*حقيبة السفر*
ذات يوم من أيام شهر أيلول، أسند الدكتور (خالد عبد الله) الطبيب الجراح ظهره على مقعد الطائرة المحلقة إلى سماءِ برلين، وهو يأخذ نفساً عميقاً، كان قد أخبر زوجته بأنه سيحضر مؤتمراً علمياً مرتبطاً بعمله لمدة أسبوع.
كانت زوجته قد حضرت له حقيبة سفره التي تحوي كل ما يلزمه لمدة أسبوع كامل.
عاد بذاكرته إلى الوراء، ليتذكر
لحظة الوداع، انساب صوتها الرقيق إلى أذنيه:
– عزيزي..اعتن بنفسك جيدا.
ـ لا تقلقي.. هذه ليست المرة الأولى التي أسافر بها إلى برلين..أليس كذلك؟
قطع حبل أفكاره ليفتح حقيبة سفره الصغيرة، وأخرج منها بعض الصور، كانت صور زوجته وابنتيه، أخذ يتمعن فيها، ويتذكر لحظات السعادة مع أسرته الرائعة.
حب كبير جمع بينه وبين زوجته دام خمسة وعشرين عاماً، كان ثمرته ابنتيه الحبيبتين (هدى) طبيبة الأسنان و(نور) طالبة كلية الحقوق. كانت أسرته الصغيرة سر سعادته وبهجته في الحياة.
أخذ يقلب الصور بين يديه، وتذكر صوت زوجته التي سألته بهمس:
ـ ألن تأخذنا معك يا (خالد)؟
ابتسم وهو يقول لها:
ـ إنها رحلة عمل يا عزيزتي.
وضع حينها كفيه على كتفيها، وهو ينظر إلى عينيها مباشرة:
– سنذهب معاً في يوم ما إلى برلين..أعدك بذلك.. بل سأذهب بكِ إلى كلِ بقاع الأرض.
استفاق من أفكاره ليدس الصور مجدداً في جيب الحقيبة، احتضنها، ثم غط في نومٍ عميق، بعد ساعاتٍ أيقظته مضيفة الطائرة برفق وهي تقول:
ـ سيدي.. لقد وصلنا.
بعد نزوله من سلم الطائرة، وفي قاعة الانتظار وجد سيدة شقراء في العقد الثالث من العمر، كانت تحمل طفلها ذا الثلاث سنوات، تلتفت يمنة ويسرة، وكأنها تبحث عن شخص ما، اقترب منها، وما إن التقت نظراتهما حتى احتضنها، واحتضن الطفل باشتياق!
تمت
قراءة وتحليل لقصة ( حقيببة السفر)
للقاصة البحرينية فاطمة النهام
بقلم الكاتب والناقد العراقي ا. جاسم السماري
القصة القصيرة تعتمد على عناصر اساسية اذا استطاع القاص ان يوظفها بطريقة صحيحة مع ربط الاحداث واستخدام لغة صريحة وواضحة ، مبتدء بالحدث ثم الذروة الى ان يصل للعقدة والحل، وأن يكون عنصر التشويق حاضرا ، لمعرفة نهاية القصة من خلال اسم القصة ، وللأسم دور كبير في ربط القصة بالحدث ( حقيبة السفر )، و ما أن تتعمق في مجريات القصة حتى تكون الحقيبة حاضرة ولها رمزيتها في إثبات الحدث المقرون بالسفر والترحال ، وهي الوسيلة لأخذ كل ما يحتاجه معه لذلك الأسم قد تم اختياره بعناية موفقة أسهم في إستكمال ووضوح الصورة لدى المتلقي، ولفت نظره .
تبدأ ألوهلة الاولى من خلال نقل الحدث ببساطة، لذلك أن الرحلة كانت متوجهة الى برلين، ويستخرج من حقيبته الصغيرة صور عائلته السعيدة، وعندما يكون الانسان سعيدا مع عائلته وهو ينعم بالدفأ والطمأنينة. واستخدمت الكاتبة طريقة الاسترجاع ليتذكر تلك اللحظات والسنين الخمسة وعشرين عاما ليعيد بذاكرته القوية وموقف زوجته وابنتاه ( هدى و ونور) وعندما تضع كل مايلزمه ، ويكلمها بطريقة اقرب الى المزاح ، انها ليست المرة الاولى التي يسافر فيها الى برلين ، وبهذا الكلام يبعث عن الثقة الزائدة وروح التفاهم، ولكن!!! وبعدها يعدها بأنه سوف يسافر معها ذات مرة بل سيجوب العالم ، ثم بعد ذلك استخرج الصور التي عاش معها اجمل الحظات ، يتذكرها جيدا
عندما تجمعك مع العائلة حب كبير وحياة استمرت طويلا ، وتكللت بانجاب فتاتين هل من الممكن ان يأتي يوم ان تشك زوجته بعد كل هذا العطاء والتفاهم ؟؟؟
ثم تأتي المضيقة توقضه من النوم …وتخبره بوصول الطائرة !!
وهنا تحدث المفاجأة والصدمة حاضرة !!
عندما تقف إمرأة ثلاثينية تحمل طفلا تلتفت يمنة ويسرة….وحالما تراه احتضنها واحتضن الطفل..
عندما يكلل الارتباط الزوجي بالنجاح وتحس بأنك تعد هذه العائلة بالصورة الصحيحة للمجتمع اين يكمن الخلل؟؟
وهل الذنب للزوجة وهي قد افرطت بالثقة التي منحتها للزوج ؟؟؟
ام يمكن ان نعطي العذر ربما الفارق في الدرجة العلمية حيث لم تستطيع ان تلبي كل احتياجاته ولكن بنفس الوقت كان سعيد مع زوجته اين يكمن الخلل ا!!!
السهل الممتنع هي الطريقة التي استخدمتها القاصة ، ليس فيها اي تعقيد لذلك المتلقي سوف لايجد اية صعوبة في متابعة احداث القصة ، لذلك كتبت بصورة واضحة وجيدة من حيث الشكل والمضمون كذلك سلاسة الحدث وتسلسله بطريقة وظفتها القاصة بطريقة محببة جدا. وان القاصة هي الراوي العليم تسرد الحدث عن طريق الاسترجاع وتسريع الحدث والحركة السردية بسرعة كذلك من خلال التلخيص .
المكان البيت الذي وجد فيه العطف والدفأ مع الزوجة والبنات ويجسد الامن والاسترخاء كذلك هنالك مكان الطائرة المؤقت الذي فيه استرجع الاحداث الماضية التي عاشها مع عائلة لغاية الموقف الذي اثار الدهشة وبما يجد هذا المكان الاكثر استقرارا !!! ……
الثيمة لهذه القصة ان الانسان مهما بلغ من الدرجة العلمية هل يمكن ان يخطأ بحق انسانة اخلصت وافنت حياتها لاجله وكونت عائلة ؟ وهل بهذا التصرف هو محق ؟
ام انه اخطأ على اقل تقدير!! لذلك أثارت القاصة اشياء، فقد تركت القارب دون مجاذيف، يبدو ان حياته قد قسمها الى اثنين، ويشعر بالأستقرا أينما يحل، ولعله تذكر عائلته وصورة بناته أكان بعض
( من تأنيب الضمير ) ام انه قد تمرس بلعب دور الزوج المتفاني والمخلص لعائلته!!!
في وسط هذا البحر ربما تريد القاصة ان تقول اشياء ، مهما قدمت المرأة من اخلاص وتفان فأنها ضعيفة في مجتمع ذكوري له السيادة المطلقة!!
وانت تقرأ القصة بأمعان لم تجد اي ثغرة تركتها الزوجة حتى تعطي المسوغ والعذر لزوجها الدكتور وهو يستغلها بابشع صورة ، ويكتم زواجه الثاني من زوجة اخرى دون علمها !!
ام هل هذا يعتبر من الكذب الابيض الذي يصفونه !!
حقيقة المتعة حاضرة، والتعاطف هذه المرة مع الزوجة، فأن اخلاصها وقيامها بواجبها على اكمل وجه تشعر مدى مظلومية المرأة لاقل تقدير ، كان عليه ان يكن صادقا ويواجه الحقيقة بأخبارها بالزواج .
نعم ربما تعد بعض القصص وكأنها غريبة بعض الشيء عن الواقع ، لكنها تحدث احيانا فكل شيء يحدث في هذا العالم المليء بكل التناقضات والغرائب ، وهل التطور قد اسهم بشكل او آخر في انحدار القيم والاخلاق………. شكرا للقاصة لقد تطرقت الى موضوع لايخلو من الاسئلة تحتاج الى كثير من الاجوبة النهاية الصادمة ، هي من منحت للثيمة الروح والديمومة ،كذلك ربما المتلقي سوف يفكر كثيرا حتى يعرف السبب الحقيقي !!!
كل التقدير للقاصة (فاطمة النهام)
من مملكة البحرين لكم احسست ان القصة جميلة ومعبرة ، وتسرد حالة من حالات مجتمعنا .. تحياتي