قصة

نص متمرّد.. وعفريت شقي.

فتحي إسماعيل

كنت وحيدا تلك الليلة ككل الليالي، نجَحَت قفزات صغيري الذي يملأ البيت ضجيجاً في جعلي أرى بعيني شيئاً غير البئر السحيق الممتلئ بالزواحف والعفاريت، لكني لم أستطع الخروج منه فقط رأيت…
فتأكَدَت لي صلتي الوثيقة وارتباطي المقدّس بالبئر، أشفقت على أهل بيتي وأحبابي منها، حاولت استدعاء بعض الأصدقاء الذين أثق في قدرتهم على التصدي للزواحف و العفاريت، أو الذين أتوسّم فيهم التضحية والفداء، فينزلقون إليها حبا في شخصي، رغم ضعف إمكانياتهم، أو خوفهم الفطري من الظلمة والأصوات المرعبة، فلبئري أصوات مخيفة وعفاريت شقية متطلّبة.
لا تصمت الأصوات إلا حين أكتب، ولا يستكين العفريت إلا وعيناي مرشوقتان في ورقة، لهذا كتبتُ النصَ اللعين، كتبته تحت ضغط وإلحاح، ككل نص كتبته منذ وقعت في البئر ..هل من الضروري أن يعلم القارئ ..متى وكيف وقعت في البئر؟
أنا نفسي لا أعلم متى ولكني أعلم كيف، فحين أدركت أن أصوات العصافير لن تصل لأذني حتى تغتسل، وأن السماء لن تفصح عن زرقتها لعيني حتى تضحك،
ولأن الماء ملوث والحزن عميق، قررت النزول للبئر.
ومنذ وجدتني هناك وأنا أكتب بأمر العفاريت كل يوم نصاً جديداً، لا يهم إذا ما كان جيدًا أو رديئاً، المهم أن ترضى عني العفاريت.. وتأمر الزواحف بالصمت لبرهة،
ولكن مشكلتي أني أحياناً أقتل النصوص بأن أحفر تحت قدمي وأدفنها، لئلا يراها الملتفون حول البئر، فتملأ أذنيّ أصوات مشاجراتهم ما بين موافق ورافض، معجب ومتأفف، أتحمّل تبعات القتل وعذاب الضمير، أحاسب نفسي ألف مرة على كل نص وأدته، فأنا لست قاتلاً بطبعي ..وقلبي لا يحتمل كل هذا الشعور بالذنب.
ولذا قررت اليوم أن أرسل هذا النص للأعلى، ولكنه أبى ..وأصر على الالتصاق بيدي وتعلّق برقبتي ..يرجوني ألا أفعل، أخبرته كم هو غبي ولا يدري أنه إذا لم يصعد سأقتله، ولكنه أخبرني بتحدٍ وإصرار بأنه سينتحر إذا أُجبر على الصعود ،
تكمن المشكلة الآن فيّ أنا، فأنا لا أستطيع أن أكتب نصاً جديداً حتى أحدد مصير القديم بأن أقتله أو أرفعه، وهذا النص المتمرد ملتصق بيدي، يبكي ..يرفض الصعود، وأنا لا أستطيع قتله..وصوت الفحيح بدأ يعلو، ويعلو ..ويعلو..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى