قصة

قهقة النوارس

سالم عكروتي

ظلال المغيب تزحف رويدا رويدا ، حمرة أرجوانية على سطح رمادي داكن، وسكون مهيب، هدوء البحر، لا موج ولا ريح ،إنها (البانة) يتحول اليم إلى مسطح جميل يلمع تحت لون المساء القرمزي الرائع ، المركب الرابظ على ظهر البحر تشده المرساة يتمايل ببطء وأضواءه الخافتة تسطع كلما أطبقت الظلمة وإكتسح الفضاء صمت بديع ، صوت الراديو يأتي من قمرة المركب …. سواح ….. وأنا …. ماشي .. في البلاد … سواح ،تهتز لها أسماع البحارة وهم منشغلون بتخليص ما جاد به البحر من سمك ( الحمرايا والشورو والأميلة….) . وأنواع أخرى من خيوط الشباك الطويل، رائحة الشاي المحترق على جمرات الكانون ودخان السجائر المنبعث من الشفاه وطشطشة الزيت في المقلاة ترسم سمفونية عذبة ،وفسيفساء أنيقة نحتها الزمن في طرف من أطراف الماء وروح هائمة تغازل السكون، وتداعب خد البحر، وتعزف لحن الحياة.
_آه…… آه ….. قالها أحمد الدوزي متأثرا بصوت عبد الحليم حافظ و قد أثارت فيه الأغنية ذكرى عزيزة وطوحت به في رحلة في ماضي قريب ، سرح بخياله أين همست له عروس البحر ضاحكة ونصفها يداعب سطح الماء _…. سأضمك إلى قصري العائم وسأفتكك من حبيبتك ،….. يبتسم يحلق وبتنهيدة من عمق وجدانه تطل صاحبة الثغر الباسم و الخجولة الصغيرة ، حبيبته الإنسية ،أين تركها على الرصيف تلوح بيديها و تنثر قبلات تحملها إليه نسائم الوله الطرية.
_أحمد…. يا أحمد… أين همتك ونشاطك ، هههههه سأغلق الراديو حتى ترجع إلينا ،…. قال عم علي ممازحا وضحكات البحارة بشيئ من التهكم توقظ أحمد الدوزي وتحط به بينهم بعد رحلة حالمة.
إستوى طعام العشاء طعام ملكي فاخر، إنه طعام البحارة كله من كرم البحر صديقهم ورفيقهم منه يستمدون الحياة، تحلقوا وراحوا يأكلون ويتندرون بضحكات جميلة كلها ود وإنسجام ، في حضرة البحر يستضيفهم على متنه بعيدا عن صخب اليابسة وغبارها، تلتحق بمهرجان العشاء طيور النورس تحلق قريبا تكاد تلامس المركب تلتقط بقايا سمك ومايرمى من بقايا الطعام وتحيي الحضور بقهقهات وهفهفات في إستعراض كرنفالي رائع لا يحدث إلا هنا .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى