قصة

مقامة المرآة

كمال الشطي

حدثنا أحدهم، وكان أصدقهم، قال :

أصيب أحد الصيادين ، بمس المجانين، فتملكته مشاعر الأنانية، وعقد النرجسية. فكان لا يفرق عند إطلاق النار، بين النملة والصرصار، ويصطاد باستعمال الأضواء المبهرة، في الليلة الظلماء، والليلة المقمرة .

قال أبو الفتح:

رأيت هذا الصياد في يوم من الأيام، وهو يكرع من صفيحة خمر علقها في الحزام

….البطن مكشوف ، والشعر منفوش، والصدر تعلوه أشواك ووشم ونقوش، والوجه جروح وخدوش .أما اللسان فهو مصب فضلات منبوش …إذا سكت تخاله من جنس الوحوش، وإذا نطق تحدث بلغة الدنانير والقروش .

يصوب نحو الطريدة فتترنح البندقية بين يديه بفعل رأس مخمور، وبصر محصور، وقلب موتور ….ينطق باللفظ المشين ،والمعنى القمين ، ويستقبل كل طريدة جريحة، بعبارة قبيحة ، ويضعها في سلة مهملة غير عابئ بكونها جيفة أو ذبيحة .

قد تحلق حوله جماعة من أمثاله، يثنون على أقواله، ويشيدون برمايته وأفعاله .. بعضهم اكتفى بارتداء تبان مبتور، لا تطهره أنهار ولا بحور، والآخرون وضعوا على الرؤوس المخربشة قبعات ، وعلى الأعين العمياء نظارات، وانبروا يطلقون النار في كل الاتجاهات ، فأمسوا كالخنازير تتلف الضيعات .

قال أبو الفتح:

– نظرت إلى هؤلاء الأشرار، بازدراء واحتقار أتأمل طلعاتهم الدميمة، ونظراتهم الزنيمة، منصتا إلى عباراتهم اللئيمة، ونوادرهم العقيمة، متمنيا تلجيمهم بشكيمة

وتفطن أحدهم إلى نظراتي الكليمة، فطفق يتلفظ بكل قبيح وشتيمة، وينعتني بأوصاف الحشرات والبهيمة. فجذبت من جيبي مرآة، أرنو بها إلى النجاة، قائلا لصاحب اللفظ القبيح : هذه المرآة ستبين أي منا الصحيح ، فهي تجهل التزلف، والمديح، وتحبذ الصراحة وتنبذ التلميح.

ووضعت المرآة بين الإبهام والسبابة، وأدرتها نحو طلعته طالبا منها الإجابة….تأمل مخاطبي صورته في المرآة، فتملكته نوبات وهزات، وانبرى يلعن كل المخلوقات، ويتطاول على باعث الروح والحياة ،…غارقا في هراء وهذيان، متهما صناع المرايا بالتزييف والبهتان، والخرف والنسيان، وزيغ اللسان ، وافتقاد الوضوح والبيان.

– قلت له بكل لطف وأدب :

– لماذا كل هذا الكلب.

… إن المرآة قدت من عنصر الصفاء، فهي تنقل الصورة كما هي بكل إخلاص ووفاء.

فامتقع وجه العربيد ، من جديد، وانبرى يبتلع الجرعة تلو الجرعة ويعيد، وضرب بجمعه المرآة، فحولها إلى فتات.

قال الراوي :

تمسكت بضبط النفس ، خوفا على الذات والنفس، وقلت مجاملا الصياد المتهور المغرور .

– فعلا يا صاحبي إن هذه المرآة المنكسرة، يعوزها شئ من التجميل يستر هذه الخدوش وهذه البثور .

…فخذ هذه المرآة الثانية، إنها أنيقة متزينة، تستر كل العيوب وتخفي آثار الصيد العشوائي وما يسببه من آلام وكروب، ووخز في القلوب.

قال أبو الفتح :

– أمسك صاحبنا بالمرآة المزينة، متأملا طلعته المعنونة، في صفحتها الملونة…ثم التفت نحو اليمين والشمال ولسان حاله يقول:

ليس بعد هذا الدليل مقال ، فلعل الحل السريع، يكمن في استبدال رأسي المشوه المريع، بآخر لطيف بديع، والتخلي عن اتهام المرآة، وقذفها بأقبح النعوت والصفات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى