دراسات و مقالات

قراءة للقصة القصيرة جدا ” وليمة” للقاص المصري أسامة محمد علي.

المصطفى الصغوسي

وليمة
كَانَت مَحَطّ أنْظَار الجَمِيع، تَسَابقُوا مِن أجْلِهَا، تِلك الحَفاوَة الّتِي حَظِيَت بِهَا الحَمَامَة في الفَضَاء، كَانَت سَبباً لِعَدَم عَودتَها إِلى عُشّها مَرَة أُخْرى.”
************

عنوان القراءة: “وليمة” أو الحلم المر
ميزة أدب القصة القصيرة جدا تمكن في إمكاناتها غير المحدودة في خلق التميز والتباين، إلى درجة، أنه على الرغم من تواتر العديد من نصوص هذا الجنس، وسرعة تراكمه، يصعب علينا أن نجد نصا يشبه الآخر من حيث الأثر المرافق والفوري الذي يخلق في ذهن متلقيه. فتارة يتسيد مكون العنوان، وأخرى السرد نفسه أو اللغة، أو الرمز ودلالته، أو المكان وإيحاءاته.. وكيمياء توظيف هذه العناصر ومزجها وصهرها لخدمة مقصدية النص والكاتب، هي مناط هذا الجنس وصلب عملية تواصله مع متلقيه وخلخلة أفق انتظاره. وميزة النص موضوع هذه القراءة الرئيس، دون إغفال الإشارة إلى أن الحديث عن مفهوم الميزة أو الخاصية المميزة، لا يغفل كون نجاح النص هو نتيجة تظافر كل العناصر والمكونات في سبيل خدمة الهدف العام، ميزة نص وليمة الرئيس، تكمن في اعتمادها مبدأ النقض والهدم: بناء معنى وتأسيسه في ذهن المتلقي، ثم نقضه بمعنى آخر مختلف. يحيل العنوان بوصفه مؤسسا أولا للمعنى، على الفرح والاحتفال، على التقاسم والبذل، على قيم الجماعة والتجرد من الأنانية. وهو المعنى الذي يعمل المقطع الأول على ترصيده من خلال وضعنا في جو عرس ننتظر تجلي العروس الجميلة، حيث هي محط الأنظار وحيث الكل يتسابق لخدمتها بحفاوة واهتمام. العروس حمامة تشع سلما وتطير سعادة في ثوب عرسها الذي نفترض أنه أبيض ناصع، والأبيض كما هو لون العرس هو أيضا لون الكفن، وهنا نلج المعنى الثاني الهادم هدما جميلا، حين تصبح الحفاوة تربصا، والتسابق ترصدا واستهدافا، وليصبح العرس مأتما، والسعادة حزنا: عدم العودة إلى العش.. إنه إمتاع النقلة بين النقيضين. على مستوى التأويل: قد تبدو القصة التقاط للعادي المتكرر: حفلة قنص يتنافس فيها الرفاق على الصيد ليمطروا بالرصاص المميت حمامة لن تعود أبدا لعشها.
لكن القصة القصيرة جدا، ذاك الجنس المخاتل، عودتنا في نصوصها الكبرى، ألا ننخدع بالسطح ونتوقف عنده، لأن التوقف عنده رجوع يخف حنين من سوق عامرة بالمعنى والنفاق الأدبي الجميل، الذي يجعل النص حمال أوجه وأقنعة. هكذا تصبح الحمامة زوجة جميلة ويصبح العش بيتا، ويصبح المتسابقون مغررين يتقنون فحيح الغواية التي تجعل الزوجة الجميلة تحلق في فضاء الحلم المر، ولتصبح هي/ الأنثى التي كانت رمز الغواية، أول من يقضم من التفاحة المحرمة وأكثر من يكتوي بخطيئتها إدانة وتعاسة، وسيكون الجزاء التيه عن دفء العش وفردوس سكينته. أليست هذه صورة ثقافتنا لمآل كل من ركبت أجنحة من شمع وتبعت مساقط الأضواء الزائفة ومراكب الغواية؟! تحياتي للمبدع أسامة محمد علي على هذا النص الجميل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى