دراسات و مقالات

لوعة الغربة ٠٠ الشاعرة اللبنانية ايفا سليمان

السعيد عبد العاطي مبارك

” هات اسقينها ولا تبخل بسقيانا
فنحن قوم زرعنا الأرض إحسانا
سل من تشاء بدنيا الناس قاطبة
ينبيك عنّا بما يغنيك إيمانا
لبنان كان على الأيام منتجعاً
للأنبياء وفي التأويل رضوانا
فيه استظلّوا بعطف الله عن كثبٍ
حتى أناروا بهدي منه دنيانا
) داوود) أنشد عند الأرز رائعةً
ما أطربت مثلها للناس آذانا
أمّا المسيح أغنت عجائبه
عطاش قومٍ حيارى في حمى قانا
تلمّس الدنّ في رفق وباركه
وقال ربّي أزد في خمر لبنانا
وراح يسقي طفاحاً كلّ ذي ظمئ
كأنّما الدنّ نبعٌ فاض تحنانا
منه ارتوينا بظل الأرز من قِدَمٍ
حتى غدونا على الأيّام عقبانا
نأبى الهوان ونرتدي كلّ طاغيةٍ
يسعى إلى الشرّ إلاما وعدوانا
تبارك الله ما أنقى سريرتنا
وقد هُدينا فوفّقنا بمسعانا
وخيّم السلم في لبنان وانقشعت
تلك الغيوم التي حاقت برؤيانا ” ٠
( قصيدة : هات اسقينها )
——-
من بيروت التاريخ و التراث التليد ملتقي الحياة ٠٠ مدينة العشق و الجمال و الشعر عروس الشام جنة الأرز ، حيث تتلاقي بين اهدابها ظلال منظومة الفنون الجميلة رسالة تحمل كلمات و معاني تعكس لحظات الواقع و الخيال ٠٠٠
و من ثم كنا مع موعد بين غربة وحنين و مهجر الذات في عزلة الأنا التي تختصر حصاد الحلم و الوجع معا ٠
انها معادلة الاستثناء لحكايات و أسرار النوارس التي تعانق خضرة الجبال الشاهقة تحكي موال الأصالة و عبقرية الإنسان هكذا ٠٠
كان لنا هذا اللقاء مع شاعرة بيروت عاشقة الوطن، و لم لا فهي الطائر الشادي بقيم الانسانية في حب و سلام انها ايفا سليمان ٠
ولدت الشاعرة اللبنانية ايفا فؤاد سليمان ، في بيروت حيث الجذور العتيقة ، و قد ترعرعت بين ربوع هذه الطبيعة الخلابة الفيحاء ٠٠٠
و لذا تمتلك مشاعر صادقة و مرهفة، وظفتها في قصائدها التي تذخر بمفردات جمالية و صور خيالية و إيقاعات تجذب حواس المتلقي و المتأمل لرحلة الإبداع الفني المتنامي ، في تباين تسطر ملامح العشق حيث داخل بواعث فلسفية حوارية لها دلالات تكشف المسار مع صدي الرمزية و الرومانسية في واقعية ٠
لترسم فيوضات خريطة تنطق بالكثير و الكثير لهذه المنطقة التي تعيش لحظات جدل بين أرباب الفنون كل يوم مع هذا الميدان ٠
و تخرجت في جامعة بيروت العربية في كلية الآداب قسم اللغة العربية ٠
و من ثم وجدت ضالتها في بستان اللغة الجميلة أضف الي موهبتها فوالدها كان شاعرا له بصمات في الشعر اللبناني المعاصر ٠
* لها ديوان شعر بعنوان ( إلي امرأة ) ٠

تقول ايفا سليمان في قصيدة بعنوان ( النخّاس ) حيث تصف لنا مأساة العرب بين الصراع و جراح الوطن و قتل الجمال و تعطيل مظاهر الحياة في انطلاقة تلخص المشهد :
حزنت لموطن الحسن الأنيقِ
يشوه بالقنابل والحريق
وقناصٍ على الفجوات يرمي
صغاراً يلعبون على الطريقِ
وإمرأةً على سطح تراءت
لتنشر للغسيل مع الشروقِ
قبيل الصبح تلسعها رياحٌ
وصوت صغيرها الباكي العجوقِ
أصابتها الرصاصة في حشاها
وكانت صُنْع (بودغورنِ)الرشيق
هداها للعروبة والأماني
مع الإهداء في الوطن الأنيقِ
ألا قيكم لأشرب نخب عهدٍ
جديدٍ من عروبتكم طليقِ

و هي تكتب الشعر بكل أشكاله و تميل الي العمودي الذي تأثرت به منذ عهدها بالدراسة تطبيقا من خلال مناهج و مدارس و مذاهب الأدبي العربي ٠
فقد تأثرت بشعراء المهجر الرومانسيين بنظرة لفلسفة الجمال ، أضف الي شعر المقاومة و الوطنية و الغزل و الطبيعة ٠٠٠
مختارات من شعرها :
=============
تقول الشاعر اللبنانية ايفا سليمان في قصيدة بعنوان (
لوعة الغربة ) تصور فيها تباريح الذات بين صراعات المجتمع و تعثر ميلاد الحلم المنتظر من خلال مخاض القصيدة التي تستوعب تجربتها بكافة الاتجاهات من زوايا فنية تمض بروح الإبداع في تلقائية :
عامان مرا على بعدي وتشريدي
عن موطن الحسن عن أهلي ومولودي
فضاق صدري وفاض الشوق في كبدي
وعشت لوعة حرى وتنكيد
واليوم والعيد قد عادت بشائره
أن تسعد الناس في أشهى المواعيد
ارنو إلى الأفق على الأفق يجمعني
على مداه بأهلي في سنا العيد
فيحجب البعد عن عيني وجوههم
حتى لأقنط من سعيي ومجهود
قد كان عيدي سعيدا” في معيتهم
كالكرم يزهو بأقطاف العناقيد
واليوم في غربتي عنهم ووحشتها
حاكى المأتم في أسجافها السود
كأنما الله للألام أوجدني
وللرزايا فجودي أدمعي جودي ٠

***
و تنتقل بنا في ارتقاء حيث تصور لنا عالمها المتداخلة في هدوء ، فتقول في قصيدة أخري بعنوان (رثاء لوالدي الحبيب) تعكس أحزانها كن منطلق الحنان و الأبوة في رسالة الي العالم المتشابك متسائلة عن لحظات العمر و قيمة الحياة :
ماذا أقول وقد قضى عمرُ
الأجل الذي قد كان ينتظرُ
أبتي فداك الروح يا أبتي
والروح ملك الله لا البشرُ
لو استطاع الناس ما برحوا
دنيا التراب ولو هُمُ خسروا
أقدامهم بالطين لاصقةٌ
وقلوبهم من أجلها نذروا
فإذا توفىّ الموت واحدهم
شقّوا الثياب ورأسهم حسروا
وتوجّعوا وتلوّعوا أسفا
وخدودهم بكفوفهم نقروا
فكانّه ما كان من حمإ
مسنون كالفخّار ينكسروا
هذا الذي أضناني يا أبتي
في موتك المحتوم يا عُمَروُ
أتراني أبكي والدنى كدر
أضنى الذين بساحها أسروا
وحباك ربيّ رحمة فعفا
بالموت عنك فسرّني الظفرُ
أنا ما عققت رضاك يا أبتي
أو ملّ من رؤياك لي نظرُ
يا خيرة الآباء ما فرحي
في تركك الدنيا سوى صورُ
عن من بمهدٍ كان يحضنني
وأنا ضعيف القدر محتقرُ
في كدّه في سعيه كرما
وبما بصدره كان يدّخرُ
ربّيتني وهديتني خلقاً
محمودة فانعم أيا عُمَروُ
في جنّة الرحمان مثوبة
للصالحين ومن بها ظفروا ٠

و بعد هذا العرض الموجز لشعر الشاعرة ايفا فؤاد سليمان، التي تعانق وحي الكلمات في ايحاءات كحاد غريب مع أنشودة الليل، وعشق الوطن ، فنراها تسبح بين موال الجمال ترسم لوحاتها الفضفاضة بكل مقاييس الإبداع الفني كي تختصر رحلة الحياة في تناغم و حضور برغم مأساة تحدق بالمنطقة تحجز لحظات الصفاء ، فتنهض آفاق المنطلق لتمزج فكرتها وجدانيا من منظور الكلمة الشاعرة دائما ٠

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى