دراسات و مقالات

الأديب و الناقد و الشاعر ” ابن رشيد القيرواني : 999 – 1063 م ” .

تغريدة الشــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

صاحب كتاب ” العمدة ” في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه
الأديب و الناقد و الشاعر ” ابن رشيد القيرواني : 999 – 1063 م ” .
كان يميل إلى الأدب مفضِّلاً إياه على صياغة الذهب.   

 

 

كم بيضاءَ مسكيٍّ قناها
من الإغرِيضِ حسناءِ الجميعِ
هتكتُ حجابها عنها فأبدتْ
لسانَ البحرِ في يبسِ الضريعِ
أو العضدَ الطريةَ حينَ أبقتْ
بها آثارها حلقُ الدروعِ

——
و ها أنا أقول في فاتحة المقال مؤكذا ومكررا :
” اذا لم يكتب ابن رشيق القيرواني الا كتابه القيم ” العمدة ” لكان كفيلا أن يجعله في مقدمة الآثار الأدبية القديمة و الحديثة بلا منازع !! ”

عندما نتوقف مع أهل الأدب عبر خط سيره و عصوره يتصدر مكتبتي كتاب ” العمدة ” لابن رشيق القيرواني الذي خضب الشعر بجمال عباراته ، فما من كتاب أدبي نقرأه الا و نجد نفحاته في الشعر و النقد و البلاغة و اللغة و الدين و التاريخ ، و من ثم كتبت عنه عدة أبحاث آنفا ، و اليوم اقطف تغريدة كهمزة وصل بين القديم و الجديد في تواصل و تلقائية مع واحد من عمالقة الأدب في شمال افريقيا جرب فنونه شعرا و نقدا و بلاغة و لغة فكان بمثابة موسوعة ننهل منها حتي اليوم و لا سيما الباحث الذي يتمسك بميزانه بين الذهب و الأدب كانت رحلتنا معه المصاحبة لآثاره الرائعة شكلا و مضمونا ——–
فهنيئا لتونس المروج الخضراء بابن خلدون و رشيق القيرواني و أبي القاسم الشابي الثالوث صانع النهضة
و حقا لها ان تصدر صورته علي عملة نقدية تذكارية تخلده حتي وقنا المعاصر تكريما لدوره الرائد فهو رمز عربي له بصمات في لغتنا الجميلة ——
و قد نشأ ابن رشيق في حاضرة المغرب العربي الجوهرة الاسلامية التي خطها الفاتح العربي ” عقبة بن نافع ”
و من ثم نذكر شذرات عنها لربط الموضوع جغرافيا و تاريخيا و لغويا و أدبيا في عبقرية فاذة للرشيق القيروان الذي ولد بين ترصيع الذهب و الأدب في ميزان نفيس —-
القيروان :
هي قاعدة البلاد الإفريقية، وأم مدائنها، وکانت أعظم مدن المغرب نظراً، وأکثرها بشراً، وأيسرها أموالاً، وأوسعها أحوالاً، وأربحها تجارة، وأکثرها جباية، والغالب علی فضلائهم التمسک بالخير والوفاء بالعهد واجتناب المحارم والتفنّن في العلوم
إنها بين مدينة تونس وتوزر – هي قاعدة کور قصطيلية من البلاد الجريدية، ولها سور عظيم، وبها نخل کثير، وتمرها کثيرو…

قال الحميري:
کان عقبة بن نافع أول من اختط القيروان، وأقطع مساکنها ودورها للناس، وبنی مسجدها، وتنازعوا في قبلة الجامع، فبات عقبة مغموماً، فرأی في المنام قائلا يقول له: خذ اللواء بيدک، فحيث ما سمعت التکبير فامش، فإذا انقطع التکبير فارکز اللواء؛ فإنه موضع قبلتکم، ففعل عقبة ذلک، فهو موضع القبلة، وهو محراب جامع القيروان إلی اليوم.
نشـــــأته :
———-
هو أبو علي الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواني أحد الأفاضل البلغاء، أديب و ناقد و شاعر.
عاش في القرنين الرابع والخامس الهجريين
وكان أبوه يعمل في المحمدية صائغا، فعلمه أبوه صنعته، وهناك تعلم ابن رشيق الأدب، وفيها قال الشعر، وأراد التزود منه وملاقاة أهله، فرحل إلى القيروان واشتهر بها ومدح صاحبها واتصل بخدمته، ولم يزل بها إلى أن فتح العرب القيروان ، فانتقل إلى جزيرة صقلية، واقام بمازرة إلى أن توفي سنة 456 هـ.
وقد علَّم ابنه صنعته ولكن الابن كان يميل إلى الأدب مفضِّلاً أياه على صياغة الذهب. فقد بدأ في نظم الشعر قبل أن يبلغ الحلم
وكانت القيروان في ذلك الوقت عاصمة لدولة بني زيري الصنهاجيين، وتعج بالعلماء والأدباء، فدرس ابن رشيق النحو والشعر واللغة والعروض والأدب والنقد والبلاغة على عدد من نوابغ عصره، من أمثال أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز وأبي محمد عبد العزيز بن أبي سهل الخشني الضرير وأبي إسحاق الحصري القيرواني.
مدح ابن رشيق حاكم القيروان المعز بن باديس بقصائد حازت إعجابه وكانت سببا في تقريبه له، ثم اتصل برئيس ديوان الإنشاء بالقيروان ، أبي الحسن علي بن أبي الرجال الكاتب ومدحه. ألف له كتاب العمدة في محاسن الشعر ونقده وآدابه. وقد ولاه علي بن أبي الرجال شؤون الكتابة المتصـلة بالجيش. وبقي ابن رشيـق في القـيروان إلى أن زحفت عليها بعض القبائل العربية القادمة من المشرق فغادرها إلى مدينةالمهدية ، حيث أقام فترة في كنف أميرها تميم بن المعز ، ولكنه مالبث أن ترك المهدية إلى جزيرة صقلية، حيث أقام بمدينة مازر إلى أن وافته منيته.

له كتب عدة منها:
—————
ألف ابن رشيق كتباً كثيرة ضاع بعضها ، وأشهر مؤلفاته
(العمدة في صناعة الشعر ونقده – ط)
و (قراضة الذهب – ط) في النقد،
و (الشذوذ في اللغة) و
(أنموذج الزمان في شعراء القيروان)
و (ديوان شعره – ط)
و (ميزان العمل في تاريخ الدول)
و (شرح موطأ مالك)
و (الروضة الموشية في شعراء المهدية) و (تاريخ القيروان)
و (المساوي) في السرقات الشعرية.

و قد جمع الدكتور عبد الرحمن ياغي، ما ظفر به من شعره في (ديوان – ط) ببيروت
و ثمة كتب أخري بعنوان : ” ساجور الكلب = قطع الأنفاس = سر السرور ”
• كتاب العمدة :
في محاسن الشعر ونقده وآدابه الذي سبق ذكره. وهو يقع في جزءين. ويحتوي على خلاصة آراء النقاد الذين سبقوه في النقد الأدبي، كما يحتوي على موضوعات أدبية مهمة. وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات.
و قد نشأ في بلاط المعز بن باديس المنصور حتی بعد أن کبر و لمع و من ثم مدحه قائلا :
معز الهدی لا زال عزک دانيا و زينت الــــــــدنيـا لنـــــــا بحياتـک
أتتني أنثــــی يعلـــــــــــــــــم الله أنـني سـررت بها إذ أمها من هباتـک
وقد کنت أرجو أنها ذو بلاغة يقوم مقامي عن بديع صلاتـک
وما نحن إلا نبت جودک کلنا و کل نبات الأرض من برکاتک
و قال ابن رشيق القيرواني كلام طيب عن القناعة :
یُعطی الفتــــــــــــــی فَیَنالُ في دَعَةٍ ما لم یَنَل بالکدِّ و التَّعبِ
فاطلُب لنفسک فضلَ راحتها إذ لیست الأشیاءُ بالطَّلبِ
إن کــــــــــــــان لا رزقٌ بــلا سببٍ فرَجاء ربِّک أعظمُ السَّببِ
و قال أیضا :
قناعــــــةُ المرء الرِّضـــــــــــــــــی و حرصُه أقصــــــی العَدَم
و ما لـــــــــــــــه من مــــــــــــــــالِه إذا انقضی غـــــــــــــــیرُ النَّدَم
و قد وصف لنا الموز و الفواكة و الورود في عبارات جميلة لم يطرقها شاعر من قبل قط يقول ابن الرشيق القيرواني :
وقال في الموز :
مــــــــــــوزٌ ســــــــــریــــــــــــــــــعٌ أکــــــــــــــلُه مــــــــــــن قَبلِ مَضـــــــــــــــــغِ الماضــــــــــــــغِ
مَـــــــــــــــــــــــــــأکلـــــــــــــــــــــــةٌ لآکِـــــــــــــلِ و مَشــــــــــــــــــــــــــــــربٌ لـــــــــــــسائــــــــــــــغِ
فالفـــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ من لینٍ بـــــــــــــه مَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلآنُ مثلُ فــــــــــــــــــارغ
یُــــــــــــــــــــــــــــخالُ و هـــــــــو بالــــــــــغٌ للحــــــــــــــــــــــلقِ غـــــــــــــــــــــیرَ بالـــــــــــــــــــغِ
من شعره في وصف الفواکه والزهور، قوله في البنفسج :
بنفسجٌ جاءَک في حينِ لا حرٌّ يُری فيه و لا فَرطُ بـــــــــرد
کـــــــــــــــــــــــــــأنـه لمــــّــــــــــــــا أتينـا بـــــه منغمسُ الأثوابِ في اللازَوَرد
و نختم بهذه المقطوعة البديعة لابن رشيق القيرواني و التي يوظف فيها المحسنات البلاغية في رسم صورة تشرق بين الأغصان فتزداد حسنا و جمالا سافرا عن أوجه روعة البستان و تبختر الحسان فيقول وصفا هذا المنظر الساحر :
نظرت من البستان أحسن منظر
وقد حجبَ الأغصانُ شمسَ المشارق
إلى دوح كمثرى يلوحُ كأنه
قناديلُ تبر محكماتُ العلائقِ
وسافرة عن أوجهٍ من سفرجلٍ
يحيل على معنًى من الحسن فائقِ
حكت سرر الغاداتِ منها أسافلٌ
وتحكي أعاليها نهود العواتقِ
هذه كانت قراءة سريعة لشخصية ابن رشيق القيرواني الوجه المشرق للمغرب العربي و كتابه القيم ” العمدة ” الذي مس جوهر أغراض و فنون الشعر العربي ، ثم حلقنا حول لغته و بلاغته و آراه النقدية ، و آثاره الأدبية , المامه باللغة و الدين و التاريخ فكان حقا موسوعة شاملة للمعارف ، و قد أعجب به ابن خلدون كما جاء هذا في المقدمة
و تبقي أشعاره في وصف الفواكة و الورود و الماء و الحسن تنطق بقيمه الجمالية ودلالاته اللغوية و وثقافته التاريخية و الاجتماعية و استخلاص مبادي الفقه فهو نواة العلم و الفكر و الوجدان في القيروان فقد نشأ في رحاب المروج الخضراء التونسية و عبق الفاتح العربي عقبة بن نافع ، و ندعو كل مثقف أن يتذوق من كتابه العمدة دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى