دراسات و مقالات

هذه ربابتي… الشاعر المصري حسن عامر ١٩٨٨ م ٠

السعيد عبد العاطي مبارك

” من طينِ قريتنا
ومن أحجارِها
مما أباحَ الليلُ من أسرارِه
من شالِ سيِّدةٍ هناكَ فقيرةٍ
نامتْ عيونُ النهرِ ملءَ جِرَارِها
وَلَدًا أتيتُ مُعَمَّدًا بقصيدتي
وفمي نبيٌّ خارجٌ من غارِها ٠٠٠ ”
—–

هكذا يظل صعيد مصر له الريادة في تقديم الأعلام و الشخصيات الرائدة في شتي المجالات منذ القدم أبان حكم مينا موحد القطرين صاحب التاج الذي جمع مملكة الجنوب و بحري الدلتا في دولة موحدة قوية متماسكة ٠
و ظهر العباقرة والمبدعين في مراكز الدولة عبر العصور ٠
وفي جنوب الصعيد نلمح العشرات منهم شيوخ الازهر ، د ٠ طه حسين، و العقاد ، و الشاعر امل دنقل ، و الشاعر الشعبي عبد الرحمن الابنودي ، و غيرهم كثيرون من الذين يستحقون بحثا و دراسة منفصلة ٠
و يأتي دور شاعرنا الشاب الجميل الجنوبي ( حسن عامر ) و الذي شارك في شاعر المليون و حصد المركز الثالث ع ن جدارة ، ثم اتحاد الكتاب ٠

* نشأته:
=====
ولد الشاعر المصري حسن عامر بقرية الحميدات شرقي إسنا جنوب الأقصر في 1 أكتوبر 1988، وبدأ في كتابة الشعر منذ نعومة أظفاره في المرحلة الإعدادية مبكرا ٠
و في محراب التعليم يحصل علي ليسانس آداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة جنوب الوادي في قنا 2012 م ٠

*من دواوينه :
========
صدرت له دواوين منها :
= «اكتب بالدم الأسود» ٠ = و«بياض ملائم للنزيف»٠
= و«وهكذا أطلعكم عليّ»٠
= ديوان ” قيلولة الراعي ” ٠

* و قد حصل شاعرنا حسن عامر علي عدة تكريمات و جوائز منها :
= جائزة بيت الشعر عام 2015 م ٠
= و المركز الأول في مجال الشعر بمسابقة إبداع 2012.
= و تتوجه بالمركز الثالث في مسابقة إمارة الشعر في دولة الإمارات العربية في مسابقة شاعر المليون ٠

*مع شاعريته :
======
بزغت شمس موهبته الشعرية المكتملة في جامعة جنوب الوادي ، حيث كان شاعرنا حسن عامر أحد الأعضاء المؤسسين بنادي الأدب والفكر في الجامعة ٠
ومنه لمع و سطع نجمه مع الشعر يحمل قضاياه في ارتقاء ملفت للنظر ٠
كما شارك في الندوات و الأمسية كشاعر كبير له حضور في شتي المحافل الأدبية و الثقافية ٠
و شاعرنا يمتلك موهبة كبيرة منذ معاهد الصبا و هو صوت قوي غني باللغة و التصوير و الإيقاع حيث يحمل رسالة الي الانسانية و يوظف التراث و عراقة تلك الوادي في استدعاء الحضارة بين أهداب الواقع في غصة و حنين منطلقا مع ظلال الأنثي التي تعكس فلسفة الجمال و لم لا فهي أصل الحكاية فيرسم لنا أسطورة الجنوب في متواليات النهر الحزين المغني الذي لا يشتهي إلا الوصول الي الحقيقة مع تقلبات مركب الشمس بين ضفاف وادي الملوك بغية بناء ثقافة واعية ٠٠

و من ثم يقول حسن عامر من قصيدته التي تحت عنوان ( نشيد ) يترجم أوجاعه و أحلامه في تدفق يختصر لنا المشهد :

عن الحرب

رجلٌ يُقَلِّمُ فى الظلامِ عصاهُ،
يحشو بُنْدُقيَّتَهُ،
ويَفْتِلُ شَعْرَ شاربهِ
: سنهزمهم غدًا
فى البيتِ تجتمعُ القبيلةُ
: جَدُّنا أعلى، وهم متآمرونَ
غدًا سنهزمهم غدًا
طفلٌ ينامُ
وفى يديْهِ حصانُهُ الخشبيُّ،
أَرهَفَتْ القرى آذانها،
وعوتْ ذئابٌ فى الحقولِ،
وعادَ عصفورٌ إلى أفراخه
بالليل تصطكُّ العصيُّ،
وتُكْسَرُ الأبوابُ،
تدوى طلقةٌ، فيُراعُ شعبٌ من دجاج البيتِ
تصرخُ نسوةٌ، ويجفُّ نعناعٌ،
ويذبلُ وردُ نهر النيل
أمى تعبئُ زيرَها وتقولُ:
سلِّمْ أيها الربُ الكبيرُ
وأوقف الحربَ التى لا تنتهي ٠٠

ثم يمضي بنا في قصيدة أخري بعنوان ( نشيد ) في رسم الخطي نحو الحياة حيث الصدي لا معاهم للحدود و الظلال فيقول حسن عامر :
نشيد

لفتاةٍ تَفْتَتِحُ القولَ،
ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ
إذا عَصَفَتْ بالقلبِ،
وأيَّدَها الشوقُ،
وحدَّدَها المطلقُ،
وانفتحَ المُغْلَقُ،
وانفجرَ البَوْحُ،
فلا روحَ، وريحانَ، ولا آنَ،
سوى تلك اللحظةِ سأغنِّي،
وسأبصقُ فى وجه التاريخ الكذَّابِ،
وأنضمُّ إلى كلِّ مظاهرةٍ يشعلها الإنسانُ،
وأستودعُ كلَّ الفقراءِ غنائى وبكائي،
ولأمي
حاملةِ لواءِ الماءِ إلى القمحِ،
وعاليةِ الصرحِ،
أدينُ، وأدنو من خطويَ
لأصدِّقَ دعواتِ يديها
فعليها من سعفِ النخلِ،
وأشجارِ الصفصافِ،
وعيدانِ السمسمِ ما يكفي،
وإليها ما اكتَسَبَتْ من مجدٍ روحي،
وإلى أصحابى أبوابي
صُنَّاعِ المفتاحِ، الأطهارِ، لصوصِ التِّفاحِ،
المُتَبَعِينَ، الأتباعِ،
وقطَّاعِ الحُرَقِ الموصولةِ،
أبناءِ الطرقِ المجهولةِ،
وعيالِ الليلِ، مواويل الويلِ،
وسيلِ الصحراءِ، وخفراءِ الحلمِ،
وأسيادِ العالمِ، وسلالمَ خلق اللهِ إلى اللهِ،
وأفواهِ الأشياءِ، وأشلاء النورِ،
وسورِ الضعفاء، و وصفاءِ الحريةِ،
وأصابعَ شهداء الثورةِ فى وجهِ العورةِ،
وخوازيق الساسةِ والسلطةِ،
والبلطةِ فى وجه الحكام الدمويينَ،
سأرجعُ منصاعًا، ومَشَاعًا لسناهم،
ولبَركةِ ما تهبُ رؤاهم،
و بساحة سيِّدنا الحبِّ
سأقفُ وأتوسلُ للعالمِ أن يمضيَ
ما زالتْ روحى جاهزةً للسعي،
وكفى بيضاءَ بلا سوءٍ،
وعلى أعرافِ المشهد أبناءٌ
معصومونَ من الحدث يغنونَ،
و قلبى قطعة موسيقى،
و دمائى نهرٌ من عسلٍ،
غافلتُ الجندَ، و حاذيتُ الشهداءَ،
فسبقونى للخلدِ بأغنيةٍ،
وجناحين من النور،
وبضعةِ أمتارٍ من طلقة قناصٍ،
وبوسعى ما دام العالمُ يتبعني،
أن أعبرَ بالناسِ إلى الناسِ
خفافًا من كل مجنزرةٍ،
و بوسعى ما دام الوردُ على الأرضِ بوسعي
أن أخرج حنجرتى ٠

*من شعره :
========
يقول الشاعر حسن عامر – في قصيدته الرائعة التي بخير فيها عن التكوين و ملامحه التي يكثف فيها رؤيته و يجسد عبقرية التراث في نداءات تختصر لنا أصل الحكاية من خلال الصورة المتناغمة مع لغته الرصينة و فكرته الجديدة و بلاغته الجيدة و خيالاته السارحة من الجنوب و سط إيقاعات متنامية متوالية :

من طينِ قريتنا
ومن أحجارِها
مما أباحَ الليلُ من أسرارِه
من شالِ سيِّدةٍ هناكَ فقيرةٍ
نامتْ عيونُ النهرِ ملءَ جِرَارِها
وَلَدًا أتيتُ مُعَمَّدًا بقصيدتي
وفمي نبيٌّ خارجٌ من غارِها
أشدو
فيمتدُّ الربيعُ محبَّةً
وتَشُبُّ أرضُ اللهِ عن أسوارِها
في كحلِ كلِّ صبيِّةٍ أغفو
وفي ليلِ الحنينِ
أذوبُ تحتَ جِدَارِها
وأسيلُ من عرقِ الجباهِ السُّمْرِ
أكتبُ للسماءِ
عن ابتداءِ نهارها
أندسُّ في الأشياءِ
أوقِظُها
وأشعلُ بالسؤالِ الصَّعْبِ
دهشةَ نَارِها
منذُ استراحَ على أريكتِهِ الندى
والريشةُ ارْتَعَشَتْ
على أوْتَارِها
وأنا أرطِّبُ بالسحابةِ صرختي
مُسْتَغْفِرًا للأرضِ
عن أوزارها
قلبي
كأنَّ غزالةً بَريَّةً
سَرَقَتْهُ عشبًا ليِّنًا لصغارها
وخطايَ أغنيةٌ
على إيقاعِها
تسعى خطىً بيضاءُ نحوَ ديارِها.

***
و نختم له بهذه القصيدة حيث تحمل دلالات فلسفية جمالية جدلية مع الأنثي التي تعانق الرجل في صيرورة سرمدية وسط نبوءة الكلمة ، و من ثم يقول شاعرنا المصري حس عامر :
رجلٌ متأخرٌ وامرأةٌ أخيرة

أجلْ
كانَ لابدَ أن نستريحَ قليلًا،
ونُدْنى كلَّ الفراشاتِ من مَقْعَدينا قليلًا
لأهمسَ: إنى أحبكِ،
لكنَّهُ الوقتُ فاتَ،
أنا الرجلُ المُتَأَخِرُ دهرًا،
وأنتِ البلادُ التى أغْلَقَتْ دونَ قصدٍ نوافذها،
والقطارُ الأخيرُ الذى لم يَسَعْهُ انتظاري،
مع الريحِ جئنا
غرَيبينِ لا وجهةٌ أوقَفَتْنا،
ولا أنصفتنا المواعيدُ يا بنتَ عمي
بريئَيْنِ إلا من الأمسِ، والذكرياتِ التى لا تُدَواى،
كبحارةٍ أجهشوا بالحنينِ لأولِ مرسى
وقفنا نلوِّحُ من شرفةٍ للبعيدِ: انْتَظِرْنا
وهيِّيءْ لنا سُلَّمًا للصعودِ إلى ما نريدُ
وكانَ المدى حينها مُسْرِفاً فى الغوايةِ
بعدَ انحسارِ المسرَّاتِ عن ساحلِ العمرِ،
والأرضُ فوضى،
وكانتْ بلادٌ مصابيحها الوهمُ تعوي،
وكانتْ مساميرُ من يصنعون الصليبَ لكلِّ نبيِّ
تدقُّ عظامي،
وكنتُ وحيدًا،
معى كلُّ ما خبَّأتْهُ القرى من بيوتٍ،
وما أنْضَجَ الشيخُ فى قِدْرِ روحي،
معى صوت أمى سلاما وحلوى
وما أسقطتْ نخلةٌ فى الجنوبِ البعيدِ من التمرِ،
ما دسَّهُ حقلُ قمحٍ، مواويلَ تمشى فأمشي،
معى كلُّ ما أحرقته المسافاتُ عامدةً من غناءٍ،
وما دوَّنَتْهُ المنافى من الجوعِ، والبردِ،
والركضِ خلفَ المجازِ العنيدِ على عتباتِ الليالي،
وما خلَّفَتْهُ البناتُ اللواتى تَقَاسَمَنَ قلبي،
معى أصدقائى مريدو ضلوعي،
وما زلتُ وحدي
وأنتِ على بركةِ الغيبِ صفصافةٌ من ضياءٍ
تَفُكِّينَ شَعْرَكِ،
كى تضعَ الحربُ أوزارها،
كى تطيرَ العصافيرُ للجانبِ الخَصْبِ،
دونَ رصاصةِ غدرٍ،
وعيناكِ أخرُ حدُّوتَتَيْنِ لطفلٍ رَمَتْهُ المحطاتُ مثلي،
وكفَّاكِ غُصْنانِ مالا فقالا، وقالا،
ونهداكِ قُمْريَّتانِ تنامانِ دونَ ضجيجٍ،
وخَصْرُكِ موسمُ جمعِ المجرَّاتِ من حقلها فى الأعالي
على حينِ ما لستُ أدري
كما يفتحُ الليلُ أحضانه للسكارى،
كما تستعيدُ المراعى غزالًا شريدًا،
كما تلتقى دونَ سابقِ معرفةٍ موجتانِ التقينا،
نما الريشُ فى ساعدينا فَطِرنا،
وأَرْخَتْ لنا غيمةٌ شالها فاسترحنا،
خَفِيفَيْنِ مثلَ الندى فوقَ خَدِّ الصباحِ
ومُمْتَلئينِ بما يشعلُ الحزنَ غيظا،
وكنتُ أعلِّقُ ليلى على حَبْلِ شَعْرِكِ
حتى يجفَّ اختبائى وراءَ الشبابيكِ وحدي،
وكنتِ اعتذارَ الحياةِ المثالى عن كلِّ ما ليس يُحْكى
وكان عليكِ احتضاني،
وكانَ، فذبنا
ومثلَ انسحابِ عصا عازفٍ من عروقِ الكَمَانِ انسحبنا،
غريبَيْنِ يستأذنانِ الشوارعَ
فى أنْ تمنَّ بحائطِ مَبْكَى
***
هذه كانت تأملات في عالم شاعرنا المصري ( حسن عامر ) ، الصوت الذي قد تدفق من الجنوب في صعيد مصر مع مسيرة نهر النيل الذي يحمل أسرارا ليل نهار مع حكايات التاريخ دائما ٠

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى