دراسات و مقالات

يا صاحبة الخمار الأســـــود

الشاعر الأموي " مسكين الدرامي - 89 هـ/… ـ 708م "

قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى قعدت له بباب المسجد
—————-

بداية الحديث ذو شجون مع مسكين الدرامي الذي نتوقف معه فهو شاعر مبدع رقيق غزلي حكمي له تجارب مع الحياة جرب كل فنون و أغراض الشعر يعد من أعلام الشعر الأموي أنه ” مسكين الدرامي الذي خلدته هذه المقطوعة الشعرية المغناة ” قل للمليحة ذات الخمار الأســـــــــود ” و التي شدي بها صباح فخري الفنان السوري العملاق حديثا —
نشـــــأته :
———–
مسكين الدارمي هو ربيعة بن عامر التميمي. وسُمّي بــ ” الدارمي ” نسبة إلى دارم أحد أجداده. هو شاعر أموي.
وقرَّبه يزيد وأدناه، وكان صوته إلى أبيه، وذكره الفرَزْدق، وبيَّن مكانته كما جاء في “الأغاني”
وسُمي مسكين لقوله :

أنا مسكين لمن أنكرنى ولمن يعرفني جد نطق
لا أبيع الناس عرضي إننى لو أبيع الناس عرضي لنفق

وقال بعد ان مضت عليه الكلمة ..
وسميت مسكيناً وكانت لجاجةً وإني لمسكين إلى الله راغب

يُعد شعر مسكين الدارمي وثيقةً مهمةً فيها صدى
الاتجاهات السياسية والفكرية في عصره، وقد جمعه عبد الله الجبوريّ وخليل العطية.

كان الفرَزْدقُ يقول:
نَجَوْت من ثلاث أرجو ألاَّ يُصيبني بعدهنَّ شَرٌّ: نجوتُ من زياد حين طلَبَنِي وما فاته مطلوب قطُّ، ونجوت من ضربةِ رئاب بن رميلة أبي البذال، فلم يقع في رأسي، ونجوت من مُهاجاة مسكينٍ الدَّارمي، ولو هاجيتُه لَحال بيني وبين بيت بني عمِّي، وقطع لساني عن الشُّعراء
قال أبو عمرٍ الشيباني: وإنما لقب مسكيناً لقوله:

مع مسكين الدرامي الناسك المتعبد ورائعته ” قل للمليحة في الخمار الأســــــود !! ” :
————————————————–
ومن قصصه اللطيفة أن بعض التجار قدم المدينة المنورة، ومعه حمل من الخُمُر السود، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره، فقيل له:
ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة.
فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال:
وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال؟
فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما:
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى قعدت له بباب المسجد

ثم استرسل قائلاً :
قل للمليحة بالقميصِ الأبيضِ مطرٌ وبردٌ حلوتي لا تمرضي
هل تسمحي لي أن أعيركِ معطفي؟ والرأيُ رأيُكِ.. إنما لا ترفُضي

قل للمليحـة بالقميصِ الأسودِ ماذا فعلتِ بعاشقٍ متمردِ
أدى التحية في مقامكِ هاتفاَ لا سيد لي أنت وحدك سيدي
قل للمليحة بالقميصِ الأصفرِ كم سعرهُ حتى قميصاً أشتري
هي نزوهٌُ مني لأكتب فوقهُ تلك التي هزت جميع مشاعري
قل للمليحـة بالقميصِ الفستقي لا حُسن في الدُنيا كحُسنُ المشرقِ
إني يزلزلُني سمادٌ ساخنٌ ويريحُ أعصابي مذاقُ الفستُقِ
قل للمليحة بالقميصِ الأخضرِ الناسُ للناسِ فلا تتكبري
إن كُنتِ قد أطلقتِ حسرة معجبِ عيناكِ إغراءُ وجوك شاعري

قل للمليحـة بالقميص البني من كان أخرس لو رآك يغني
أنا كنتُ طيراً كاسراً قبل اللقا فكي قيودي ها أنا في السجنِ

قل للمليحة بالقميصِ الأحمرِ أزرارُهُ أنيابُ ذئبٍ كاسرِ
وأنا جريءٌ والتحدي لُعبتي إن عدتُ مهزوماُ فلستُ بخاسرِ

قل للمليحة ما لعطركِ ثاني نعم.. أستفز رجولتي وكياني
هل منهُ نوعٌ للرجالِ أُريدُهُ فتكرمي بالإسمِ والعنوانِ

فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه. ويعتبر هذا أول إعلان في التاريخ.

ومن مستحسن شعره:
——————-

ويقول مسكين في الكرم:
طَعَامي طَعَام الضَيفِ والرَّحْلُ رَحْلُهُ ولم يُلْهِني عنه الغزالُ المُقَنَّعُ

وله في حسن الجوار:
ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنزل القدر
ماضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبيته ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
ويصم عما كان بينهما سمعي وما بي غيره وقر
و له ايضا :
إتق الأحمق أن تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدعٍ في زجاج بينٍ أو كفتقٍ وهو يعيى من رتق
وإذا جالسته في مجلسٍ أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا نهنهته كي يرعوى زاد جهلاً وتمادى في الحمق
وإذا الفاحش لاقى فاحشاً فهناكم وافق الشن الطبق
إنما الفحش ومن يعتاده كغراب السوء ما شاء نعق
أو حمار السوء إن اشبعته رمح الناس وإن جاع نهق
أو كعبد السوء إن جوعته سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيرى رفعت من ذيلها ثم أرخته ضراراً فانخرق
أيها السائل عما قد مضى هل جديد مثل ملبوسٍ خلق

و من ثم قد تنوّعت فنون القول عند مسكين فقد مدح معاوية
ويزيد وزياداً، وهجا الفرزدق، وتميّز بمجموعة من الأبيات في الحكمة نالت حظاً من
الشهرة، وصارت موضع استشهاد، مثل قوله:
أخاك أخاك إنّ مَنْ لا أخا له
كساعٍ إلى الهيجا
بغير سلاح
وإنّ ابن أمِّ المرءِ – فاعلم – جناحُه
وهل ينهض البازي بغير
جناح
واتسم شعره بالعفة، والبعد عن الفاحشة، واقتربَ
من الزهد في مثل قوله:
وإذا الفاحش لاقى فاحشا
فهناكم وافق الشنُّ الطبقْ
أيّها السائل عمّن قد مضى
هل جديدٌ مثل ملبوسٍ خلقْ
وعدّ صاحب «الأغاني» أنّ أشعر ما قيل في الغيرة
قوله:
ألا أيها الغائرُ المُستشيـــ
ـــط علامَ تغارُ إذا لم
تُغرْ
تغارُ على الناس أن ينظُروا
وهل يفتنُ الصالحات النظر

هذه كانت أهم المحطات في شعر ” مسكين الدرامي ” الشاعر الأموي العظيم الذي جرب شتي أغراض و ألوان الشعر بكافة فنونه المختلفة و من ثم برز في مقدمة عصره —

و تصدرت مقطوعته الغنائية ” قل للمليحة صاحبة الخمار الأسود ” وجهة الشعر الغزل الغنائي حتي تطالعنا كلماتها حتي اليوم في القاء متميز لدي أهل الأدب و الفنون لم لها من أثر طيب في النفوس ليبق مسكين الدرامي فاتحة أشعار جيدة دائماز

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى