دراسات و مقالات

قراءة في نص الشاعر “قصي الفضلي” (تَّذْاكِرُ الرحيل)

حسين عجيل الساعدي

الحديث عن الاغتراب والرحيل في الشعر يطول، بل شكل علامة فارقة في الشعر العربي، وعندما نتكلم عنه، انما نتكلم عن غرض من اغراض الشعر، فهو يتردد صداه لدى الشعراء، وهذا لا ينعكس على الادب والشعر العربي فحسب وانما للاغتراب مظاهره في الآداب الانسانية قديمها وحديثها، وقد حظي بأهتمام كبير لدى الباحثين والنقاد، كظاهرة بارزة في الدراسات الادبية والفنية، وكذلك الدراسات الفلسفية والنفسية، فظاهرة الاغتراب لها جذورها، وهي ليست وليدة الحياة المعاصرة، ولكنها سمة من سمات العصر، واحدى أزمات الانسان المعاصر، ومن أشد مظاهره، الاغتراب النفسي واغتراب الذات، وفي ظله يقف الأنسان حائرا بين العقل والواقع، قد يعيش الاغترابين، مما يفقده حالة التوازن النفسي والفكري والانسياق وراء العبث، واللا جدوى ليس الرغبة في الرحيل من أجل البحث عن حياة أفضل، لكنه الانفصال والانفصام عن المحيط وعدم المواءمة مع واقع مألوف غير منسجم مع الذات، يخوض في هذا الواقع صراع عنيف داخل النفس، ينتهي الى اغتراب روحي او نفسي يشكل نتيجة حتمية للواقع الاجتماعي المعاش .
عنوان النص يشعرك ببوح اشكالي، أن (تَّذْاكِرُ الرحيل) أو ( تَذَاكِر للاغترابِ) هي حالة مطلبية ذاتية خاضعة لإرادة الانسان، تنتهي بقطع (تَّذْاكِرُ للراحلين بلا ثمن)، ليس لها الدلالة المؤدية الى السفر (لا تنتهي بالسفر)ْ ، بقدر ما هو المناداة (ينادي على الموت) أنه زمن الرحيل المجاني (بلا ثمن)،(للفقراء).
النص كتب بلغة شاعرية تعبيرية،
أحدث رؤية واعية لمعاناة النفس وما يرافقها من عذابات الرحيل والاغتراب، فهو يثبت احساسه عبر مشاعر من الاسى والحزن، والدوران في متاهات الغربة والهروب عن الواقع تارة أو عن ذاته تارة اخرى أو الارتماء بأحضان ماض قد يخفف آلام الغربة، ولكن يبقى الاحساس بالاغتراب مرآة صادقة تعكس ما يجول في نفسه من ألام.
يقدم لنا الشاعر ومنذ البدء الإطار العام لثلاثية الرحيل، دلالة شعرية رمزية على بيان اغتراب الكينونة ومظاهرها، وتجلياتها المختلفة، أنه ( اغتراب ارتكاسي مؤلم يغترب فيه الشاعر عن الواقع؛ لدرجة يقوم الشاعر من خلاله بالانسلاخ عن الواقع، وإيثار العزلة، وهو شكل من أشكال الاغتراب الداخلي القائم على الإحساس بالكآبة والحزن، والقلق، والغضب، والانفعال) عصام شرتح، الشعرية ومقامرة اللغة، ص21.
النص عبارة عن مكنونات الشاعر من توترات وانفعالات نفسية شعورية، يجتر مرارتها، عكسها على الاطار اللغوي العام للنص الشعري، عبر عنها بلغة شاعرية نسجت خيوط مأساته والتقاط أبعادها، من خلال الصراع القائم بين الذات والوجود، وهذا إحساس كوني. قدم لنا هذا الصراع في ألفاظ شديدة الارتباط بلغة الحياة .

” تَّذْاكِرُ الرحيل ”

للفقراء
على جرفه
مكان فسيح الأماني
شِرَاءِ
تَذَاكِر للاغترابِ
تعاويذُ من وجهة الحب
لا تنتهي بالسفرْ
****
تذاكر تمسك أصابعهم
كصواعقَ من نخلٍ يابسٍ
هنا عطش الوقت
لم يرتو..
ولم تكفه رشفة من عناقيد تمر العتابْ
****
على شفتي الفرات
تَّذْاكِرُ للراحلين
بلا ثمن دون أي اتجاه
ينادي على الموت
مُِقْطبا بصوته الموجَع
لمَ يمتلئ إِناء قَرْبانِ ضحاياي
بالدمع حتى الغياب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى