قصة

حدث ليلة سيل

طارق الصاوى خلف

ابتلع سحاب رمادى جبل مواجه لمنزلى ، خنقتنى يد قاسية ، غرست أشواكها بقلبى، فتحت النافذة ، غزت الغرفة رياح باردة ، طالعتني ابتسامتها فى الصورة، ضاقت على نفسى ، هرولت، فررت من وحدتى للشارع،
توسلت إليها، استحلفتها بدموعى ألا تسافر، غلب الحنين لمسقط رأسها رجائى، طويت بحزنى حقائبها ، حملتها للحافلة ، هزت القشعريرة كل شعيرة بجسمى ويدها تلوح مودعة، أعلن نفير السيارة فراقنا، قضيت ليلة أتقلب على جمر الحرمان، رجعت رضيعا فطمته أمه، هاتفتها بروحى، قبضت ذراع حقيبة – لم تفرغ محتوياتها- سحبتها محملة بأشواقها .
ثبت عينى على عقارب الساعة ، قلت لنفسى : الحافلة تقترب من حمام فرعون، تحول الطريق إلى أفعى و السائق إلى حاو يوازن بين سرعته والانحناءات القاسية ، دوى الرعد قصف مدفعى لعدو يزحف نحو قلعتى ، وميض البرق طلقات كاشفة تكاد تسلبنى بصرى، احتميت بمدخل إحدى العمائر، صعدت للدور الرابع ، استقبلنى صديقى الحكيم بالبيجامة، طاقية تغطى أذنيه … بسط مائدة الحديث لنتسلى بفضول القول، صب الشاى، أفسحت بصمتى المجال ليحول بى بين حكايات صباه، شربت الكوب دفعة واحدة، عدت للتيه، توالى ظهور صور مزعجة تحت جفنى ، نقر المطر زجاج النوافذ، قلت لنفسى : سيقوم السائق بتشغيل المساحات، يواصل شق الجبال. تحول الصيب لزخات من كرات ثلج، فر التيار الكهربائي، أظلمت أعمدة الشوارع، تخبطت بالأرصفة، دعوت الله أن تمسك السماء مائها، ترحم طفلة لها عين عسلية، شعر كالليل الطويل ، وجه قمر ، وقلب يحتوينى، تحشرجت انفاسى، فركت جبهتى، طفت بمقاه هجرها روادها، سمعت أنين البازارت، تشكو فراق الزبائن. 
توهجت لمبات الشوارع، وصلت محطة الاتوبيس، أنصت لناظرها يهمس لمحدثه : السيل قطع الطريق .
فك الوحش قيوده ، نهش عقلى ، صهرت الهواجس رأسى، تخيلت هدير الماء الساقط من قمة الجبل، أمسى طوفانا، اكتسح كل شئ بطريقه إلى البحر، لطمت وجهى صحت: لا عاصم للحافلة … أصخت أذنى لصوتها مستغيثا … استعذت بالله من الخناس، كبح الاتوبيس سرعته قبل معبر السيل – طمأنت نفسى- رد شيطانى : انتزع الماء صخرة كبيرة، حملتها العاصفة، هوت بها فوق سطح السيارة المستسلمة لقدرها 
صرخت : لا .. لا .
دفعتنى يد ثقيلة، حركت بعنف جسدى، رفعت قربة الماء البارد عن جبهتى الملتهبة بالحمى .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى