دراسات و مقالات

من أجلك يكتب القلم … !! الشاعرة العراقية هدي الجاسم

السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

أنتَ القصيدةُ أنتَ وهجُ غرامي = ومَحبّتي وصبابتي وهيامي

أنتَ انتشاءُ الشعرِ بين جوانحي = وعلى مدى دهري وفي أيّامي

غازلتُ روحَكَ يا ملاكي مثلما = طيرٌ يَبوحُ بِرقّةِ الأحلامِ

فنثرتُ بين يديكَ أجملَ باقةٍ = ورديّةُ الألوانِ مثل خزامي

كنّا على شطّ الفرات يَمامةً = تَلْهُو وتَغْفُو في رُبُوعِ يمامِ

وتؤجُّ قلبي بالغرام وأضْلُعي = تَهوى الجمالَ ورقّة الأنسامِ

العشقُ يَحْمِلني إليك ومُهجتي = نورٌ يُضِيءُ ستائرَ الإظلامِ

” من ميميتها بعنوان – أنت القصيدة ”
—————
عندما نتأمل بيئة بلاد الرافدين و حضارات العراق القديم بابل و آشور و سومر ، و بغداد حاضرة الدولة العباسية عروس المشرق ، و مدي و اختلاط العرب بالأمم أخري ، و انصهارهم في هوية تنم عن عمق ثقافي حضاري يعس بيئة البداوة و الصحراء و دجلة و الفرات ، في تعايش مدني جديد حيث ظلال الفنون الجميلة التي انتقلت بفضل العراق العظيم من المشرق الي المغرب العربي الكبير و الاندلس بل الي العالم بأسرة .
نلاحظ دور المرأة العربية في صنع الحياة ، و في كل ميدان جديد تتصدر فتحته بجدارة اجتماعيا و ادبيا و سياسيا كما برز هذا في ديوان العرب الخالد .
و لا سيما المرأة الشاعرة و مقومات الانسانية بكل معاييرها الجديدة ، و من ثم نتوقف هنا مع شاعرة معرقة جذور أسرتها صناعة الأدب بكل فنونة القديمة و الحديثة ، و تتمسك بالعروض الخليلي و اللغة السليمة و البلاغة الطليقة و الاخيلة السابحة و الموسيقي الجميلة التي تصنع من كل العناصر بنية ووحدة القصيدة هكذا … !!.
من جذور سوق الشعر بالبصرة حيث ( المربد ) و شموخ نخيل شط العرب ، صوت الناصرية الشجي ، كان مولد الشاعرة العراقية الكبيرة ” هدي جاسم ” .
فهي شاعرة مرهفة الوجدان تؤمن برسالة الجمال رومانسية تنشد الخير للانسان للوطن في باقات حب فتقول في همساتها :
سعادةُ روحِك في الشعرِ حبُّ
وأنتِ على عرش شعريَ ربُّ
أحبّك حتى الهيام وروحي
تحلّق في الناصريّة تصبو
فلا بأسَ إنْ كنتِ أكبرَ حبّاً
فعشقي جريحٌ وهمسُكِ عذبُ

نشـــــــأتها :
—–
ولدت الأديبة و الشاعرة العراقية هدي جاسم – سفيرة النوايا الحسنة – في ذي قار سوق الشيوخ ،
خريجة ادارة و اقتصاد فرع احصاء ، و تقيم ببغداد قبل الأحداث .
و بعد أحداث العراق تقيم الان في عمان الاردنية .
و تعمل سفيرة الإتحاد الاوروبي من التنسيقيه الأوروبية (سيزام) عن العراق و المملكه الاردنية ، كما أنها ناشطة في حقوق الانسان .

و من اصداراتها :
—————-
( المرأة والذات – المرأة بوجوه مختلفه – الاهوار فردوس السومريين – بعض من شذاها – من اجلك يكتب القلم –
الطلاق والطلاق العاطفي – الأغتصاب والتحرش الجنسي – تقاسيم شاعره – تلاقح الحضارات )

تحت الطبع :

زنا المحارم
والنساء في زمن العولمه

و عندما نطالع كتابتها الادبية و الابداعية نتوقف مع تلك القضايا المعاصرة و التي تخص المرأة العربية بالدرجة الأولي ، و تركز علي تكوين المرأة العراقية في الثلاثة عقود الأخير التي عصفت بكل المعاني داخل بلاد الرافدين ، و توازن بين الحضارات القديمة و الحديثة و تتغني بجمال الوطن و المرأة التي هي صوت تلك الأرض المحترقة و المخضبة برائحة الدم .
شاعريتها :
——
فشاعرتنا هدي الجاسم تجربتها الذاتية ذات خيال خصيب واسع التحليق ، و من ثم تملك مداعبة الصور الفنية ، بمفردات عربية أصيلة ، وتوجهات وطنية مفعمة بالحب و الشموخ و الكبرياء ، تعزف ملحمتها في تلقائية ، و لم لا فهي وجه القصيد الذي يحاكي البعد الزماني و المكاني ، في وعي جمالي حضاري و بعد انساني زاخر بالقيم .
و تظهر وحدة القصيدة في تماسك فني رائع و مفردات تفوح من بينها فكرة تحتوي تجربتها الذاتية في عبقرية تكشف لنا أغراضها حسب المقاييس الجمالية لبناء النص في حصاد تاريخي متأصل بالوجدان ، تساوره الشكوك و الظنون في تأملات ” الأنا “حيث الغصة التي تنتابها ليل نهار مع واقع الأحداث المريرة فتجعل من الحب و المرأة وطن بلاحدود تعبر الفواصل الي عالمها الذي في خيالها أغنية الحقيقة الغائبة كالمطر الذي يكتب معني الاخضرار علي وقع مداركه فتمكث هائمة في نهر الابداع بلا توقف في عذوبة .
تقول في مقطوعة بديعة بعنوان ( راق الحبيب ) تصور فيها مدي الحب و الحنان و العشق و الأمان المفقود بين خريطة العالم فلا تجد الا ان تتخذ من رمز ” الحب و الحبيب ” الأمن و الاستقرار و السلام المفقود عنوانا للوطن :
الحبُّ يهمسُ في وريدي كلّما
راقَ الحبيبُ بطبعهِ وأتاني
يشكو احتراق القلب في نبضاتهِ
ويهيمُ بينَ أزاهر الريحانِ
يا سيّدي هذا كتابي في يدي
وعلى اليمينِ شقائق النعمانِ
أشعل دمي وامطرْ فؤادي بالهوى
وأكتبْ ملامحَ عهديَ الفتّانِ
الشعرُ في عينيك يبسمُ حالماً
ويرقُّ مثل الفلّ والبلسانِ
وتواصلي فيك انتشاءٌ صارخٌ
أغفو وعطري ناشر التحنانِ

مختارات من شــــــــــــعرها :
————
تقول الشاعرة العراقية هدي جاسم في قصيدة بعنوان ( يا دجلة الخير ) تذكرنا برائعة ” مهدي الجواهري ” فهي امتداد للقصيدة العمودية ، و من ثم تتخذ من بساتينها الي شراينها بعد رحلة ظمأ … انطلاقة و اشراقة و أغنية فخر و عز و شموخ و كبرياء و تحسر ، لتاريخ العراق المجيد بين الماضي و الحاضر ، تنتظر عودة الفارس العربي كي يكتمل العرس ، في تدفق لغوي و شعور مرهف راق بعيدا عن فلسفة الغموض ، يكشف لنا عن صدق وجداني تلقائي تجسده في قوالب جيدة فتقول :
دجلةَ الخيرِ ظامئةٌ بساتيني
وماؤكَ العذبُ لا ما عادَ يرويني
هي السياسةُ أضنَتْ موجَ
قافيتي
فتهتُ حتى بكتْ روحي
عناويني
أينُ العراقُ ؟ أما صوتٌ يطارحُنا
والصمتُ يُزري بمَنْ حلّوا
دواويني
هبّوا فدجلةُ يبكي والجفافُ
بدا
يُردي التخيلَ فيبكي ثمّ يُبكيني
فأينَ من نصّبوا الأزلام في
وطني
وأين أينَ بني الأوطان تُشفيني ؟
وأينَ حكّامُنا عمّا جرى علَناً
من الجفافِ على أيدي
السلاطينِ ؟
تستمرئون صدورَ الشعبِ
والهفي
على العراق ال روى دمّ
الشرايينِ
و تقول في قصيدة أخري بعنوان ( أيا جنوني !! ) تترجم فيها لواعج غصتها من زوايا الحب المفقود فتهرب من خوفها و صمتها الجنوني في تصريح يكشف لنا تباريح مشاعرها في دهشة و حنين ، تختصر مسافات العشق وطنا ينطق بالألم و الأمل دوما :

قلتُ ؛ جننتُ أنا ….
قال :
ذوقي فلن أزيدكِ ..
الا جنونا ….
هذا المصاب أصابني …..
في عشقكِ…
هو من يزدريني …..
أوا تذكرين ؟
حين أندهشتي حينها …
ها ..قد أصابكِ …..
من جنوني..حالة !!!
تلك البداية لانهاية …..
أيا جنوني ….
أيا أنتِ ….
أياقصة …
صفحاتها ….الفا…
جنّ جنونها….
وما ظننت…….
أن الف جنون…..
في هواك كثيرا…….لايُكّفيني …….
كانت قراءات سريعة في عالم المبدعة العراقية ( هدي جاسم ) التي تمتلك موهبة وطاقة لغوية و شعرية ساعدت في رسم منهج مطرز بالقيم الجمالية ورؤيتها المتباينة للبيئة المحيطة ، بل و من هذا المنطلق آمنت برسالتها الخالدة و الانسانية نحو ( المرأة العربية ) ومدي دورها في ريادة المنظمات لتذليل العقبات ووضع أطر من أجل حلول واقعية للقضايا التي تنال من وجودها في تلقائية و صدق في شتي المحافل الدولية .
و من خلال رسالة الشعر تطوف بنا نحو غد أفضل يبعث النور في مداخل الطريق كي تنهض في تمرد وثورة علي كل ما ينقص و ينال منها فكانت مرآة للروح و الجسد معا دائما .
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله .

Image may contain: 1 person

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى