دراسات و مقالات

العالم الذي بداخلك – مع الشّاعرة والرّسامة الكويتية رزان أحمد العودة

السعيد عبد العاطي مبارك

تتعالى الصرخات الخافتة مرة أخرى يهاجم الخوف الآمال والأحلام
لا يوجد مكان يمكن الذهاب إليه ولا مكان يمكن النظر إليه
فراغ… ينتظر كي يتم تعبئته وإلا سيتلاشى كل شيء !!. ”
————-

” هذا الملف اهداء الي و الدة الشاعرة السيدة الدكتورة هيفاء السنعوسي، ايمانا منا بدورها الثقافي و ريادة المرأة العربية في الداخل و الخارج معا !! . ” .
شهادة الشاعرة والكاتبة فكتوريا فيلد من بريطانيا أثناء حضورها إلى الكويت لإدارة الأمسية :
قالت فيلد:
“قصائد رزان مليئة بالرقة والفرح لوجودها في هذه الحياة، إنها تحمل تعاطفاً لهؤلاء الذين يشعرون بالتعاسة أو الخوف، وهي قادرة على التعبير عن مشاعرها بابتهاج منقطع النظير، رزان لا تنكر وجود الظلمة ولا الإحباط ولا الوعود المنكسرة ولكن شعرها يتسامى على هذه المشاعر القاتمة، فيتحول الظلام إلى نور، وبرغم الانكسار فإنها تذكرنا بأن العالم مازال مكانا جميلا، حينما نسافر إلى العالم الداخلي لهذه الشاعرة المميزة، فإننا نرى في شعرها غناء الطيور والابتسامات والنسيم البارد وقوس قزح، إن هذا الديوان الشعري يتحدث بلغة القلب”.
وقد أقيمت لها أمسية شعرية بالكويت الشقيق احتفاء بنبوغها و عودتها الي حضن الوطن و قد نالت عالمية الشعر …
و قد تم تقديم ترجمة باللغة العربية لشهادة الشاعرة فكتوريا فيلد، من قبل الدكتورة هيفاء السنعوسي، والدة الشاعرة رزان العودة ، بينما أسندت مهمة ترجمة قصائد الشاعرة رزان العودة إلى اللغة العربية للكاتبة ريمان البغلي.
و ألقت الشاعرة رزان بالانكليزية عددا من القصائد كلها تدور حول فكرة التفاؤل والمحبة والسلام وتجاوز كل ما هو سلبي ومظلم في حياتنا منها قصيدة «هلوسة عقل»، «أفرد أجنحتك»، «أشعة الضوء»، و«العالم الذي بداخلك»، وتتميز قصائدها بالحس السردي والبساطة في التعبير. وكان الأداء مصحوبا بترجمة إلى العربية .
نشـــــــأتها :
————
ولدت الشّاعرة والرّسامة رزان أحمد مشاري العودة…
درست في المرحلة الثانوية في إحدى المدارس الأميركية ، في كلية الهندسة قسم مدني بجامعة الكويت .
و من ثم نجدها ذات موهبة واعدة، منذ أن كانت في المرحلة الثانوية في إحدى المدارس الأميركية في الكويت، تكتب الشعر باللغة الإنكليزية، وترسم اللوحات التشكيلية .
حتي ارتقت بشعرها الي العالمية .
و قد صدر ديوانها الأول الذي بعنوان «العالم الذي بداخلك»
و قدرسمت الشاعرة صورة الغلاف بحسها و موهبتها الفنية .
و الديوان يعكس مرايا لغة القلب . تمزج فيه بين الواقع و الخيال و جعلت من مشروع الانسان قضيتها الأولي .
و كما لخصت لنا الشاعرة البريطانية «فيكتوريا فيلد» التي تزور الكويت ، حيث تحدثت عن أهمية الشعر في العالم مشيرة إلى ابداعات بعض الشعراء العالميين، امثال روبرت لويس، ثم تناولت فيلد رؤيتها لديوان الشاعرة رزان العودة الذي يحمل اسم «العالم الذي بداخلك» معتبرة انه وان كان يحمل بعض الصعاب والعوائق والعثرات التي يعيشها الانسان فإنه بالوقت نفسه يقدم جماليات برؤية منعشة عبر قصائدها حيث المطر وقوس قزح فدمجت مشاعرها كشاعرة ورسامة معا.
ولها ريادة في فن القصة و الرواية فهي مسكونة بوحي الفنون الجميلة هكذا تعانق الطبيعة بكل صفحاتها الفكرية و الوجدانية معا تسير مع خطوطها العريضة في تلاقي يفتح منهج حياتها التي تطوعها بقيمها و دلالات نصوصها التي تترجم لنا حالة الشرق و الغرب في حلبة التقدم و الازدهار برغم الصعاب تظل تنشد من خلال ظلالها الموروث الذي ينطق بوجود عالمها الذي يدور حول الكون بمفهوم يغص بتساؤلاتها التي تقهر المستحيل .
وللعودة اهتمامات أخرى من خلال مشاركاتها لعمل السينوغرافيا لثلاثة أعمال مسرحية متنوعة «مونودراما» للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهي من تأليف وإخراج الكاتبة الدكتورة هيفاء السنعوسي وعناوينها «ويسقط العرش» و«يا زمان الوصل بالأندلس»، و«ضباب لا يحجب الرؤية»… تلك الأعمال التي حققت جماهيرية عالية، وحظيت بالتكريم من قبل المجلس الوطني.
كما أن العودة مديرة المشروع الخيري الإنساني «قلوب ومهمات» الذي اتخذ من مدينة تطوان المغربية مقرا له، ويقوم بأعمال إنسانية وخيرية متنوعة.
و معظم قصائد الديوان قد امتزجت بالإحساس المتدفق بالحياة، والمتواصل مع الهموم الانسانية، مع الحرص علي روح الأمل و التفاؤل برغم الصراعات و الانكسارت .
فهي تلخص لنا تجربة الانسان المقهور الذي يغني للحياة و لم يقبل ان يستسلم للهموم و الشكوك و القلق و الخوف في الواقع ، بل يرفض العزلة و ينخرط مع موكب الحياة ينعم بالنور المتدفق بين جنبات العالم في تحدي هكذ!.
في أسلوب حضاري بالغ يتسم بروعة التعبير و الصور الفنية ذات ظلال جمالية تشف عن خيال و احساس خصب واسع المنال بنبضات حائرة تستقبل تجربتها الشبابية كحلم وليد مع البداية .
و تقول الشاعرة رزان العودة في بعض قصائدها بعنوان “الهروب من الواقع” :
لن تغادر صرختها…/ وهي محاطة بالأسى والخوف/ رؤية المستقبل ضبابية وغير محسومة!/ وحينئذ يأتي اختراع الألوان…/ هناك لوحة تنتظر أن تصنع/ تملأ الألوان صفحة فارغة/ تعززها/ تتلاشى الصرخات ببطء.
وفي مقطع آخر من القصيدة، تعبر عن حالة استثنائية بين الضباب و الحقيقة تتجسد لنا ملامح رؤيتها في عفوية التضاد التي تلبس الأمور صورة فنية صادقة مؤثرة في النفوس المتلقية و المتأملة عبر رسالتها الي الانسانية تقول رزان العودة :
“الاطمئنان والسلام في الهواء يتضح الطريق الصحيح في نهاية الأمر/ وفجأة يعم السواد كل الأرجاء يختفي الإشراق ببطء/ توضع الفرشاة… الألوان جافة الآن/ تتعالى الصرخات الخافتة مرة أخرى يهاجم الخوف الآمال والأحلام/ لا يوجد مكان يمكن الذهاب إليه ولا مكان يمكن النظر إليه/ فراغ… ينتظر كي يتم تعبئته وإلا سيتلاشى كل شيء “.
و نلمح مسلسل الصراعات التي تجوب العالم و خاصة العالم الثالث فتصور كل هذا بحسها في فلسفة تنم عن وعي و فهم و ادراك متباين حيث تطفو الصورة متجسده في مرايا متداخلة عند تناولها للقضايا … تقول رزان العودة في قصيدة بعنوان “حرب” :
” صرخات الصمت التي تطلب المساعدة تُلطّخ الدماء أطراف الأصابع/ هناك دموع جافة بمرور الزمن لا مساعدة!/ يعتقد الناس بأنهم يفهمون لا استجابة!/ الاستسلام أم المحاولة من أجل النجاة… يأتينا بصيص الضوء/ نستطيع الآن التجول بحرية/ لا مزيد من الصراعات/ لقد نجونا ” .
مختارات من شـــــعرها :
من ديوانها الذي بعنوان ” العالم الذي بداخلك ” نعيش مع قصيدتها ( قصيدة للإنسان ) حيث تصور لحظات التفاعل مع هذا المخلوق الجميل علي هذا الكوكب في انتفاضة حلم تختصر المشهد ، بلا حدود بين الحرب و السلام تقول رزان :

كُلُّ شيءٍ ذهبَ بعيدًا

زئيرُ الأعداء

صيحةُ الخوفِ

الوحدةُ المُظلمة

تتدفَّقُ العواطفُ

مِنْ القلوبِ الحالمة،

حيث لا توجدُ حدودٌ!

دَعْ دموعَكَ تُعبِّر عنك

ضَعْ ابتسامةً على وجهِك

ستَأْخذُك الابتسامةُ إلى عالمٍ

تَجِدُ فيه ذاتَك

ورفيقَ روحِك

افتحْ نوافذَ قلبِك

حَرِّرْ روحَكَ

دَعْ الحبَّ الرُّوحي… النَّقي

يَجِدُ طريقَه في حياتِك
و هذا نموذج أخر للشاعرة الكويتية ” رزان العودة ” بعنوان ” الهروب من الواقع ” برغم انها تجنح بنا بمخيلتها نحو الواقع و الخيال في نص له دلالات جمالية تبوح بعد صمتها الذي يغازل رحلة الزمن بين أحزان و أحلام ترافق الأمل في نظرات تأملية مشرقة من أغوار النفس كي تتلاشي مناطق السواد من ملامح خريطتها :

لن تغادر صرختها
وهي محاطة بالاسى والخوف
رؤية المستقبل ضبابية وغير محسومة
وحينئذ يأتي اختراع الالوان
هناك لوحة تنتظر ان تصنع
تملأ الالوان صفحة فارغة
تعززها، تتلاشى الصرخات ببطء
وفجأة يعم السواد كل الارجاء
يختفي الاشراق ببطء
توضع الفرشاة
الالوان جافة الان .

و نختم لها بقصيدة بعنوان ” حرب ” تصور فيها مدي صراعات البشر مع الأنا و الأخر و العالم و تشويه منظومة الجمال و القيم بحس هندسي فني ترسم لوحته بصرخات تبقظ مير الانسانية الذي توشح بلون الدماء و الدمار فتقول رزان العودة :

صرخات الصمت التي تطلب المساعدة
تلطخ الدماء اطراف الاصابع
هناك دموع جافة بمرور الزمن
لا مساعدة!
يعتقد الناس بأنهم يفهمون
لا استجابة
الاستسلام ام المحاولة من اجل النجاة
يأتينا بصيص الضوء
نستطيع الآن التجول بحرية
لا مزيد من الصراعات
لقد نجونا

هذه كانت أهم الخطوط العريضة في رحلة شاعرتنا الكويتية ” رزان العودة ” التي تعود بنا الي الزمن الجميل من خلال لوحاتها الفنية و الشعرية معا .
في فلسفة جمالية اشراقية نلمح وميضها من بين ظلال أبجديتها العربية و الأعجمية في تلاقي ثنائية الحلم الذي يمحو مخالب الخوف و الحرب و ترفض الاستسلام لكل نقيصة في موكب التواجد تنشد القيم و السلام .
هكذا كانت رؤيتها للعالم من خلال مخزونها الشعري بعنوان ” العالم الذي بداخلك …!! ”
كي تظل في ديمومة و صيرورة بين أهداب صوت الحياة مهاجرة تعود بجناحيها الي حضن الوطن ترسم لوحاتها و تنظم قصائدها ، وتغني علي صدي أوتارها المحترقة ” أنشودة الانسان ” من جديد دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى