دراسات و مقالات

مع أسواق الشـــــــــعر

السعيد عبد العاطي مبارك

تغيبت عن يومي عكاظ كليهما وإن ينك يوم ثالث أتغيب
وإن يك يوم رابع لم أكن وإن يك يوم خامس أتجنب
” دريد بن الصمة ”
—————
باديء ذي بدء الحديث عن الشعر و الشعراء و أسواق الشعر ذو شـــــــجون !!.
و لم لا فالشعر العربي منذ أولياته نشأ في جزيرة العرب نشــــــــأته غنائية ، و كل علمهم الأول و سجل أيامهم و أخبارهم و الشاعر العالم يروي قصص بطولتهم و مفاخرهم بين الأمم و كان لسانهم الذي يترجم حياتهم و يروي أمجادهم و لا سيما عند الحرب و السلم معا .
و يتباري الشعراء في الأسواق و في عرض حالتهم العقائدية و السياسية و التشاور الفكري و التراثي الذي يجمع شتات القبائل مع مواسم الكلمة التي تضيء الدرب من أجل حياة أفضل .
لقد عرف العرب في الجزيرة العربية ، و العراق أسواق كثيرة ، في العصر الجاهلي و في ظل الاسلام ، و لكننا نخص هنا أسواق الشعر و الشعراء !.
و قد ميزت هذه الأسواق حقبة تاريخية أصيلة في تاريخ أدبنا العربي و لا سيما الشعر .
و لم لا فالشـــــــعر صناعة العرب و علمهم الأول ، الذي يسجل حياتهم و بطولاتهم و يعد مفاخرهم .
و من ثم نشأ الشعر نشأة غنائية ، و لذا لقبوا الأعشي بـ ( صناجة الشعر ) لجمال صوته عندما يلقي شعره في سوق الشعر فيتفاعل معه المتذوقين .
و من ثم نتوقف مع هذه الأسواق نتفيء ظلالها من خلال لمحات تضيء لنا فجر ديوان العرب ( الشـــــــعر ) الخالد .
و من أشهر هذه الأسواق : ” سوق عكاظ – وسوق ذي المجاز ، – وسوق مَجنَّة – و سوق المِرْبَد ” .
و شعراء النقائض فرسان الشعر الثلاثة : ” جرير و الفرزدق و الأخطل ”
و لا ننس المهرجانالشعرى الإماراتى «شاعر المليون» –
و بردة الشعر .

مكانة الأسواق :
—————
و لقد فطنت قريش الي منزلة هذه الأسواق فسنة لها تقديسا ، حتى إن قريشاً كانت تقول:
(لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج).
و في عصرنا المعاصر الحديث ظهرت الصالونات و المنتديات وقصور الثقافة أضف الي المقاهي الثقافية في شتي العواصم العربية .
وقفة مع المقاهي الثقافية :
في العصر الحديث عرف المصريون و العرب مقاهي للأدب و الثقافة ، فكانوا يؤمنها ليجلسوا و يكتبوا و يسمعوا ، و من ثم يتناولون فيها القضايا الثقافة ، و علي سبيل المثال مقاهي قاهرة المعز :
كازينو الأوبرا، قهوة ريش، ثم علي بابا، كازينو قصر النيل، و الفشاوي و البورصة و الحرافيش و مقهي الزهراء و البستان و الحرية و التكعيبة و السنترال و مقهي ليالي الحلمية و دار الكتب .
المقاهي البغدادية :
و مع افتتاح أهم شارع في العاصمة بغداد، شارع الرشيد، تحولت المقاهي المنتشرة على جانبيه إلى منتديات ثقافية شكلت مناخًا أدبيًا وثقافيًا وفنيًا جذبت الأدباء والكتاب والمسرحيين والتشكيليين من كل أنحاء البلاد، ومرت المقاهي بفترات من الانحسار والنهوض بحسب تعاقب الأحوال فيها واضطرابها أو استقرارها، لكنها اليوم، تشهد عودة محسوبة وهادئة لمقاهٍ جديدة، كسبت معها الشباب خصوصًا بعد أن أفل نجم الكثير من المقاهي القديمة لأسباب عدة وتهديم بعضها الآخر وتحوله لمخازن تجارية.

ومن أهم المقاهي البغدادية القديمة التي حفرت لها مكانًا في الذاكرة، هي :
مقاهي البلدية، وعارف آغا، والزهاوي، وحسن عجمي، والبرلمان في الحيدرخانة ، والشابندر، والبرازيلية في شارع الرشيد و مقهى الزهاوي .
و في نهاية الستينات، ظهر مقهى سمي بمقهى «المعقدين» في بداية شارع السعدون (وسط بغداد) ليس بعيدًا عن شارع الرشيد، كان يضم مجموعة من الأدباء المتمردين على السائد في المشهد الثقافي، المتطلعين إلى الاتجاهات الحديثة في الأدب العالمي، كالمسرح الفقير، والمسرح الأسود، والتغريب، فضلاً عما شهدته مناقشاتهم في العبث، والوجود، والعدم، والالتزام، جعلت منهم جيلاً خارجًا على الذائقة التقليدية لعموم الأدباء .
و في بيروت مفهي ” عرمرم ” في شارع المكحول (الحمرا) الذي يقيم أمسيات شعرية كل ثلاثاء. ينظم هذه الأمسيات حركة ثقافية شبابية تدعى ” شهرياد “، و أن كلمة شهرياد جاءت نتيجة مزج بين شهريار وشهرزاد، وهذا الاسم يعبر عن الأمسيات الشعرية، كونها تستضيف كل ثلاثاء شاعرا وشاعرة.
و مقهى “زوايا” مقابل مقهى الكوستا (شارع الحمرا الرئيسي) – لكنه يختلف عن ذلك الأخير في التنظيم وفي الجمهور وفي الضيوف.
و مقهى “شبابيك” قرب دار “الندوة ” .
و مقهي الرمانة في الجزائر ، و مقهي القشاشين في تونس الخضراء .
و في دمشق : مقهي السروي و الشاغور و النوفرة .
و مقهي يافا .
مع أسواق الشعر :
———————
و مع العرض لهذه الظاهرة الثقافية ودوحة الشعر نعود الي أهم الأسواق في الجاهلية و الاسلام لنتعرف علي الخطوط العريضة و أهم الملامح كي نعيش عبقرية الزمان و المكان مع الانسان عنوان الشعر و الفنون الجميلة التي ينسج فكره المستنير مع حرية الكلمة التي تغير شكل الحياة دون تمييز من أجل حياة متوازنة شكلا و مضمونا .
الحاجة الي اقامة أسواق الشعر :
———————————–
لقد كان من الصعب أن تظهر ملامح حضارة مادية ، تعبر عن نمط حياتهم سوي الشعر و لذا أقيمت ” أسواق الشعر ” ليتباري فيها الشعراء ، و ليعبر كل واحد منهم عن رأيه ، أو معتقده أو معتقد قبيلته الحياة ، حيث يقوم الشعر أساسا علي المشافهة و التوصيل الصوتي ، و المشافهة عنصر أو سمة الثقافة العربية كلية .
و يري الدكتور ابراهيم عوض ” بتصرف ” :
و ترجع أهمية أسواق العرب القديمة لتجميع ثقافات و تجارات تساعد علي مد جسور العلاقات الانسانية من خلال روافد الثقافة وليدة البيئة و الاحتكاك .
وهي عبارة عن تجمعات أو منتديات أدبية كانت تُقام في الجاهلية وفي الإسلام في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية وبشكلٍ دوري، وقد كان العرب يجتمعون فيها ويأتونها من مختلف أرجاء العالم ليسمعوا المواعظ والخطب، ويتبادلوا التجارة والمنافع، كما كانوا يسعون لفك أسراهم المأسورين عند القبائل الأخرى فيها، وكانوا ينشدون الشعر في تجمعاتهم. وقد ساهمت هذه الأسواق في تحسين حياة الأفراد على مختلف المستويات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكانت التجارة تُساق إليها من مختلف الأنحاء، وتُقسم الأسواق القديمة إلى قسمين: أسواق ثابتة، وأسواق موسمية، أما الأسواق الثابتة فيتم عقدها في المدن، والقرى، وأماكن انتشار المساكن، في حين أن الأسواق الموسمية تُعقد في أوقات ومواسم معينة، وفي أماكن متناثرة من الجزيرة العربية.
و قد أفاض الاستاذ أحمد أمين في مقال بمجلة الرسالة ” بتصرف ” :
… وعمر بن كلثوم يقوم خطيبا بسوق عكاظ وينشد قصيدته المشهورة:
ألا هي بصحنك فاصبحينا
والأعشى يوافي سوق عكاظ كل سنة، ويأتي مرة فإذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها فينشدهم الأعشى في مدح المحلق
والنابغة الذبياني تضرب له قبة أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء فيدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى والخنساء فينشدونه جميعا ويفاضل بينهم وينقد فيما زعموا قول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى
فيقول لحسان قلْلَت العدد ولو قلت الجفان لكان أكثر.
وقالت يلمعن بالضحى ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً.
ودريد بن الصمة يمدح عبد الله بن جدعان بعد أن هجاه فيقول:
إليك أبن جدعان أعملتها … محففة للسرى والنصب. . الخ
وقس بن ساعدة يخطب الناس خطبته المشهورة فيذكرهم بالله والموت ورسول الله يسمع له.
والخنساء تسوم هودجها براية وتشهد الموسم بعكاظ وتعاظم العرب بمصيبتها في أبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وتنشد في ذلك القصائد، فلما وقعت وقعة بدر وقتل فيها عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة أقبلت هند بنت عتبة إلى عكاظ، وفعلت كما فعلت الخنساء، وقالت اقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا، فعاظمت هند الخنساء في مصيبتها وتناشدتا الأشعار: تقول إحداهما قصيدة في عظم مصيبتها وترد الأخرى عليها، وعلى الجملة فكانوا في عكاظ يتبايعون ويتعاكظون ويتفاخرون ويتحاجون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وفي ذلك يقول حسان:
سأنشر ما حييت لهم كلاما … ينشر في المجامع من عكاظ

1 سوق عكاظ. :
————
اسم سوق للعرب بناحية مكة، كانوا يجتمعون به في كل سنة فيقيمون شهرًا ويتبايعون ويتناشدون شعرًا ويتفاخرون.
هو من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، وأطولها مدة، حيث كان الناس يأتونه من أول شهر ذي القعدة ويمكثون فيه لمدة عشرين يومًا، ثم يسيرون إلى سوق مجنة، وفيه يمكثون لمدة عشرة أيام، بعدها سوق ذي المجاز، حيث لا تتجاوز أيامهم فيه الثمانية بعدها يتجهون إلى حجهم في مكة المكرمة. وسمي السوق بعكاظ نسبة إلى التعاكظ، أي التفاخر. و قد أورد الخليل بن أحمد أن كلمة عكاظ في اللغة قوله: «.. وسُمّي به لأن العرب كانت تجتمع فيه كل سنة فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة والتناشد: أي يُدعك ويُعرك، وفلان يعكظ خصمه بالخصومة: يمعكه».
2 – سوق ذي المجاز :
————————
سوق ذي المجاز ينتقل الحجاج من سوق مجنة إلى سوق ذي المجاز عند انتهاء شهر ذي القعدة ودخول الحج، ويقع على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب، كما يُقال إنه كان يُقام بين منى وعرفات، وهو قريب من عرفات من جهة المغمس، وكان هذا السوق يُعقد في ديار هُذيل، ويقيم به الناس من بداية شهر ذي الحجة حتى اليوم الثامن وهو يوم التروية، وسمي بهذا الاسم لأن إجازة الحجيج إلى عرفات تكون منه، ويُعتبر هذا السوق خاصاً بالأدب، والشعر، والفنون عند العرب.
3 – سوق مَجَنّة :
—————–
هو سوق من أسواق الجاهلية الثلاثة الكبرى في موسم الحج كان يرتاده النبي محمد لدعوة القبائل العربية للإسلام ، وكان يقع في بلاد قبيلة كنانة التي تحميه كما كانت قبيلة هوازن تحمي سوق عكاظ وقبيلة هذيل تحمي ذي المجاز.
اختلف في تسميته على عدة أقوال، فقيل:
من الجنة وتعنى السر والإخفاء، وقيل: من الجنون والجن، لذا يقال: أرض مجنة كثيرة الجن، وقيل:من الجنان أي البساتين، وقيل من المجون ضرب من اللهو.
ولم يكن سوق مجنة مكاناً للأدباء والشعراء، ولا مكاناً للبيع والتجارة، وإنما كان منتدىً يجتمع فيه العرب للتنظير الفكري والسياسي .
4 – سوق المِرْبَد :
——————

كان الشعراء في العراق يدعون إخوانهم الشعراء العرب للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في فصل الخريف من كل عام، حيث يعقد مهرجان المربد .
فتجد دعوتهم صدىً طيباً في كل مكان، نظراً لمجموعة من العناصر الوجدانية والمعرفية التي يبعثها مثل هذا المهرجان، لعل من أبرزها ارتباطه بمكانة سوق المربد الشعري في التراث العربي، إذ كان واحداً من أهم أسواق الشعر بعد سوق عكاظ.
هذه كانت أطلالة سريعة علي أهم أسواق الشعر و المقاهي الثقافية العربية قديما وحديثا .
نتمني أن نكون قد وفقنا في الطرح كي تعم الفائدة و يستقبل القاريء الكريم تغريدة الشعر العربي بشغف وحب دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى