قصة

لا أحد ينصت اليه

هادي المياح

ذهب الى الشركة التي يعمل بها، كان يفكر بقضية واحدة حصلت معه ، ثم تشعب تفكيره الى ذكريات كثيرة اخرى مشابهة.. تذكر من بينها حلمه البارد الذي أرهقه الليلة الفائتة.. كانت احداث الحلم توحي بالبرد..الأماكن التي احتضنته تغطيها الثلوج ، الصقيع يغطي رؤوس الأشجار على جانبي الطريق ..و ندف من الثلج تتطاير بفعل الريح، تتخطفه كالعصف عند مرورها في الغور الواسع، لتخرج من الفوهة الضيقة بشكل صفير، يشبه صوت ناي حزين في منتصف الليل..
كانت ليلة باردة فعلا ، عندما اقترب منه دب ضخم خرج اليه من تلك الفوهة.. في تلك اللحظة ، أخذ جسمه يرتعش من الخوف والبرد معاً.. وثَقُلتْ قدماه .. ثم تعطل رأسه عن الالتفات كأنه شُلّ عن الحركة.. كان يسمع صوت الدب خلفه وهو مستمر بالركض رغم ثقل قدميه..
توقف عند إشارة المرور. شغّل الماسحات. وأزاح ما علق بالزجاج ، من ماء ورغوة صابونية .. ظل ينتظر بلهفة شديدة حالما تُفتحُ إشارة المرور، فقد كان مصاصو دماء السيارات يحومون حوله. واحداث الحلم تتساقط على الجدار الداخلي من المخ في رأسه!
لم يتمكن مصاصو الدماء ان يسرقوا حلمه الصقيعي، فقد كان ملتصقا به بشدة اثناء سيره على الأقدام، في ممر الدائرة الطويل.. ولا يزال يشعره بالبرد كأنه في القطب الشمالي..
لكنه قبل ان يجلس في مكتبه، رأى زينبٌ أمامه تبتسم، زينبُ التي زعلت منه صباح الأمس، تمرُّ اليوم أمامه، مقتربة منه اكثر من المعتاد وتبتسم . ظنّ انها غفرت له او تناست ما حصل. لكنه بعدما جلس على كرسيه، راودته فكرة مختلفة ، قال في نفسه:
“هل هي تخطط لاغوائي بصباح الخير وابتسامة؟! ” وقام بعدها من فوره ليلحق بها .. قاصدا التأكد من نوع ابتسامتها، ومن اي طرف من الشفةِ خرجت! ..زينب التي أنسته حلمهُ البارد، كانت الوحيدة التي تستحق ان ينشغل بها ، فهي أنثى ساخنة كالجمر ..ماذا يجني الانسان حين ينشغل بحلم بارد كالصقيع؟
في طريق عودته أحسّ بموجات مغزلية تتحرك سريعة، تحت جدار الذاكرة. واستشعر حالاً ما افتقده عندما كانت زينب تقترب منه. وهي تترك بصمتها المثيرة في احلام اليقظه عنده، وقد نافست جميع أحلامه السابقة..
سيتذكرها حتماً، لانه لم يكن مصاباً بالزهايمر، حتى ينساها. لكن سرعان ما احتلت ذهنه موجة ضبابية كثيفة خطفت وجهَ زينب الجميل من أمامه ، وتكورت باقي أجزائها، كما لو كانت متممة لأجزاء حيوان قطبي .
عند ذاك تماماً، نقلته رجفة خفيفة شملت جميع أجزاء جسمه، للحظات من الزمن… قالت زوجته قبل ان ينام: ” عليك ان تصارحني بما تشعر وتفكر وما تفعل طوال اليوم!” ..ثم غفا في نومه .. حينما جلس أمامها وجدها لم تختلف كثيرا عن مصاصي الدماء..
قبل ان يدخل من باب البيت ، وجد نفسه في داخل الفوهة التي تتقدم الغور المظلم .. سمع صفيرا قوياً كأنه صوت ناي حزين .. أغمض عينية على منتصف الليل .. وشعر ببرد فضيع يلاحقه، وهدير خطوات دب كبير يطارده. مد يديه يتلمس الأشياء والدوال أمامه ، رماه عصف الريح دفعة واحده، باتجاه مدخل البيت ..شعر بالضيق والتأزم .
عندما فتح عينيه، كانت احداث الحلم لا تزال باقية على طرف لسانه ، كان يود ان يفصح عنها ، لكنه لم يجد أحدا ينصت اليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى