي و دموع لا تجف و ألف ليلة وليلة ورابعة العدوية و أبي شادوف ———–
و الاذاعي و الزجال و مؤلف العديد من الأعمال الفنية الكثيرة —-
يقف علي عتبات النور مع متاهات العشق في ربقة ايمانية اشراقية من أعماق الوجدان في حب وصفاء فيبحر مع فضاءات الوجود يعزف قصائده تراتيل من زمن الطهر و النقاء يسافر مع نفسه في هيام يتخلص من طلاسم المادة و يهجر العالم المجهول ينشد الكمال من معاني الجمال فيأتي صوته من محرابه المقدس يغني للحياة
و لم لا أنه الشاعر الحادي مع هدأة الليل و لوحاته تنطق بالقيم التي تهذب النفوس مع رحلة العمر نتوقف معه من خلال محطات مؤثرة عند المتلقي المتأمل و المتذوق المدرك الفاهم من وراء قصد الكلمة الشاعرة ———- !!
ويمر بحالة حزن فقد فقد زوجته نازلي و ابنه الشاعر فيصل و عزف عن الحياة و في نهاية العمر ابتعد عن قرض الشعر و هو مسكون بربة الشعر و كلامه العادي شعرا منظوما يجيد روعة الالقاء الهاديء كما نستمع اليه في شتي المناسبات ———-
فقد كتب أبو فاشا للإذاعة الكثير من الأعمال، أشهرها «ألف ليلة وليلة» التى ألف منها 800 حلقة، على امتداد 26 سنة
يقول ابو فاشا :
“ يا صحبةَ الراح: أهلُ الراح هل حانوا
وهل تغنَّــت على أيامــــها الحــــــــانُ؟
صــــبا الندامــى وما في الحانِ ألحـانُ”
ولد الشاعر المصري الكبير طاهر أبو فاشا عام 1908 في دمياط علي ضفاف النيل الخالد واهب الحياة و الفنون و الابداع ثم نشأ و ترعرع فى قرية كفر مويس، الواقعة على رافد بحر مويس بمحافظة الشرقية حيث كان يدرس فى معهد الزقازيق الدينى ثم ألتحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة و تخرج عام 1939 مو فيها تعرف علي عمالقة الادب و الفكر مع ثقافته الدينية الأولي و موهبته المبكرة ——
وكان لحفظه القرآن الكريم أثر في تعلم النطق السليم للحروف و التعرف علي جماليات اللغة
عمل «أبوفاشا» مدرسا فى مدرسة «عنيبة» ثم بالواحات، وقطع رحلة التدريس بالعودة للقاهرة ليعمل بالفن والصحافة، وراح يؤلف التمثيليات الفكاهية وغيرها
فتفرغ للشعر والأعمال الأدبية والإذاعية، ووجد طريقه إلى العديد من النوادى والمجالس الأدبية، ومنها ندوة «القاياتى» التى كانت تضم جمهرة كبيرة من أعيان الأدباء، من أمثال حافظ إبراهيم وعبدالعزيز البشرى، وكامل كيلانى، وزكى مبارك
حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1988. و توفي في عام 1989 م
لغيــــركَ ما مددتُ يدا
وغيرُك لا يَفيضُ ندى
وليس يَضيقُ بابُكَ بي
فكيــــف تَرُدُّ من قصدا
من أعماله أيضا :
—————
مجموعة من الصور الغنائية، منها «ملاح النيل»، و«أصل الحكاية»، و«الشيخ مجاهد»، كما أعد سلسلة «أعياد الحصاد»، وهى سلسلة درامية غنائية تمثيلية، وكتب عملا دراميا غنائيا ضخما بعنوان «سميراميس» كان مقررًا أن تمثله أم كلثوم، لكنه توقف لأسباب مختلف عليها، كما قدم للإذاعة مسلسل «ألف يوم» فى 600 حلقة، وقدم مجموعة كبيرة من الأغانى منها «نشيد الجيش»، و«نشيد الطيران»، وغنتهما أم كلثوم.
ولطاهر أبو فاشا دواوين شعرية كثيرة، منها :
—————————-
«صوت الشباب»، و«القيثارة السماوية»، و«الأشواك»، و«الليالى»، و«راهب الليل»، وقد ظل عنوان هذا الديوان وصفا ملازما للشاعر، ومن دواوينه أيضا «دموع لا تجف»، فضلا عن كثير من القصائد التى لم يضمها ديوان واحد، وجمعها الباحث عزت محمود على الدين فى رسالة الماجستير التى أنجزها عن الشاعر.
كتب «أبوفاشا» نحو 200 عمل للإذاعة والتليفزيون، أشهرها «ألف ليلة»، و«فوازير رمضان» التليفزيونية، كما كتب الأوبريت الإذاعى «رابعة العدوية»، الذى غنته أم كلثوم قبل ظهور الفيلم، ولـ«أبو فاشا» كتب أدبية وتاريخية وسياسية، منها «هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف»، و«الذين أدركتهم حرفة الأدب»، و«العشق الإلهى»، و«وراء تمثال الحرية»، و«تحقيق مقامات بيرم التونسى»
يقول طاهر أبو فاشا :
وقد غنت له كوكب الشرق أم كلثوم رباعياته التي تفوح بأصالة الكلمة وصدق التعبيرات و جمال الصورة الفنية التي تكشف مدي تناسق الجرس الموسيقي في تردد الجمل التي تنشد في حضرة جلالة الموقف المهيب بين شجن و أنين فيرصد لنا مسافات المشاعر في أخيلة تنتج عبقرية الكلمة الفنية المشرقة هكذا نلمح و نمضي ترددات الومضات النورانية في شدوه المترنم علي ضفاف الروح ——–
و نتوقف مع رائعة شاعرنا راهب الليل ” طاهر أبو فاشا ” مع ( حانة الأقدر ) حيث تتجلي فيها مشاعل النور و الهوي و الازهار بين دموع الندامي ومطلع الشدو حنانك – يقول فيها :
حانة الاقدار عربدت فيها لياليها ودارالنـور والهـوى صاحـى
هذه الازهار كيف نسقيها وساقيها بها مخمووور كيف يـا صـاح
سألت عن الحب أهـل الهـوى سقاة الدمـوع ندامـى الجـوى
قالـوا حنانـك مـن شـجـوه ومـن جـده بــك أو لـهـوه
ومـن كـدر الليـل أو صفـوه سلي الطير إن شئت عن شـدوه
ففـى شـدوه همسـات الهـوى وبرح الحنين وشـرح الجـوى
ورحت الى الطير أشكو الهـوى وأسألـه ســر ذاك الـجـوى
فقـال : حنانـك مـن جمـره ومـن نهيـه فيـك أو امــره
ومن صحـو ساقيـه او سكـره سلى الليل إن شئت عـن سـره
ففى الليل يبعـث أهـل الهـوى وفى الليل يكمن سـر الجـوى
ولما طوانى الدجـى والجـوى لقيت الهوى وعرفـت الهـوى
ففـى حانـة الليـل خـمـاره وتلـك النجيـمـات سـمـاره
وهمـس النسـائـم أســراره وتحـت خيـام الدجـى نـاره
وفى كل شيـئ يلـوح الهـوى ولكن لمـن ذاق طعـم الهـوى
= = =
و في قصيدة أخري بعنوان ” عرفت الهوي ” تتجلي مقدرة شاعرنا العملاق في دفقة ايمانية صوفية مع العشق الالهي مستلهما دور العابدة رابعة العدوية في تنصيص رائع فيقول فيها :
عرفت الهوى مد عرفت هواكا
واغلقت قلــبى عمـن عداكا
وقمت اناجيك يامن ترى خفايا القلوب ولسنا نراكا
احبك حبين.. حب الهـوى وحبا لانك اهــل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عمن سواكا
واما الذى انت اهل له فكشفك لى الحجب حتى اراكا
فلا الحمد فى ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
احبك حبين …حب الهوى وحبا لانــك اهل لذاكا
واشتـاق شوقيـــن ..شوق النوى
وشـوقا لقرب الخلـــى من حماكا
فأما الذى هــــــو شـوق النوى
فمســرى الدمــوى لطـول نواكا
واما اشتـــياقى لقـرب الحمـى
فنار حيـــاة خبت فـــى ضياكا
ولست على الشجـو اشكـو الهـوى
رضيت بمـا شئـت لى فــى هداكا
هذه كانت وقفة سريعة مع طاهر أبي فاشا الذي ظل بظلاله وموسيقاه يسير مع درب الحياة التي تحاكي المثل في صفاء في اطار فضاءات و نداءات تتجلي فيها النزعات الصوفية المتجذرة من أصول ايمانية سلكها منذ الصغر وملازمته لقراءات عدة لأقطاب الصوفية فهو امتداد جديد و ظاهرة في شعرنا العربي المعاصر تستحق كل فترة أن نطالعه عن قرب و شوق و تحليل و تأمل دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى