خواطر

يا أيها الفراق: مقطوعةٌ نثرية محمد رشاد محمود


يا ناثِرًا ما اجتَمَعَ وجامِعًا ما انتَثَر .. يا قاطِعًا ما اتَّصَلَ ووَاصِلًا ما انقَطَع ، يا أيُّها الفراق .يا غَفوَةً تَغشَى النَّفسَ بِظُلمَةِ الوَداعِ ، لِتَستَفيقَ على نُورِ الأُلفَة ..
ويا دَمعَةً تُذيبُ القَذاةَ في عَينِ المُوَدِّعِ ، وغصَّةً تَمُجُّ الأسَى في رُضابِ المُوَدَّع .
يا لَحنًا مِن نُزاءِ الرُّوحِ مُوَقَّعًا بين ضفَّةٍ وضفَّة
ويا رِيشَةً بينَ وَتَرٍ ووَتَر ..
(2) يا نَظَرًا بِغَيرِ أداةٍ ، ومَرأًى بِغَير بَصَر ..
يا عينًا لِذِي عَينَينِ ما رَأتا ، ولِسانًا لِغَيرِ ذي بَيانٍ ، وجِنَّةً في قلبِ أعجَم ..
يا مِنظارًا يَكشِفُ غَوْرَ النَّفسِ ويَفضَحُ جَرْمَ الحَمأة لِعَينٍ مَحَكُّها الجَسدُ في فضاءِ السُّفور ..
يا عَبرَةَ الغَريبِ وبَحَّةَ المُفارِق ..
يا عَلقَمَ النَّائي وغُلَّةَ المُنتَظِر ..
يا حَسرَةَ الرَّاحِلِ ولوعَةَ المُقيم ..
يا أيُّها الفراق …..
(3) يا أنيسَ المُستَوحِد ، ووَحدَةَ المؤتَنِسين ..
يا كآبَةَ السَّمير ، وسَميرَ المُكتَئِبين ..
يا ناصِحًا بغَيرِ لِسانٍ ، ومُبينًا بِغيرِ بَيان ..
يا مُنطِقَ الخُرسِ ، ومُخرِسَ النَّاطِقين ..
يا لُقيَةً تُوحَى ، ووَحيًا يُلَقَّى ..
يا مُوقِظَ النَّائِمِ على صَحوَةٍ تُلَقِّنُهُ عِشقَ الكَرَى ، ومُرقِدَ المُفيقِ علَى غَفوَةٍ تَزفُّ إليه نَعيمَ الصَّحوَةِ ..
يا صادِقًا لا يَكذِبُ ، وعابِسًا لا يُفارِقُ بشاشَةَ التَّبَسُّم ..
يا باعِثًا ما استَسَرَّ ، وطاوِيًا ما انْبَعَث ..
يا أيُّها الفراق …
(4) يا مُلَقِّنَ الصَّبرِ ، ومُسَعِّرَ الجَزَع ..
يا نافِخًا فيما خَمَد ، ومُطْفِئًا ما كانَ شَبّ ..
يا سِنَةً لا تُفيقُ ، وصَحوَةً لا تنام ..
يا غَفوَةً لا تَذهَلُ ، وذُهولًا لا يَغْفل ..
يا مُلَجْلِجَ الأمَلِ في النَّفسِ كالحَشْرَجَةِ في حلقِ المُنازع ..
يا ظِلَّ المَوتِ في الحَياةِ ، وحياةَ الظِّلِّ في الممات ..
يا أملَ الألَم ، وألَمَ الأمَل ..
يا أيُّها الفراق …
(5) يا نشوَةً بدونِ كأسٍ ، وخمرًا بلا أعناب ..
يا ذُكرَةَ الذَّاهِل وسَدْرَةَ الذَّاكِر ..
يا عِلمًا لِمُتَسَدِّي الجَهالَةِ ، وجَهلًا لِمُحتَبي العِلم ..
يا وَحشَةَ المُستأنِسِ ، وغِبْطَةَ المُستَوحِش ..
يا لَهفَةً لا تنطَفِئُ ، وجذوَةً مِن غَيرِ نار ..
يا نَكبَةً تُزَغْرِدُ ، وحَبرَةً تَنتَحِبُ ، وحِكمَةً تُسَدَّدُ ..
يا أيُّها الفراق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى