خواطر

ماذنب الريح إن تعرتْ لها النوافذ؟

عبدُه الصلاحي

ثمة شخص يُحفر على جدار القلب حتى الرمق
الأخير من الشوق المسافر في حلق اللهفة، شخص يُبعث من تحت رماد الذاكرة كلما أيقضها الحنين من غيبوبة التناسي. لا تستطيع أن تكرهه رغم ذاك الوجع الذي ألحقه بك يومًا ما.

يعتريك شعور مبهم في حقيقته، شوق محبب يهشك نحو حقوله، لهفة جذلى تسوقك إلى عصوره، تراقبه من بعيد لكنك لا تستطيع الإقتراب منه، تود التحرش بطيفه لكنك تخشى الغرق بين لجة عاطفته من جديد، تخشى الإحتراق بين أتون جمره.

ذاك الشخص ما إن تلمح طيفه حاضرًا حتى تتسارع أنفاسك، تزداد ضربات قلبك، تزدرد ريقك بصعوبة بالغة، تحاول -عبثًا- إخفاء علامات ارتباكك. قد تلجأ لإصلاح هيئتك؛ لإعادة ترتيب تلك الفوضى المستشرية على ملامحك، ربما ستطلق سُعلة مصطنة واضعًا قبضة كفك على فمك، أو ربما ستتنحح فيما إذا كنت تخاطب شخصًا
ما أمامك؛ محاولًا خداعه بذريعة مقنعة تبرر علامات ارتباكك. أو ربما ستحرر ذاك الزر العلوي من قميصك متعللًا بحرارة المكان.

قد تنجح متظاهرًا بعدم الإكتراث لكنك من الداخل تنزف بصمت حد الأنين. لا يمكنك إبطاء ذاك النبض المتسارع في داخلك، كما لا يمكنك إنقاص كمية الأدرينالين الكبيرة والمفرزة في دمك.

ستظل ترمقه خلسة من بعيد وهو لايزال يحادث شخصًا آخر أمامك. هاهو يبادله الضحكات ويشاركه الحديث كما كان يفعل في السابق معك. قد تلتقط هاتفك محاولا إجراء مكالمة هاتفية؛ لإظهار اهتمام مفتعل تعوض به ذاك النقص المستشري في داخلك، ربما ستتظاهر بالإنشغال أو تتعلل بإن لديك طارئًا ما راغبًا في المغادرة لا لسبب غير أن روحك تحترق بصمت ولم يعد ثمة من مخرج طوارئ غير الإنسحاب بعذر يبرر ضرورة ذهابك.

رغم تلك الجرعة المميتة من الخيبة إلا أنه ليس بإمكانك أن تحلل من إحرام طيفه وهو لايزال يجتاح كيانك كإعصار جارف لايعرف التقهقر، لايزال يمخر عباب أشجانك حد النشوة الغارقة في لجة اللحظة.

ذاك الشخص كان قد احتل يومًا ما قطعة من روحك، بذر صبغياته في أنوية شغفك ولم يعد بالإمكان لخارطتك الجينية أن ترتدي عباءة التنكر اللامجدي على قارعة الحقيقة.

تلك الحقيقة وإن حاولت إنكارها لكنها تبقى كدمغة موسومة على جدار القلب لا يمكن للأيام أن تطمس معالمها مهما حاولت ذر رماد التناسي في عيون الذاكرة.

حتى الذاكرة تغدو أكثر عهرا حين يتحرش بها الحنين، تزني بنشوة على سرير الإحتياج، تكفر بالنسيان حين يغريها شبق الإحتواء.

تفتش عن سبب مقنع يطفئ شهوة احتراقك تحت رماد ذاكرتك، لاشيء غير عويل الريح وهي تصفعك على حافة الإنطفاء. تلملم خيبتك ثم تبتسم ابتسامة باهتة وأنت تقف على ناصية الوجع مرددا :
-حقا..ماذنب الريح إن تعرتْ لها النوافذ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى