خواطر

أحجيات الكتابة

عبدُه الصلاحي.

حينَ نكتــب فنحنُ نســــرقُ من جيــوبِ الخيال حفنةً من غواية، ونغــــرفُ من ينابيــــعِ الجوى غرفةً من لهفة…نمزجهما معا في غمرة شجن شاعري مترع بالعاطفة لصنع محلول من النبيذ المقدس، نعتقه لاحقا في زجاجات الغروب ثم نمزج فيه شفاه قوس قزح لبضع دقائق، وحين تمطرنا غيمــــات الحِبــرِ -على حين غِرَّة- نثمل في حانات الريح مع الضباب؛ فتنتشي الحواس نخب الذهول لنتقاطــــر شغفاً ولوعة.

حينها قد يظن القارئ بأنَّ ثمَّة علاقة عاطفية يضمرُها الكاتب بين سطوره، بل أنَّه قد يجزم بأنَّ ما يكتبهُ لا يخلو من ترميز مُبطَّن يشي بشعور مُلتهب بالعاطفة تماماً كما يخفي الرماد تحت هشاشته جمر متَّقد، وذاك هو أسوأ انطباع يخشاهُ الكاتب من قُرَّأهِ.

نعم قد نكتب لكننا أيضاً قد نكذب، بل نكذب كثيراً وكثيراً جداً، فالكاتب صادق كاذب في آن، ولذا إن مررتم بنصَّ ما فلا تلتفتوا إلى كاتبه بل امخروا عُباب النَّص واسبروا أغواره، قيَّموا النَّص ولا تقيَّموا الكاتب ولا ترهقوا ذواتكم في التفكير فيما إذا كان الكاتب قد أسقط النَّص على واقعه فرسمه بحبر لوعته على أوراق ذاته أم أنه كتبه من وحي مخيلته، ولتقرأوا حروفه بشفاه قلوبكم، لامسوها بأنامل أرواحكم، ولتسكبوها في فناجين مخيلاتكم كيما تتشربوها بانتشاء لحظي ولذة مُسْكرة كما الأفق حين يتشرب خجل الشمس ذات غروب طافح بالشجن، ثم دعوا حواسكــــم تسبح في عوالم التماهي والذهول ولا توقظوها من غيبــــوبة النشوة فإن الصمت في حضرة بعض النَّصــوص خشــوع عبــادة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى