دراسات و مقالات

من مقامات الخطيئة ٠٠ الشاعر الطبيب المصري فتوح قهوة – ١٩٦٤ م ٠

السعيد عبد العاطي مبارك

لمن زفرة
كالمتاب
يصلي
صلاة هوى
عبقري الطقوس ٠
٠٠٠٠٠
” من مقامات الخطيئة “
يا ابنـة الأشــواق
– والحـب أنـا –
أزلىّ الحلـم ، موصـول الطمـوحْ
أنت فى الأحــلام نـورٌ شاردٌ
وأنـا شعـــرٌ ،
وألحـــانٌ ،
وروحْ
ولىَ الآكـــــام دارٌ
والـمـــدى
ولىَ الآبـــاد عـمـــرٌ ،
والجمـوح ْ
زادىَ النـور بقـلبى
والـسـماء طـريـقى ،
وجـوادى
ثـمّ ريـحْ
” ترنيمة الوتر الجريح “
٠٠٠٠٠
هذا الشاعر الطبيب فتوح قهوة تربطني به علاقة حميمة منذ أن قمت بجمع كتابي الموسوعي تحت عنوان ( أطباء شعراء ) ووجدت في شعره فلسفة أبي العلاء المعري ، احتراقات إبراهيم ناجي ، وتهويمات محمود حسن إسماعيل ، و شاعرية شاعر الجندول و غزالية ذي الرومة ، وصوفية مولانا جلال الدين الرومي ، ومقامات القشيري في رسالته ، إلا إنه يمتلك معجم لغوي و خيال خصب ومشاعر متدفقة ذات فلسفة جمالية إشراقية رومانسبة وواقعية تغازل القضايا العالقة في النفس الإنسانية المتطلعة إلى موكب النور هكذا عرفناه منذ الوهلة الأولى ٠٠
وقد صدر له أخيرا ديوان هذه الأيام في حصاد نهاية ٢٠٢١ م ليكون في معرض القاهرة الدولي للكتاب تحت عنوان ( من مقامات الخطيئة ) عن دار شعلة للطباعة و النشر و التوزيع ٠
وهو يحمل الشعر الملحمي العمودي على وزن بحر واحد وهذا ينم عن ثقة وموهبة وإبحار في أبجدية الضاد الشاعرة ٠٠
و شاعرنا يعود بنا إلى الشعر الملحمي و التمثيلي بجانب الغنائي و الأغراض الأخرى المتعارف عليها ٠
بل ويذكرنا بالإلياذة والاديسة والشاهنامة و مسرحيات أمير الشعر أحمد شوقي و ملاحم أحمد محرم ٠
و من ثم عناوينه تحمل دلالات فلسفية إيحاءات إبداعية جمالية ترتقي لحجم ثقافته الممكنة و المتنوعة بلا حدود عصف إنساني يتلاقى مع الذات و التجربة الضاربة في عمق التراث العربي الأصيل وله شخصيته التي تنم عن خلطة ثقافية متنوعة معجونة متخصصه العلمي تتلاقى مع التراث الفني المتجذر في تذوق لجوهر عملية الإبداع بخصائص مقوماتها هكذا ٠
أليس هو القائل :
لا تستبــحْ
خجــلَ المــــدى …
إنْ عـانــق الحلــــمُ السنــــا ..
وجـــهَ الغيــــابِ السّـــرمــديِّ ..
كأنــه
في اللانهــــايـاتِ .. البعيـــــدهْ
إنْ تــلا …
سِفـْـــــرَ المتـــاهةِ …
يستعـيــــدهْ ٠
* نشأته:
=====
ولد الشاعر الطبيب المصري فتوح مصطفى فى التاسع من يوليو سنة 1964 في مدينة المنزلة – محافظة الدقهلية – جمهورية مصـر العربية
– تخرج فى كلية طب المنصورة سنة 1988
– حاصل على دبلوم الدراسات العليا فى الأمراض الجلدية والتناسلية فى طب بنها سنة 1994م
عمل رئيس قسم الأمراض الجلدية و التناسلية و الذكورة ٠
– نشرت قصائده منذ 1993 فى مجلة الوطن وجريدة القبس الكويتيتين
و سكوب العربى والمغتربون بألمانيا والنمسا والوفد – اللواء العربى – القلم – مجلة الهلال – جريدة أخبار الأدب – الأهـرام التعاوني – جريدة المساء – مجلة الشباب – مجلة الديوان الجديد ٠
– كما كُتب عن شعره مقالات ودراسات تحليلية و رسائل علمية ٠
تحدث عن شعره بالبرامج الإذاعية كبار الشعراء أمثال / فاروق شوشة و الشاعر الكبير أحمد سويلم الذى قام بعمل دراسة لديوانه الأول ” ترنيمة الوتر الجريح ” سنة 1995
– والشاعر الكبير عبد المنعم عواد يوسف الذى قام بعمل دراسة لديوانه الثانى ” ندى الغفران ” الهيئة العامة للكتاب ٠
كما اشترك في مسابقة ” أمير الشعراء ” بـ ” أبو ظبي ” 2008 النسخة الثانية ٠
* طبع له :
======
– ديوان ” ترنيمة الوتر الجريح ” 1996
– ديوان ندى الغفران ٠
– ديوان ” هذه لغتي ” 2012
– ديوان ” لغة أخـرى ” 2017
– وخطيئتها ، العودة … ومضات 2019
– أحلام روبابيكيا … مسرحية 2020
– ديوان من مقامات الخطيئة ٢٠٢١ م عن دار شعلة للنشر و التوزيع
– مسرحية القوس ٠٠كعب بن مالك ٠
* مختارات من شعره :
==============
يقول شاعرنا الدكتور فتوح قهوة في قصيدة تفوح بعطر الأنوار المحمدية بعنوان “ظلّ البردة ” يستلهم الانطلاقة من البوصيري إلى شوقي حيث يقول فيها :
كُلُّ القصائــدِ في وَصْفِ الهُـدَى عَجَــزَتْ
هَـلْ يَبلغُ المُنتَهَى في العِشْـقِ من كَلِـم ِ!؟
مُحمّـــــدٌ آيـــــة ُالأكْـــــوَانِ مِـنْ بـَشَـــــــر ٍ
و رحمـــــة ٌنـَزَلــتْ للخَلَـــــقِ ِفي تَـمَـــــــم ِ
يُـسَبّــــحُ الكَــوْنُ طـُـــرّاً منـــذ مَـوْلـــــــدِه ِ
و النّــوُرُ يَسجُـــدُ بَيْنَ البيْــتِ والحَـــــــرَم ِ
أثـْنـَى عليــهِ الـذي سَـــوّاهُ مِـنْ خُلُــــــــق ٍ
هَـلْ بَعْـدَ وَصْـف ِالذي سَــوّاهُ من عِظـَــــم ِ
عِشقِــي أبُــوحُ بـهِ ، إنْ شِئْــتُ أمْـدَحــــهُ
فـما الكــــلامُ يَـفِـــي ما فِيــِـــهِ مِنْ شِيَــــم ِ
قــدْ أنْصَفَتْــــــهُ التِـي قـالـت : مَحَـامِــــدُهُ
فـي وَصْفِهـــــا هُــوَ قــــرآنٌ على قـَـــــدَم ِ
إذا ذكـرتُــــكَ ، تَـنْــــدَى كُــلُّ جَـارِحـــــــةٍ
مِسْكَـــــاً يَضُـــوُعُ قصيـــداً خاشعـــاً بفمي
تَهتـَــزُّ رُوُحِـيَ منْ وَجْـــــدٍ ومنْ طـَــــرَبٍ
نَشـوَانـَـة ًمنْ حُمَيّـــــا سَــــوْرَةٍ بـدَمِـــــي
ياربّ صَــلِّ بمَــا للخَلْــــق ِمِنْ نَـفَـــــــــس ٍ
علـى نَبيِّـــــكَ خَيْـــــرِ الخَلْــــق ِكُلِّـهـــــــمِ ٠
***
و مع موكب النور يتبتل في حضرة النبوة يستقى من الشخصية المحمدية سيرته الندية فصول تبعث السكينة و الطمأنينة ٠
***
و في ( أسفار الغواية ) يسترجع بنا الدكتور فتوح قهوة مواقف بشار بن برد ، و فلسفة أبي العلاء المعري حيث يطوف بنا نحو البدء و رحلة الشر و أصداء الحياة مع أصل الإنسان و رمزية النار في عنصر التكوين في تأملات سرمدية و التمرد و العصيان و الخروج عن المسار :
………….
نار مظلمة :
كَـسَـائِـمَــةٍ بَيْـن مــاءٍ وَ فـَـــئٍ
عَـصِــيّ الفــراغِ بـغـيْـرِ مَــدَى
وكــلُّ الثــوَانِــي رمـاديـّـــــــة ٌ
فصَــارَ الـزمَـانُ بهـا سَـرْمَــدَا
ومُسْتفـرداً بالسّكُـونِ الخجـُولِ
ومُسْتـكفيـَـاً بالـُّرؤَى مَشهـــدَا
فكيـف ، وأنتَ ميـاهٌ وطيــنٌ ،
تـَخِــرّ الجبَـاهُ
لـهُ سُجّـــــدَا !؟
حمأ مسنون :
وبيْـن الخــلاص وبيْـن السّـقــــــــوط ِ
تـَمَـــزّقَ – بعْــدَ اليـقـيـنِ – عُهـودُك ْ
تـَعَـــرّى ، فـصِـرْنـا حيَــاة ًومَـوْتـــــاً
وَصَـارع َ– كِـبْـراً – هلاكِي وُجُـودُك ْ
فكيف – وأنتَ الـذي قـد عَـلمْــــتَ –
وفي معصميك – تماري – قيودك ْ!؟
فجَــرّدْ زفيـــرَ ” الأنـَـا ” من غَــلاةٍ
ألِـي !؟ أمْ لأمـرِ السّماءِ سُجُودُك ْ!؟
***
ثم ينتقل بنا بعد الإقرار بالذنب و تصحيح العودة في اعتراف و مناجاة مثل المصري القديم بعد تابوت الموتى وظلمة النفس والحالة الضبابية يرجع إلى معدنه النفيس في ترنيمات تكشف الصيرورة في حلقات المعاناة من قصة الخلق و التكليف في روح ثائرة تتبتل في نهاية المطاف في صور ومشاهد افتراضية تحليلية مركبة في هذا الوادي السحيق بين ضفاف الصراع المستمر في مقاطع ولوحات موجزة بمثابة لقطات لها ظلال تترجم صدق الأحاسيس و المشاعر المؤثرة في التكوين ، لينهض في يقين شاعرنا فتوح قهوة فيقول :
منـاجـــاة
………..
الشاعر : ” وحيداً فى الليل “
أرَبّ الحَـكَـايَـــــا إلامَ الصُمُـــــوتُ
ومِـــلءُ دمَـائِـــى حـكــايــا تَـئِـــنْ
لقـدْ طـالَ مُكْـثِـي بقلـبِ السّكــونِ
وفي صَمْتِ رُوحِـي لحُــونٌ تَـرِنْ
رَنيــنَ العَـوَاصِـفِ مُسْتـلهمَـــاتٍ
صُـراخَ الجُـروحٍ ، فـلا تِـسْتَـكِـنْ
وعُـمْـرِي نشيـدٌ شجـىُّ المَعَـانـي
إلـى جَــذوةِ الـذكـريـــات يَحِـــنْ
فيَضْـربُ وَجْـهَ الأنـَـــاةِ انتـظـــارٌ
ويَجْـلِــدُ ظهْــــرَ الزمـانِ الغِـيـابْ
على بُعْــدِ لـيْــلـَى صـريـعَ انهـزَامٍ
وفي البحـث عنها أسَـىً واغتـرابْ
و أوُلِــجٌ عُـمْــرِي بـِسَـــمِّ الخِيـاطِ
ولا راحَــة ٌلـِي بغـيــرِ اقـتــــــرابْ
أنَـادِي الـرّسُـومَ ، وقلبـي رَهِـيـنٌ
ووَقـْـفٌ على ذنبِـهــا ، والمَتَـــاب
فجئـتـُك أشكُـو ضيَـاعَ الأغـانــي
وجئـتُـك أرْشـُـفُ رَجْـعَ الأنـيـــنْ
لـتـبـعَــثَ فـيّ نِـداءَ اشـتـيـــــاقٍ
وتـنقـــلَ عَنّـي ضَجيـجَ الحَنيـِـنْ
ويحمـلُ قلبي نسيـــمُ الخيَـــــال
ليَسْـرِيَ بـي فـوقَ مَتـْنِ السّنينْ
فـإنّ ضلـوعِـــيَ مــاءٌ وطِـيـــنٌ
وقـلبـي ضيــاءٌ سَنِــيّ الفنــونْ
الليل ” فى خشوع “:
لمِـنْ زفــرة ٌكالـمتَـابِ يُصَلـّــــي
صـلاةَ هَــوَىً عبقـرىّ الطقـوسْ
طَهُــورِ النّـداءِ حَـيــيّ الصّــــدى
علـى جَـنَبَــات الذنــوبِ حَبيـــسْ
كخَـاطِـرِ مُسْتغـفِـــرٍ في الـليـالـي
كَـوَمْضَـةِ صَفـْحٍ بعُمـقِ النّفـوسْ
فـيُـوقِـظ قـلــبَ الظــــلامِ بـنــــورٍ
زَكِـىِّ الحَـوَاشِـيَ سَامِي الرؤوسْ ٠
***
هذه كانت قراءة سريعة في عالم شاعرنا الطبيب فتوح قهوة الزاخر بالشعر الملحمي الذي يغوص فيه بين دهاليز الصمت عبر رحلة التاريخ و الأحداث بعبق صوفي و غالي متفرد بشخصيته و لغته المرهفة الرصينة دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى