دراسات و مقالات

أبو فراس الحمداني – 932 – 968 م الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب ​ تغريدة الشــــــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي

أقولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ: أيا جارتا هل تشعرين بحالي ؟
معاذَ الهوى ‍! ماذقتُ طارقة َ النوى وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ على غصنٍ نائي المسافة ِ عالِ ؟
أيا جارتا، ما أنصفَ الدهرُ بيننا ‍! تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي!

أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ و لا أمْرُ؟
بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ!
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ!
—————
قال الصاحب بن عباد: بُدئ الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبو فراس.
قد اسمتعت الي كوكب الشرق السيدة ام كلثوم و انا في المرحلة الثانوية و هي تشدو برائعة أبي فراس الحمداني ” أراك عاصي الدمع ” ثم اقتنيت كتابا للشاعر الاذاعي فاروق شوشة بعنوان ” أحلي عشرين قصيدة حب ” و من بينها أراك عاصي الدمع و تحدث فيها عن الشاعر الأمير العاشق الأسير صاحب مقولته الخالدة ” الشعر ديوان العرب ” — !!
و من ثم رحت أقلب في تاريخ الادب و اتوقف مع صاحب هذا الشعر ” الحمداني ” و نهايته المأسوية و كيف بث هذه الكلمات من سجنه يخاطب سيف الدولة .
نشــــــــأته :
———–
هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي، أبوفراس الحمداني، شاعر وأمير، وفارس، وابن عم سيف الدولة، له العديد من الوقائع التي قاتل فيها مع سيف الدولة، وكان سيف الدولة يحبّه كثيراً ويأخذه في غزواته ويقدّمه على سائر القوم، وكان يسكن بمنبج ويتنقل في بلاد الشام، جُرِح في معركة مع الروم، فأُسِر وبقي في القسطنطينية، ثم فداه سيف الدولة بأموال كثيرة. مات قتيلاً في صدد وهي مدينة (على مقربة من حمص)، قتله رجال خاله سعد الدولة، وله العديد من القصائد وأهمها تلك التي كتبت فترة أسره وسمّيت بـــ (الروميات).

لم يجمع أبو فراس شعره وقصائده، إلا أن ابن خالوية وقد عاصره جمع قصائده فيما بعد، ثم اهتم [وضح من هو المقصود ؟] بجمع الروميات من شعره في يتيمته، وقد طبع ديوانه في بيروت سنة 1873م، ثم في مطبعة قلفاط سنة 1900م، وتعتمد الطبعتان على ما جمعه ابن خالويه. وقد نقل وترجم بعض شعر أبو فراس إلى اللغة الألمانية على يد المستشرق بن الورد، وأول طبعةٍ للديوان كاملاً كانت للمعهد الفرنسي بدمشق سنة 1944م
و لم لا فأجمل قصيدة للشاعر هي قصيدة اراك عصي الدمع التي اخذت مكانها في الشهرة بين قصائد الغزل العربية و لا سيما بعد ان خلدتها ام كلثوم بالغناء و ذاعت شهرتها بين الناس شرقا و غربا حتي يونا هذا

و بث لواعجها وهو في السجن :
أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ: أيا جارتا هل تشعرين بحالي ؟ م
عاذَ الهوى ‍! ماذقتُ طارقة َ النوى وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ على غصنٍ نائي المسافة ِ عالِ ؟
أيا جارتا، ما أنصفَ الدهرُ بيننا ‍! تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي!
تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحاً لَدَيّ ضَعِيفَة ً، تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالي
أيَضْحَكُ مأسُورٌ، وَتَبكي طَلِيقَة ٌ، ويسكتُ محزونٌ، ويندبُ سالِ؟
لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلة ً؛ وَلَكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَالِ!

و شاعرنا من قبيلة الحمدانيين التي حكمت شمال سوريا والعراق، والتي اتخذت من حلب عاصمةً لها في القرن العاشر للميلاد، وترعرع أبو فراس في كنف ابن عمه سيف الدولة في حلب بعد وفاة والده مبكراً، مما أدى إلى توطيد العلاقة بينهما، حيث دافع عن ثروة ابن عمه ضد هجمات الروم، كما شارك في مجالس الأدباء، ونافس الشعراء، ثم ولاه سيف الدولة مقاطعة منبج التي أحسن حكمها. وقوع أبي فراس الحمداني في الأسر كثرت الحروب بين الروم والحمدانيين في أيام أبي فراس، مما أدى إلى وقوعه في الأسر عام 347هـ في منطقة عرفت باسم مغارة الكحل، حيث أخذه الروم إلى منطقة تعرف باسم خرشنة الموجودة على الفرات، والتي كان فيها حصن منيع يعود للروم، مكث فيها الحمداني مدة أربع سنوات في الأسر، واختلف الرواة على كيفية خروجه من السجن، فمنهم من قال بأنه هرب، ومنهم من قال بأن سيف الدولة افتداه.
فترة أسر أبي فراس الحمداني انتصر الحمدانيون أكثر من مرة في العديد من المعارك، وبعد توقفهم عن القتال لفترة من الزمن عاد القتال بين الحمدانيين والروم الذين جهزوا أنفسهم بجيشٍ كبير تمكن من محاصرة أبي فراس، مما أدى إلى سقوط قلعته عام 350هـ، ووقوعه في الأسر، وأخذه إلى القسطنطينية لمدة أربع سنوات، حيث كان يرسل العديد من الرسائل إلى ابن عمه في حلب، والتي يلوم فيها مماطلته في فك أسره، كما يشتكي فيها من قسوة الأسر وطول مدته، علماً بأن إمارة حلب كانت تمر بفترة عصيبة نتيجة ازدياد قوة الروم الذين اقتحموا عاصمة الدولة الحمدانية حلب، مما دفع سيف الدولة للانتقال إلى ميافارقين، حيث أعاد تجهيز قواته لمهاجمة الروم، ثم تمكن من مهاجمتهم في عام 354هـ، وانتصر عليهم، واستعاد حلب، وأسر عدداً من الروم الذين استغلهم لإخراج ابن عمه أبي فراس الحمداني من الأسر. تحرر أبي فراس الحمداني من الأسر ووفاته خرج أبو فراس الحمداني من الأسر عام 354هـ، ثم توفي سيف الدولة بعد عام، وكان لسيف الدولة مولى اسمه قرغويه الذي طمع في الحكم، إلا أنه طالب بإعلان أبي المعالي ابن أخت أبي فراس أميراً على الإمارة لاستغلاله في بسط يده على الإمارة باسم أميره، إلا أن أبي فراس الحمداني أدرك نوايا قرغويه، فدخل حمص، ووقعت حرب بينه وبين جيشٍ بقيادة قرغويه، مما أدى إلى مقتله فيها، وذلك عام 357هـ، في بلدة صدد جنوب شرق حمص.
مع رائعة أبي فراس الحمداني ( أراك عاصي الدمع ؟؟!! ) يقول فيها :
أُسر أبو فراس في إحدى معاركهم مع الروم، وكان جريحاً مصاباً بسهم، وبقي في الأسر حتى افتداه سيف الدولة ، جاء شعره محملاً بجل مشاعره مستخدماً التلميح والإيماء وقد نظّم أبو فراس في أسره مجموعة من القصائد الوجدانية وقد عرفت بـ (الروميات)، وقال قصيدته هذه في سجنه مخاطباً سيف الدولة .

” أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ ” :

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ، ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ، إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها، فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: ” منْ أنتَ ؟ ” ، وهي عليمة ٌ ، وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى : قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: ” لو شئتِ لمْ تتعنتي ، وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: ” لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛ وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ، إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها، لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ، وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟ إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ، ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
وقالَ أصيحابي: ” الفرارُ أوالردى ؟ ” فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
يقولونَ لي: ” بعتَ السلامة َ بالردى ” فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ، إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه، فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ كما ردها ، يوماً بسوءتهِ ” عمرو”
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ، ” وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ ”
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛ وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ، وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ

هذه كانت صفحة شعرية من صفحات شعرنا العربي الغنائي الغزلي مع شاعر فارس أمير عاشق أسير نقش أبياته الخالدة في ديوان العرب كما قال مقولته الخالدة ” الشعر ديوان العرب ” أنه أبو فراس الحمداني صاحب الأمجاد و المأساة كما فهمنا من سيرته المتداخلة في شتي الجوانب و قصيدته ” أراك عاصي الدمع ” تعد من عيون شعرنا العربي في ديوان الغزل نطالعها و نستمع اليها دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى