دراسات و مقالات

.موسوعة شعراء العربية المجلد الثامن\ شعراء النهضة العربية .

بقلم فالح الكيلاني . ( احـمــــــد علي باكثيـــــــــــــر ) شاعر حضرموت .

و علي بن أحمد بن محمد باكثير الحضرمي من قبيلة( كندة) في الجزيرة العربية ، وينتسب علي أحمد باكثير إلى واحدة من أعرق الأسر في حضرموت وأُكثرها إيغالاً في العروبه، فأسرة باكثير ينتهي نسبها إلى كندة وهو نسب تقف الفصاحة قديماً وحديثاً عنده وقفة اجلال واكبار .
.
ولد في 15 ذي الحجة 1328 هـ الموافق 21 كانون الاول (ديسمبر )من عام \ 1910م، في جزيرة (سوروبايا) بإندونيسيا لأبوين يمنيين من منطقة حضرموت. .
وحين بلغ العاشرة من عمره سافر به أبوه إلى حضرموت لينشأ هناك نشأة عربية إسلامية مع إخوته لأبيه فوصل مدينة ( سيئون ) بحضرموت في 15 رجب سنة 1338هـ الموافق الخامس من نيسان (أبريل ) سنة \ 1920م.
.
ولم يكن في حضر موت في ذلك الوقت أي نوع من المدارس النـظامية، وإنما كان التلاميذ يتلقون علم مبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب ثم يتلقون الدروس المتقدمة في اللغة والعلوم العربية والفقهية على أيدي مشايخ يلزمونهم حتى يتموا معهم قراءة مجموعة من كتب النحو واللغة والبلاغة والفقه وحفظ النصوص المطلوبة . وقد انتظم باكثير في الدراسة بهذه المدرسة ( مدرسة النهضة العلمية) لمدة أربع سنوات وختم دراسته بها حوالي سنة 1342هـجرية، كان فيها من المتقدمين، وقد شهد له في حضرموت من رفاق دراسة الصبا بالنبوغ، فقد كان على قلة التزامه أكثرهم تفوقاً وفهماً. وقيل أن علياً إذا غاب مرة عن دروس العلوم المستعصية يسأل الزملاء عن موضوع الدرس فيطلع عليه في مظانه ثم يعود في اليوم التالي إلى المدرسة وقد نظم تلك المعاني شعراً فيُسِّهل على التلاميذ حفظه.
.
وهناك تلقى تعليمه في مدرسة (النهضة العلمية) ودرس علوم العربية والشريعة على يد شيوخ أجلاء منهم عمه الشاعر اللغوي النحوي القاضي( محمد بن محمد باكثير) كما تلقى علوم الدين أيضا على يد الفقيه (محمد بن هادي السقاف )وكان من أقران علي باكثير حينها الفقيه واللغوي (محمد بن عبد اللاه السقاف).
.
ظهرت مواهب باكثير مبكراً فنظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، وتولى التدريس في مدرسة (النهضة العلمية ) وتولى إدراتها وهو دون العشرين من عمره .
.
كان طبيعياً أن تتفجر ينابيع الشعر في نفس علي أحمد باكثير في سن الثالثة عشرة من عمره، فقد كان الشعر في أسرته ميراثاً، وكانت البيئة العربية الخالصة في حضرموت لم تعرف ـ في ذلك الوقت ـ من فنون الأدب غير الشعر يبدع فيه الأدباء خير ما تجود به قرائحهم ويصورون فيه قضاياهم وقضايا مجتمعهم ومن خلاله يألمون ويأملون ويرسمون أحلامهم. يقول باكثير من قصيدة نظمها وهو في الثالثة
عشرة من عمره :
أما الدنيا تصير إلى الفناء
فـما هذا الضجيج مع البكاء
أما هذي الجبال الشم يوماً
تصيــر إذا أتــى مثل الهباء
إذا جــاء الحمام فلا فرار
لديك وليس يجدي من دُعا ء
ولما توفي والده وهو في سن السادسة عشرة فرثاه بقصيدة طويلة نجتزيء منها هذه الابيات:
عبثاً تحـاول أن تـكف الأدمعا
وأبوك أمسى راحلاً مستودعا
كيف السلو وما مررت بموضعٍ
إلا وسـاد الحزن ذاك الموضعا
كيف السلو وما مررت بمعدمٍ
إلا وأجهــش بالبكاء مرجّعا؟
والعيش أضيق ضيق لكن إذا
مـــا حلت الآمــال فيــه توسـعا
ولقد سئمت العيش في الدنيا
وما جاوزت بعد ثلاث عشر وأربعا
علماً بأن سرورها لا ينتهــي
إلا إلـــى حــــزنٍ يهـــز الأضلعا
وفي عام\ 1938م – ألف مسرحيته (أخناتون ونفرتيتي) بالشعر الحر ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في الأدب العربي. ثم التحق باكثير بعد تخرجه في الجامعة بمعهد التربية للمعلمين وحصل منه على الدبلوم عام\ 1940م وعمل مدرسا للغة الإنجليزية لمدة أربعة عشر عاما.
.
تزوج باكثير مبكراً عام\ 1346 هـ ولكنه فجع بوفاة زوجته وهي في غضارة الشباب وريعان الصبا . فغادر حضرموت عام \ 1931م وتوجه إلى عدن ومنها إلى الصومال والحبشة واستقر زمناً في الحجاز، وفي الحجاز نظم مطولته( نظام البردة) كما كتب أول عمل مسرحي شعري له وهو( همام أو في بلاد الأحقاف) وطبعهما في مصر في أول قدومه إليها.
.
وصل باكثير إلى مصر سنة \ 1934 ميلادية، والتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) حيث حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الأنجليزية عام \ هـ / 1939 ، وقد ترجم عام\ 1936 أثناء دراسته في جامعة فؤاد الاول مسرحية ( روميو وجولييت) لشكسبير بالشعر المرسل، ساهم في شعره في القضايا العربية ومما قاله في ثورة مايس في العراق في حفلة تأبينية كبرى أقيمت لشهيد عربي- قتل ظلمًا- قال الأستاذ علي أحمد باكثير قصيدة كانت حديث المجتمعين كلهم؛ لأن الشاعر قد انتحى منحىً مفاجئًا، إذ جاء بالقصيدة على لسان البطل الشهيد العراقي صلاح الدين الصباغ وقد وقف في وجه الإنجليز .. ولسوء حظه وقع في يد من قبض عليه لينفذ فيه حكم الإعدام فيه علنًا ببغداد، فهاج الرأي العربي العام في كل مكان، فتأججت مشاعر الشاعر علي باكثير فقال هذه القصيدة مبتدئًا بقوله على لسان الشيهد:
فيم احتشادكمو هذا لتأبيــــني
أنتم أحق بتأبين الورى دونـي
إني نزلت بدار الخــلد في رغدٍ
بين الخمائل فيها والريــاحين
في جنة ما بها خوف ولا حـزن
لولا رثاء لحال العرب يشجيني
لا تندبوني فإني لم أمت ضـرعًا
فإن علمتم عني الـذل فابكوني
وإن تريدوا لوجه الله تكــرمتي
فابغوا الشهادة للدنيا وللديــن
فأين الولـيد على اليرموك يرقبكم
وليث أيوب يرعاكم بحطــين
.
تزوج باكثير مرة ثانية في مصر عام\ 1943م من سيدة مصرية ومن عائلة محافظة لها ابنة من زوج سابق، وقد تربت الإبنة في كنف باكثير الذي لم يرزق بأطفال. وبعد انتهاء الدراسة فضل الإقامة في مصر حيث أحب المجتمع المصري وتفاعل معه وأصبحت صلته برجال الفكر والأدب وثيقة، من أمثال العقاد والمازني ومحب الدين الخطيب ونجيب محفوظ وغيرهم .
.
اكتسب باكثير الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في عام 1371 هـ / 22 اب أغسطس \1951 م.
.
سافر باكثير من مصر إلى فرنسا عام\ 1954م في بعثة دراسية
و بعد انتهاء الدراسة فضل الإقامة في مصر حيث أحب المجتمع المصري وتفاعل معه حيث أصبحت صلته برجال الفكر والأدب وثيقة، من أمثال العقاد والمازني ومحب الدين الخطيب ونجيب محفوظ وغيرهم كما شغل بقضية العرب المصيرية قضية فلسطين فالف الكثيرمن المسرحيا ت والروايات والقصائد الشعرية فيها .
.
اشتغل باكثير بالتدريس في مصر خمسة عشر عاماً منها عشرة أعوام ب(المنصورة) ثم نقل إلى ( القاهرة) . وفي سنة\ 1955م انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصلحة الفنون وقت إنشائها، ثم انتقل إلى قسم الرقابة على المصنفات الفنية وظل يعمل في وزارة الثقافة حتى وفاته.
.
حصل باكثير على منحة تفرغ لمدة عامين (1961-1963) حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في 19 جزءاً، وتعد ثاني أطول عمل مسرحي عالمياً، وكان باكثير أول أديب يمنح هذا التفرغ في مصر. كما حصل على منحة تفرغ أخرى أنجز خلالها ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر (الدودة والثعبان – أحلام نابليون – مأساة زينب)
طبعت الأولى في حياته والأخرتان بعد وفاته.
.
زار باكثير العديد من الدول مثل فرنسا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي ورومانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والكويت التي طبع فيها ملحمة عمر. كذلك زار تركيا حيث كان ينوي كتابة ملحمة مسرحية عن فتح القسطنطينية ولكن المنية عاجلته قبل أن يشرع في كتابتها.وفي المحرم من عام 1388 هـ الموافق نيسشان أبريل 1968م زار باكثير حضرموت قبل عام من وفاته.
كان باكثير يجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والملايوية بالإضافة إلى لغته العربية.
.
توفي علي باكثير في القاهرة بمصر في غرة رمضان عام\ 1389 هـ الموافق 10 تشرين الثاني (نوفمبر)\ 1969 م، إثر أزمة قلبية حادة ودفن بمدافن الإمام الشافعي في مقبرة عائلة زوجته الثانية المصرية.
.
تنوع أنتاج باكثير الأدبي بين الرواية والمسرحية الشعرية والنثرية، ومن أشهر أعماله الروائية (وا إسلاماه) و(الثائر الأحمر) ومن أشهر أعماله المسرحية (سر الحاكم بأمر الله) و(سر شهر زاد) التي ترجمت إلى الفرنسية و(مأساة أوديب) التي ترجمت إلى الإنجليزية.
.
كما كتب باكثير العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد وكان ينشرها في الصحف والمجلات السائدة آنذاك، وقد أصدر منها في حياته ثلاث مجموعات .
.
لم ينشر باكثير أي ديوان في حياته وتوفي وشعره إما مخطوط وإما متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشرشعره فيها.
.
الاانه صدرت له ثلاثة دواوين شعرية :
الاول ( ازهار الربى في اشعار الصبا ) أصدره الدكتور (محمد أبو بكر حميد) عام\ 1987 ويحوي القصائد التي قد نظمها باكثير في حضرموت قبل رحيله.
الثاني ( سحر عدن وفخر اليمن ) اصدرته مكتبة كنوز ب( بجدة ) سنة 2008 وضم شعره بين 1932 – 1933 وهي السنة التي قضاها في عدن بعد مغادرته حضرموت .
الثالث (صبا نجد وأنفاس الحجاز) وفيه شعره الذي نظمه سنة\ 1934 السنة التي أمضاها في المملكة العربية السعودية قبيل هجرته النهائية إلى مصر .
.
شارك في كثير من المؤتمرات الأدبية والثقافية واختير عضوًا في لجنة الشعر والقصة بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما كان عضوًا في نادي القصة وحصل على منحة تفرغ لتأليف ملحمة تاريخية عن عمر بن الخطاب.
.
ترك إنتاجًا أدبيًا وفيرًا حيث ألف أكثر من ستين قصة ورواية، بين مسرحية شعرية ونثرية .
,
يتحدث باكثير نفسه في قضة العرب الكبرى قضية فلسطين
حين يقول:
(على أثر حرب فلسطين التي انتهت بانتصار اليهود على الجيوش العربية مجتمعة انتابني إذ ذاك شعور باليأس والقنوط من مستقبل الأمة العربية والخزي والهوان مما أصابها، أحسست أن كل كرامة لها قد ديست بالأقدام، فلم تبق لها كرامة تصان، وظللت زمنًا أرزح تحت هذا الألم لمعض الثقيل، ولا أدري كيف أنفس عنه)
ومن العجب أن باكثير عالج قضية فلسطين قبل وقوع الكارثة في ثلاثة مسرحيات:
الأولى: عام\ 1944 تحت عنوان (شيلوك الجديد) قبل النكبة، وقد تنبأ فيها بنكبة فلسطين وقيام الدولة اليهودية وخروج أهلها العرب.
الثانية: شعب الله المختار.
الثالثة: إله إسرائيل.
ثم كانت مسرحيته بعد نكسة الخامس من حزيران بعنوان:
(التوارة الضائعة) وكان يرى أن قضية فلسطين ما زالت تنتظر
العمل الأدبي الذي يتكافأ مع خطرها وأهميتها.
باكثير لا يؤمن بالفصل بين العاطفة والعقل، ولكنه يرى أنه من الطبيعي أن تركز الأعمال الشعرية في قضية فلسطين على العاطفة؛ لأن أولئك الشعراء يصفون الجراح الغائرة التي في قلوبهم…. والرسالة التي يحملها هؤلاء الشعراء هي أن يعمقوا إحساس الأمة بالمأساة ويذكرونها بأنها قضية حياة أو موت، قضية مصير ويثيرون همم الرجال في طرد المعتدين اليهود وقيام النهضة العربية او قل الامة العربية قومة رجل واحد في ذلك .
لقد كان باكثير على اتصال دائم بالحياة الأدبية في مصر والشام والعراق من خلال ما صدر فيها من مجلات وصحف وكتب كانت تصل إليه بشكل منتظم، وكانت هناك أشواق للانفتاح على ما في تلك البلاد من حركة نهضوية قوية وتجديد وفكر و يصل صدى كبار الشعراء العرب و المحدثين، المسيطر على الأسماع هناك ولهذا كان وجود شوقي وحافظ أكثر من وجود العقاد وطه حسين مثلاً.
ومن بدائع قصيده هذه الابيات من قصيدة بعنوان ( لوثقفت حضرميا ) يقول:
عــلى إخــواننــا الـمتديـريـنــا
(أديس ابابا) سلام المخلصـيـنا
ســلام الـشاكرين لما بنوا من
عـلا لـبـنـي الـعـروبـة اجمعينا
تـذكـرنا بهـم عـهد (النجاشي)
وهـجـرة آل طـه الأكـرمـيـنــا
أبوا ضـيـم الأعـادي يـمتطيهم
بـدار الـشرك فامتطوا السفينا
الى حـيث الـمـقـام يـطـيب فيه
لــعــبـــاد الإلـــه الـذاكـريـنــا
رأت أخلاقهم عين (النجاشي)
فــآمـن إذ رأى الـحـق المبينا
فيــا لـمـواطـن هـبطـت الـيـهـا
مـلائـكـة الـسـلام مـبـشـريـنا
تــلـقـتـهـم بـحـب واحـتـــــرا
كـمـا يـسـتـقبل الخدن الخدينا
***
عــلــــى ذاك الأساس فـشيدوهــا
مــدارس عـامـرات للـبنـينــا
على ذاك الاسـاس فــشـيـدوهــــا
ن نـوادي للـشبــاب الناهـضـينا
هـنـالـك فـأرفـعوا الاسلام شـأنــا
وبـثـوا هـديه في الـعـالـمـينـا
وكونوا حجة لـلــديـن فـيــــــهـــم
وردّوا عـاديـات الـمـعـتـديـنا
ألا لـلـه دركــم رجــــــــــــــــــالا
سـعـيـتـم لـلـعـلا مـتـكـاتـفـينا
(بـنـادي الاتـفـاق ) قـد اتـفـقـتــم
عـلـى إعـلاء شـأن المسلمينا
رحـلـتـم تبتغون هـنـاك رزقـــــا
فـعـدتم تـنـشرون هناك دينا!
رأيـتم سـوء عـاقـبـة التعـــــاد
فـكـنـتـم بـالإخـا مـسـتمسكينا
فهـل لبني أبينا أن يــــروكــــــم
بأقصى الشرق هل لبني ابينا
لـعـلـهـم بـكـم إمـــــــا رأوكـــــم
نـهـضـتم بــالـتـآخي يـقتدونا
وأهـــــواء بـأدمـغـة صـغـــــار
تلاعبت كالصواريخ بالكرينا
غرور) قد مشى (حسد) الـيـه
عـلـى عـلـمـيـهـمـا يـتـقـاتـلونا!
فمن خمريهما اضحوا سكارى
وفـي كأسيهما إحتسوا المنونا
فوا أسفا شعوب الأرض ترقى
وقـومـي بـيـنـهـا يـتـشـاتـمـونا
اذا طالعت صحفهم بدت لــــي
أفـاعـي الـحـلـف رافعة قرونا
بـهـا الأهـواء عـالـيـة صـراخا
ولـيـس بـهـا صدى للمصلحينا
***
فــثـوبـوا لـلـوفـاق ولا تكونوا
(براقش) واسمعوا النصح الثمينا
ودعـوا الأقـدار لـلتاريخ يرقم
عـلـيـكم أولـكـم مـا تـعـلـمـونــــــا
وربــكـم بـكـم أدرى تـعـــالـى
فـفـيم عـلـى الـمـدى تـتـنـابـزونــا
؟
ومن يحسن ويعمل صالحات
فـإن الـلـه يـجـزي الـمـحـسـنـيـنــا
مضى زمن الجمود فودعوه
ووافـاكـم زمـان الـعـامـلـيـنــــا !
زمــان لـيـس يـعـلو فـيـه إلا
عـصـامـي جـرى في السابقينا
وإن لـنـا مـواهـب سـامـيـات
بني الأحقاف- أدهشت القرونا
الا فاستعملوها في الـمـعـالـي
تنالوا في الورى المجد الأثـيـنتا
فـقـد لـعـبـت بـأدوار كـبــــار
جـدودكـم الـكـرام الـسـالـفـونــــا
ولـو ثـقـفت يوما (حضرميا)
لـــجــائـك آيــــة فــي الـنـابـغينا

المجلد التاسع \ شعراء الحداثة \ الجزء الاول

تمهيــــــــــد 1\2
( الشعر العربي الحديث )
.
ظهور الشعرالحر على ايدي رواده الذين يعتبرون مِن أهمّ شعراءِ الحداثة لأنّهُم جمعوا بينَ الثقافة العربيّة الكلاسيكيّة والحداثة وربما المعاصرة ايضا . ووجد النقاد الذين وضعَوا أساسيّات لشعر التفعلية و شعر قصيدة النثر التي ظهرت حديثا ( راجع كتابي – دراسات في الشعرالعربي المعاصر وقصيدة النثر ) وهذا الأمر قَد غير مسار بعض قصائد الشعر من القافية والوزن إلى شعر للتفعيلة او الى شعر النثر فأوجد ت انواعا جديدة منه .
.
وقد تغيّرَ الشعر العربي عمّا كانَ سابقاً ليصبحَ في اغلبه عبارة عن شعر حُر او قصيدة نثر تتجسّد كلماتهُ باستخدامِ مفرداتٍ وكلماتٍ لها مَعنى ومغزى مختلف ، وهذا النوع منَ الشعر قد إنتشر انتشارا كبيراً وسريعا في هذا الوقت خاصة في ظل التقنيات الجديدة من وسائل الاعلام والنشر الرخيصة مثل الصحف والمجلات والتلفزة والانترنيت والفيسبك وما اليها وفتح الباب واسعا ليكتب كل من هدب ودب ويصف نفسه شاعرا الا ان هؤلاء لا يخفون عن الادباء من الشعراء والنقاد ويبقى ناكصا مايكتبونه وسيندثرمايقولونه بمرور الزمن فالبقاء للاصلح والافضل وهذه سنة الحياة .
.
والشاعر العربي ابن وقته يترجم ما يعتمل في نفسه ومجتمعه وما يكتنفه من احداث رضي ام لم يرض – فلا يوجد شاعر عربي حديث الا كتب عن قضية فلسطين مثلا- وعليه فالشعر العربي الحديث يمثل نفسية الشاعرالعربي في نظرته للوطن العربي الحديثة والواقع العربي المعاش منذ زمن النهضة العربية وحتى وقتنا الحاضر .
.
نعم فقد د بت روح النهضة العربية في كل مفاصل الحياة بعد سبات دام قرونا وعلى راسها الشعر في النصف الاول من القرن التاسع او قبيله بقليل –أي في نهايات العصر العثماني – بعد ان خمدت جذوته وانتكست انتكاستها الكبرى خلال الفترة السوداء من تاريخ الامة العربية ابتداءا من دخول المغول (ا لتتار) بغداد وحتى بداية القرن التاسع عشر او بعده بقليل .
.
فقد كانت الدولة العثمانية تجثم على انفاس الامة العربية تفرض هيمنتها على البلاد العربية في نهايات ايام حكمها للاقطار العربية بعد ان كانت تمثل دولة الاسلام في حينها بحكمها القاسي حكما استعماريا ظالما – لا فرق بين استعمار واخر كل يريد تحقيق مصالحه على حساب البلد الذي استعمره ومحاولة جعله تحت سيطرته مدة اطول – فادى الى تـأخر البلاد في مختلف نواحي الحياة وخاصة الثقافية فقد اتّبع الاتراك سياسة التتريك في البلاد العربية ومحاولة القضاء على لغتهم الام – العربية-هي لغة القران الكريم والدين الاسلامي الذي يدين به الاتراك أي فضلوا اللغة التركية على دينهم في سبيل نشر لغتهم وطمس معالم العربية في البلاد التي تحت سيطرت الاتراك وكان نتيجة ذلك ان ساد الامة العربية ثالوث الفقر والجهل والمرض .
.
وقد ادى ذلك الى هجرة جماعات من البلا د العربية خاصة من سوريا ولبنان الى خارج بلادهم خوف القتل والتنكيل بهم من قبل الحاكمين الاتراك او من سايرهم من الحكام العرب وقد اسس هؤلاء العرب المهاجرون جاليات وجماعات وجمعيات في امريكا والبرازيل وغيرها من الدول التي هاجروا اليها وبرز منهم جماعات رائدة في مجال الادب والشعر مثل ايليا ابوماضي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وابناء المعلوف وغيرهم .
.
اما في الشرق العربي فقد دبت الحياة تسري من جديد في الروح العربية وخاصة النهضة الفكرية وتسربت بين الشباب العربي وبعد اتصال البعض منهم بالغرب مثل بريطانيا او فرنسا اوغيرها واخذ شبابنا العربي يتطلع لما في هذه الشعوب ويدرك ضرورة التخلص من الاستعمار التركي والاجنبي الغربي والثورة على العادات والنظم البالية والمتهرئة التي البسها الاستعمار للامة العربية وكذلك كان من اسباب هذه النهضة التمازج العربي مع الغرب عن طريق الارساليات التبشيرية- ولو انها كانت تهدف الى استعمار من نوع جديد – ودخولها الوطن العربي وايجا د المطابع ودخولها البلاد العربية ونشر الحرف العربي والفكر العربي وطبع بعض الكتب القديمة ومنها الدواوين الشعرية لفحول الشعراء العرب وكذلك فتح بعض المدارس باللغة العربية بعد غزوة نابليون واستعمار فرنسا لمصر.
.
ظل الشعر في فترة الانحطاط والتاخر – الفترةالمظلمة – مطبوع بطابع الفردية تقليديا وعناية الشاعر تنطوي على التزويق اللغوي واللفظي دون المعنى وتحوله الى صناعة شعرية بحتة تكثر فيها الصور التقليدية الماخوذة من قبلهم وكثرت التشبيهات الى حد انعدام المعاني الشعرية الجديدة او طمسها .
.
اما في بداية القرن العشرين فـقد تغيرت وطبعت بطابع التحرر والانطلاق والدعوة الى الثورة على كل ما خلفه الاستعمار من اوضاع ومفاسد وطبع الشعر بطابع التجديد فتوسعت افق افكار وخيالا ت بعض الشعراء بعد اطلاع بعضهم على الاداب الغربية والعالمية والتأثر بالشعر العربي القديم الذي بدأ ينتشر من جديد في ظل حركة ادبية بدأت تتحرك وتتحرر لتشمل كل البلاد العربية تقريبا ومن الشعراء من اوجد شعرا جديدا فتحرر من قيود القافية كما هو الحال في الشعر الحر الذي ظهر حديثا في الشعر العربي . ونتيجة اطلاع الشعراء العرب على الفن المسرحي الغربي وجد الشعر التمثيلي .
.
فالشعر الموزون المقفى ويدعى بالشعر التقليدي او التقييدي ايضا لانه تقليد للشعر القديم وامتداد له وتقييد في الوزن والقافية فالشعر التقليدي هو هذا الشعرالموروث الذي نظم على موسيقى بحر معين من البحورالشعرية الستة عشر ولزم روي واحد وقافية واحدة فالقصيدة وحدة متماسكة من حيث البناء كانها بيت واحد واغلب الشعر العريي الحديث من هذا النوع .
.
لقد حافظ الشعراء على اصالة عمود الشعر العربي وموسيقاه واوزانه وسيبقى كذلك عمود الشعر مهما اختلفت الاغراض والفنون الشعرية واساليب الشعراء وهو الذي له القدح المعلى والجو الانسب على امتداد الوطن العربي لان الاذن العربية جبلت عليه واستساغت سماعه وموسيقاه واستسمجت كل انواع الشعر الا اياه
ومن هذاالنوع من الشعرهذه الابيات للشاعر انور العطار :-
انا الفاتح السمح منذ القدم
ولولاي كان الوجود العدم
نشرت على الكائنات الضياء
وانقذتها عن عوادي النغم
وتراءى لي الوطن المستثا ر
وقد عانق السيف فيه القلم
وما الخلد الا اعتناق السيو
ف وخوض الحتوف وصب الحمم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى