دراسات و مقالات

مرت أمطار الشمس …الشاعرة العراقية زهور دكسن ١٩٣٣

السعيد عبد العاطي مبارك

” رغم الألمْ
وحتى تجيئي قُبيلَ انطفائي
سأُهرِقُ مائي..
وأسكبُ زهوي خضيرا على سَعَفات النخيلْ
أقولُ: اكتبي.. برغم الزمان البخيلْ
إذا ما تمادى الغرقْ
وغاض بياض الورقْ
وأشعلَ طوفانه الأرخبيلْ..
فأنتِ الزمانُ البديلْ ٠٠ “٠
٠٠٠٠٠٠
و في قصيدة درامية حوارية مع الذات بمثابة شعر الومضة ، تصور لنا
الشاعرة زهور دكسن في (حكاية دغلة) التي تقول فيها:-
وأرى اليها وهي ثاوية
عزلاء يسمق دونها الشجر
لا الشمس تستجلي مجاهلها
او يستشف غليلها المطر

* * *
مازال نهر الشعر المعاصر ينطلق مع رحلة الشعراء من بلاد الرافدين – دجلة و الفرات – حيث مدينة البصرة مدينة اللغة و الدين و الفلسفة،و الادب و الشعر ، و سوق الشعر بالمربد و غابات النخيل علي الشط الخالد
في قضاء ( الخصيب )
الذي أنجب لنا اعلام العربية و من الشعراء : ابو نواس و بشار بن برد و بدر شاكر السياب و وزهور دكسن ٠٠٠
و غيرهم كثيرون ٠
و عن المرأة الشاعرة لا يعرف سواد المثقفين الا علية بنت المهدي ، سلمي الملائكة و نازك الملائكة، و لميعة عباس ، و عاتكة الخزرجي و امل الزهاوي و امل الجبوري ووفاء عبد الرازق ، و باكزة و سجدة الموسوي ٠٠٠
و قليل من يسمع او يقرأ عن شاعرتنا هذه ( زهور دكسن ) التي نبت في ارض الشعر بالخصيب في البصرة !!٠

و من ثم و من باب التقدير لمشوارها الشعري و مدي تناولها لقضية المرأة المعاصرة و دورها الثقافي نتوقف مع رحلة شعرها فهي غزيرت الانتاج في فيوضات لها كم هائل من القصائد و الدواوين ٠٠ فهي شاعرة ماجدة وجيدة ، ولم تأخذ حقها في الدراسات الأدبية حتي اليوم و عند أرباب الثقافة العربية ، فاليوم نقدمها في تغريدة الشعر العربي ٠

حيث كتاباتها تتناول دور المرأة في مجتمع تقليدي بسيط كما نطالع الحياة الأدبية عند النساء في تلك الحقبة الفائتة ٠٠

نشأتها :
————–

ولدت شاعرنا العراقية زهور عبد الحسين دكسن ، عام ١٩٣٣ م في أبي الخصيب بالبصرة ، ثم انتقلت بعد ذلك الي العاصمة العراقية مدينة بغداد مع زوجها ٠
و بعد تواصل سنوات تعليمها
تتخرج في دار المعلمات
ليسطع نجمها في باحة الثقافة و الحياة العملية ٠
و كتبت ٨ ثمان مجموعات شعرية متنوعة شعر عمودي و حر،، تناولت قضايا المجتمع و برزت قصيدة الحب و الوطن و المنافي و الحياة الاجتماعية و التأملات الفلسفية مع رحلة الحياة ٠
و قد ترجمت أعمالها الي العالمية بلغة إنجليزية و فرنسية و يوغسلافية ٠٠٠
إيمانا بدورها الإبداعي ٠

و تقول زهور في قصيدة رائعة أخري بعنوان ( حوار خلف الذاكرة الثلجية ) تصور لنا خلاصة المشهد في براعة :

في قافلة الليل الأبدية فارســها الأســمر
تحضرني كل رحاب الرهبة ..
قنطرة النهر المتفرع من غابات الأبنوس …
خوف ما … في منعطفات الغفلـة
حيث’ الشمس الكبرى وظلامات الأصقاع
نهر العتمة .. والألق الشفاف برابية الغيم الذهبي
أليفانْ ..
طالعني .. كالتمثال الماثل في باب المتحف ،
ثمّ رحل ..
وبقيت’ أطالع وحدي
في باب المتحف ذاك التمثال
من يملك أن يجلو ليلا” من ذاكرة الدنيا
أو يملك أن يحيا إعصارا” يمحو ذاكرة الدنيا ؟
آه …
إنّ الدنيــا كرة
واللاعب فيها ..
من يحيا أعلم …
لو طالعني في الألق المتكامل من أجواء العتمة
وجه آخر .. إنّي أمتلك الرؤيا
سيدتي الكبرى

من أبرز أعمالها:
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

خلف الذاكرة الثلجية (1975)

وللمدن صحوة أخرى (1976)

في كل شيء وطن (1978)

مرت أمطار الشمس (1988)

واحتي هالة القمر (1989)

ليلة الغابة (1990)

وفاق التضاد (1999)

و ديوان مرايا الأسارير، الدار اللبنانية المصرية ٠
٠٠٠٠٠٠٠٠٠

تقول زهور في قصيدة بعنوان ” الرهوالي “، و هي قرية صغيرة بالخصيب بالبصرة تصور الذكريات في جماليات مفعمة بالواقع في براحات لها دلالات تنطق بالوجع و البعد معا :

غربت إلى باب المنفى مشدودا” أحمل أثقالي
ويممت وليل المنفى يبعدني عن شمس الرهوالي
والأرض السمراء الغرقى فيض في بحر الآصال
والنخل العريان الفاني أوتار لليل الخالي
غجريا” يعشق في المنفى قيثارا” بين الأدغال
يا مطر الأفياء الكبرى
يا طفلا” وردي الخدين
تناثر بين الأشجار المعروقة
كف التجوال

مختارات من شعرها :
==============
تقول الشاعرة العراقية الكبيرة وهو دكسن في قصيدة بعنوان ( هجير الوطن ٠٠ غدير الوطن ٠٠ !! ) تبين لنا فيها مدي عمق تجربتها في استفاضة ناهضة ٠٠ تترجم لنا مدي تلاحمها مع الوطن بين الهجير و الغدير في تصوير بديع و عبقرية متفردة من مشاعر انثي صادقة النيرات حلوة الكلمات حاضرة بين أروقة الثقافات ٠٠ عند الشفق تنتظر عودة الحياة لشمس تداعب الوديان هكذا تنطلق بنا :

وحين يهش وكر الصمت
يمتشق الصدى والصوت
أصغي..
والغصون تحاور الفيروز
أصفي..
والغمائم فوق نهر اللوز
يلتحم الصدى بالعسجد المنثور
غصناً في الذرى رنحاً يرامقني
تهدهدني مرايا الكون
٭٭٭
تعدو الشمس من بوابة الازمان
يرغو الليل مؤتزراً بريح الجان
أشهق والمدى المنسول بالنيران
يبلغ صيحتي جبلاً..
على الوديان
٭٭٭
تلتحم المفاوز بانتهاض الصوتِ
ترسف في حطام الوقت
والأجواء تسدل غابة العتمات
تنتفض الحماسة في رياش النار
تبتكر الذرى وطناً
تجالد في المدى الدوار
يعدو خلفها أفق
كما لو أنه شفق
كما لو أنه غسق
يفر دم الحماسة.. يُستحنُ
تقاطع التكوين
تدنو الريح من شجر التلامس
تقتفي صدى النور المنور باللهب
٭٭٭
وشد الحد فوق اليد
حام الجزر فوق المد
ضج الشاطيء الطامي من الغضب
فخذها.. يا أبا لهب!!
٭٭٭
٭ تناهى الصوت من بوابة العرب!
٭ ترجيع أخير
هلم الى المراقي نشهد الآتين
نوقظ بالشعاع طراوة النسرين
يا وطناً على اكتافنا..
يتداول الرايات!٠

٠٠٠٠٠٠
هذه كانت قراءة متواضعة لشاعرة عراقية عريقة معاصر صاحبة تجربة واسعة من خلال شعرها الذي يحمل تساؤلات من خلال عناوين دواوينها الشعرية المتنوعة تحمل أرق السنيين الطوال بين ظلال قصيدتها الرصينة في قالب إبداعي و فني متميز بكافة الخصائص لتظل صوت مدينة البصرة الخالدة دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person, closeup

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى