دراسات و مقالات

قصيدة ( مقتل القمر — !! ) أمل دنقل

( شــــــــــاعر و قصيدة ) السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

….وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمـــر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
– (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
….. …….. …….
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا…
وتفرقوا…..
فكما يموت الناس…..مات !
وجلست ،
أسأله عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
….. كان مات !
———–
و يستلهم أمل دنقل بعد رحلة مع القمر في رحاب المدينة و الريف و الطبيعة الجميلة أنه هو الأب لكل الأشياء و من ثم ” أبداً أبونا لايموت ” !!
عندما نتأمل بكاء دنقل بين يدي زرقاء اليمامة نتوقف مع نصوص لها دلالات من خلال رحلة أعماله الشعرية الكاملة ، و التي تحمل الكثير من اسرار شعرنا العربي و لا سيما مع الواقع المعاصر في سباق جمالي له رمزية يوظفها مع التراث يستلهم منها كل المعاني و الصور في ايقاعات شجيه يبثها بأحاسيس صادقة مؤثرة نتجول مع ظلال قصائده التي تعد بمثابة ملحمة لها حضور بهيج تعشقها النفوس المتمردة الباحثة نحو قيم سطرها ” أمل دنقل ” في بستانه الشعري بكافة الألوان و الأشكال فجاءت تتهادي كالنهر المتجدد مع فجر الصباح أنداء ، بعد رحلة صمت و سكون مع الليل الحائر —
و من ثم نتوقف مع قصيدته التي تحمل عنوانا فلسفيا تأمليا في واقعنا المعاصر يتسلل منها الي الموروث التراثي يستلهم أحد الرموز الاسطورية التي يعانقها الانسان منذ البدايات علي هذا الكوكب ” الأرض ” لكنها ينشد الجمال في البحث صوب ” القمر ” —
و لم لا فالقمر مفتاح سر الحياة ماديا و معنويا فالعالم و الفنان و المبدع و العشاق و الاطفال ينظرون الي القمر في العلياء و كل صنف من هؤلاء يترجم مشاعره في كلمة او صورة تفتح لنا مسارات التذوق الفني في اطار الادراك و الفهم لمنتهي الكلمات –
و القمر له حكايات في موروثنا الشعري حيث يجسد الشاعر الجمال فيرمز الي المحبوبة بـــ ” القمر ” ايمانا منه بدور القمر مع الانسان عبر رحلة الزمان و المكان فهو مرآة الانسان التي ينقش علي انعكاساتها كل أفراحه و أحزانه فالقمر قاسم مشترك من شتي الجوانب في الحالة الدينية و الاجتماعية و الفنية له بواعث في النفوس –
فكان ملهم الشعراء في النتاج الشعري المتفرد — و شاعرنا أمل دنقل يسافر بنا بقمره بين المدينة الصاخبة و ريفه الأخضر الجميل ، فالقمر رمز العطاء و النماء و الخصوبة و الدفء و الحنان و الجمال وصوت الحياة العامرة بالحب و الاشراق —
و يتعجب كيف يقتلون القمر ” الأب ” الذي هو كل شيء في حركة و تطور الوجود بين الطبيعة التي تم تشويهها و تزيف الحقائق متعجبا من كل هذه المفارقات كما في ملحمته الرائعة و الخالدة ( مقتل القمـــــر !! ) و التي يطوف بنا من خلالها نحو عالمه الجمالي الفلسفي في رمز اسطوري يستوعب كل العصور من خلال فهمها لمدار القمر حيث الضوء الذي هو الخير العامر الذي يفيض بالاسرار مع نبض الروح صباح مساء
و نكتفي بهذه الكلمات التي ارصدها بعدة قراءة للنص في عجالة —
يقول الشاعر الكبير المصري ابن الجنوب ” أمل دنقل ” في معلقته الرائعة بعنوان ” مقتل القمــــــــر !! ” راصدا و جامعا معاني الاسطورة الرمزية التي حولها في النهاية الي حقيقة ماثلة أمامنا نقطف منها ما يروق لنا في فهم الحياة :

….وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمـــر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
– (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
….. …….. …….
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا…
وتفرقوا…..
فكما يموت الناس…..مات !
وجلست ،
أسأله عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
….. كان مات !
****
دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه…
حتى لايرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي : هذا أبوكم مات !
– ماذا ؟ لا…….أبونا لا يموت
– بالأمس طول الليل كان هنا
– يقص لنا حكايته الحزينة !
– يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك ، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات…
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر
متألق البسمات ، ماسيّ النظر
– يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لايموت !

و في نهاية المطاف يستخلص لنا شاعرنا دنقل خلاصة تأملاته أن القمر الرمز ” الأب لا يموت ” فهو صوت الحياة و الحب و الجمال في العلياء و الكل يدور من حوله ينشد الخير و الكمال نحو رسالة تحمل ينابيع الجمال الي الانسانية ، أجل فأن شعر دنقل له دلالات تحتاج الي قراءات عميقة اسقاطية تنهض بوحي و الهام بلاغي بياني يرسم بكلماته منتهي القصد الراقي في عبقرية متفردة فالقمر عنده فاق تسجيلات الأخرين عندما تناولوا هذا الموضوع من قبل من خلال تجربته الذاتية الصادقة و المؤثرة مع وجع و أحلام الحياة عند الجميع دائما 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى