قصة

على أعتاب صاحبة الجلالة

متولي محمد متولي بصل

أمام باب مشرحة المستشفى ، توقف ، والخوف يدق طبلة قلبه بقوة ؛ فهو لم ير جثة ًمن قبل ! ووظيفته الجديدة تحتم عليه أن يُصوّر جثة داخل هذا المكان الذي ملأ قلبه رعبا !
ارتعد ، وهو يدلف من الباب ، ثم يغلقه خلفه ، أحس أنه لن يستطيع القيام بالمهمة العسيرة التي جاء لتنفيذها ! بل وهم َّ بالرجوع من نفس الطريق التي جاء منها ، لكنه تراجع عن ذلك عندما تذكر الممرضة التي سهلت له الدخول ، رغم وجود أفراد أمن يحرسون المكان ، فعلت ذلك بعد أن أغراها بمبلغ من المال ؛ إنها تقف الآن تراقب الطريق حتى ينتهي من مهمته ، ويلتقط الصور التي يريد التقاطها ، تشجَّع ومشى نحو السرير المغطى بملاية بيضاء ، كان الصمت يخيم على المكان ؛ فلم يعد يسمع إلا دقات قلبه المتسارعة ! وهو يضبط الكاميرا أمام عينه ليلتقط الصور ، طارت من يده سلسلة مفاتيحه ، واستقرت فوق ملاية السرير ، تقدم خطوتين ليلتقط المفاتيح وجسده كله يرتجف من شدة الرعب ، وفرائصه ترتعد ، فوجئ أن السرير لا توجد فيه أي جثة ! فقط كومة من الملايات البيضاء الملفوفة بالطول ، تساءل مفزوعا : – أين الجثة .. .. أين جثة الإرهابي ؟!
في نفس اللحظة دخلت الممرضة ، والخوف والفزع يأخذان بتلابيبها ، فقد كان هناك مرور مفاجئ من بعض الأطباء ، ، طفقت تتلفت يمنة ويسرة ، تبحث عن مكان تخفيه فيه ، قال لها مذعورا : – الجثة .. .. اختفت .. .. لا توجد جثة !!
نظرت إلى السرير الخالي ، وبدون تفكير أزاحت الملايات من فوقه ؛ ثم دفعت الرجل فوق السرير ، وغطت جسده كله بملاية كبيرة بينما كان في حالة غريبة من الذهول والاستسلام ! فرغم الرعب الذي أحس به وهي تغطي وجهه ، لم يقاوم ، خصوصا عندما سمع صوت أقدام تدخل المكان !
دخل الأطباء ومعهم رجلان أحدهما يعلق في رقبته كاميرا كبيرة ، بينما سأل الرجل الآخر من حوله
: – أين جثة الإرهابي .. .. منفذ العملية ؟!
تقدَّم كبيرهم تلقاء السرير الذي تقف الممرضة بجانبه ، وهم برفع الغطاء ، فسقطت الممرضة على الأرض فاقدة ً الوعي ! التف الأطباء حول المرأة يحاولون إفاقتها ؛ بينما استغل الرجلان الفرصة ، وكشفا الغطاء ، وصورا ما شاءا من الصور ، قال أحدهما للأطباء بينما كانوا لا يزالون مشغولين في إفاقة الممرضة
: – اطمئنوا أيها السادة .. .. صور حضراتكم ستكون منورة في الصفحة الأولى ، وأسماؤكم ستكون بالبنط العريض !
خرج الأطباء ومعهم الممرضة ، وهي في حالة ٍ يُرثى لها ، وتسلل ” هشام ” خلفهم ، و قد اصفر وجهه ، استطاع أن يخرج من المشرحة كما دخل ، دون أن يلاحظه أفراد الأمن الذين يحرسون المكان !
انطلق محاولا اللحاق بالرجلين الذين صوراه ، كان يريد أن يلحق بهما قبل أن يحمضا الصور ، وتظهر صورته مكان صورة المجرم الذي أودى بحياة عشرين بريئا كانوا يستقلون الأتوبيس! كان يجري كالمجنون ، حتى وصل إلى بوابة المستشفى ، وهناك لمح الرجلين وهما يستقلان تاكسي ، حاول اللحاق بهما ، لكن التاكسي كان قد انطلق بهما ؛ أوقف هو الآخر تاكسيا ، وطلب من سائقه أن يقتفي أثر التاكسي الأول ، وجد نفسه يلعن الذين أشاروا عليه بأن يعمل في هذه الجريدة الجديدة ، التي لم يعد يذكر اسمها ! ما له هو والصحافة ، لقد دفع للممرضة ، واشترى الكاميرا وما زالت عليه أقساط لا بد من سدادها ، وبدلا من أن يثبت نفسه في الوظيفة الجديدة ، وضع نفسه في ورطة ربما بسببها قد يقضي بقية حياته في السجن !

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى