دراسات و مقالات

قراءة : في ق.ق.ج” قدر.” للشاعرة القاصة روزيت عفيف

سهيلة بن حسين حرم حماد

ق. ق.ج قدر.

1_…_… اخرجْ.
…_2… اعملْ.
…_…_ 3 طرقات على الباب.
وقفت الجدّة، تركت كلّ شيء، أبعدت الآخرين، تقدّمتْ، فتحتْ… . انهمرت دموعهم. سبقها صغيرهم إلى مملكته؛ أغلق خلفه.

العنوان :قدر ونقطة /صدور حكم بات غير قابل للاستئناف أو التعقيب …
الاستهلال :

1-…-…اخرج.:

الترقيم 1 جاء أول السطر، أمر عادي، ثم مطة قد يبدو عاديا أيضا، ثم ثلاث نقاط، قد نقبلها، ولكن أن يردف بمطة ثانية، ثم ثلاث نقاط، وتذييل بفعل أمر:

اخرج

ثم نقطة، يصبح نصا كاملا مفاده أن الفصل الأول من مسرحية حياتك قد ابتدأ انطلق ….

-…2…ادخل.

الترقيم رقم 2 يتوسط ثلاث نقاط، على اليمين وثلاث نقاط على اليسار، مسبوق قبلها بمطة، الأمر غير عادي بالمرة، أصبحت كتابة متعمدة لنص بليغ، فلسفي، محير، يدعوك عنوة إلى التفكير، والتنبه إلى أن الإنسان لم يكن له خيار اختيار لحظة الخروج ، ولكن فصول حياته هي من نسيجه، لذلك أُمر بأن أدخل… ليشارك بذلك لعبة القدر في اختيار طريق الجنة أوالنار..
ليكون الحساب والعقاب نتيجة اختيار…

أتذكر هنا مقولتا ابن رشد الفيلسوف، الطبيب العلامة الذي كان في خلاف مع الغزالي …

“الله لا يمكن أن يعطينا عقولا، ولا يعطينا شرائع مخالفة”

“كذلك الأعمى يتحول بعيدا عن الحفرة، حيث يسقط المبصر..”

فالعقل الذي ميز الإنسان عن الحيوان، هو سبب شقائه، أو سعادته، حسب اختياره … والعمى هو عمى البصيرة وليس عمى النظر والبصر ….

-…-…3 طرقات على الباب.:

الرقم ثلاثة، يذيل المطتان، والنقاط الثلاثة المتكررة، وتتصدر الطرقات الثلاث. إذا نحن في المرحلة الثالثة في مواجهة وجه لوجه للطرقات الثلاث للزائر ….
من الطارق؟ ما هو فعل الأمر الموجه هذه المرّة ؟؟؟….
لا أمر !…
يبدو أنها النهاية ….
القدر الذي لا دخل في التدخّل فيه ….
إنها حتمية كل بداية …..
حتمية المغادرة دون استدراك، ولا دورة تدارك ….
حصل ما في الصدور… بينما عقارب الساعة لا زالت تدور …وتبحث عن مغرور …
يفني العمر في المكر والغدر ….وشهادة الزور….

الخاتمة: أغلق خلفه ونقطة. :

يؤكد بجملة واحد العنوان، ويأتلف مع الاستهلال من حيث العد. و الرقم 3 …جملة فعلية جاءت في كلمتين

أغلق /خلف(ه ):

أغلق فعل ماضي، مبني للمجهول، تقديره هو،

خلف( ه) :

ظرف مكان مركب من كلمتين :

خلف زائد( + )* ( ه) التي تعود على الهو لتصبح الجملة:

تتألف من 3 كلمات … وكأن الهاء تتكئ على اللفظ :
خلف (ه)… :

كما يتكئ بنو آدم على العصى ٢×١ =١

رِجلان ×١= المشي

ِرِجلان×العصى =المشي

رِجلان، لا يقويان على حمل الجسد، المثقل بالوزر، وزر السنين، وزر عطل عملية المشي، إضافة للوهن، فيطلب المساعدة من خشب، ليستقيم وتد الجسد.
إذا تصبح النتيجة :

رجلان زائد العصى= المشي

الجوهر اتسم بالتكثيف، والحركة السريعة، مع مشهدية أبرزت نقشات رسام، ينقش على الرخام، أو النّحاس، لوحة فنية بواسطة النقش، بواسطة الدق على مسمار، ومتابعة الرشم،والنغم والتناغم بين الحركة، والدق والدقة….

في مجتمعاتنا الشرقية بعض من المسنين يحضرون أكفانهم وكل متطلبات الدّفن بأيديهم تبركا، واستعدادات للرحيل، وكأنهم يعلنون أنهم متهيئون ….
ولكن يحدث ما لم يكن في الحسبان، وغير متوقع و قد يذهب ببعضهم إلى حفر قبورهم بأيديهم ويحصل أن تطول المدة أو يدفن فيه ذاك القبر إبنا أو حتى حفيدا….
في عائلتي حصلت مرتين. إحدى أقاربي حفر قبره بيده، (اقصد استعمل معولا، طبعا لا أقصد حفره بيده كما حُفرت البحيرة الاصطناعية ،التي حفرها اليهود بأيديهم، بأمر من هتلر، في مدينة هانوفر hanover، الألمانية والتي تدعى ماشسي
Lac artificiel maschsee).

فحصل أن سبقه أخوه، وطلب منه قبل أن يلفظ أنفاسه أن يدفن هو به، فكان له ذلك. فأعاد حفر ثان، فدفنت به زوجته، تكرما وشهامة منه . و لم أعلم بعدها أنه جهز ثالثا، وأغلب الظن أن لا…. ما حصل أنه عاش بعد موت زوجته ١٣ سنة ونيف….
توفي في ليلة٢٧ من رمضان الماضي تاركا وراءه حسرة وألما…..

ولكن أنظروا كم مات من بشر منذ قراره حفر قبره، وقدر حكم موته ودفنه!!!! …..

مثلما حدث في هاته اللوحة الفنية الحزينة، التي استعدت الجدة بطريقتها، وهي تمشي على ثلاث ، ربما على إثر مرض شديد ، أشرفت به على الموت، ربما قسمت تركتها، وكتبت الوصية، وأوصت بها كبيرا، أو استأمنتها لدى محام، حسب العرف الجاري به في وسطها… والمعمول به والتي ارتضته….فإنهمرت دموعهم (أي دموع عائلتها)* تأثرا….

ولكن عندما طرق الباب، ليدخل ملك الموت، لينجز مهمته ظنته الجدة أنه حل ضيفا عليها، فما كان….هو ، أنه استضاف أصغرهم، و أغلق خلفه الباب ….إشارة وتلميحا بأن قدر :

-النهايات….
-كما البدايات….

تواريخها…..
_بيد من له مطلق التصرف بالقدر، ولا شأن للعباد، به…وهو طرح فلسفي قد يعيدنا إلى قضية الاختيار :

هل نحن مخيرون
أم مسيرون،
والطرح الفلسفي هل الإنسان مخير أم مسير؟ أم الإثنان معا ….

وهل… وهل… وهل؟؟؟ …..

يبقى السؤال، والطرح إلى الأزل ….

الأسلوب شيق استجاب لمقومات ال ق. ق.ج من حيث التكثيف والتشويق والابهار …
الابهار والانبهار رافقنا منذ العنوان و كان على ٣ مستويات …

على مستوى الشكل أخص بالذكر الاستهلال الذي كنت قد تعرضت إليه في العتبات في البداية

بعد فلسفي في الطرح والعرض …

والخاتمة ….

ققج سريع الحركة أُحسن تأثيثه بشكل ملفت يدعوك إلى التأمل عنوة إذ يرفع الحجب…
اتكأ على جمل فعلية نلاحظ تشظ بعد فتحت … ثلاث نقاط وكأنه ردا على الإيقاع:
إيقاع القرع والطرقات استجابة لتناغم الرقص مع الايقااااع.. والمشي على ثلاث …

نص حداثي عالج مشكلة الزمن و القدر … البداية والنهاية الكينونة وصيرورة الذوات لنكتشف عبثية الحياة والعدم
والزوال …بمفردات مكثفة عميقة كثيفة المعاني والايحاءات
والرموز والدلالات فكانت شوارع من المعرفة على رأي باشلار…

سهيلة بن حسين حرم حماد

سوسة /تونس
٢٢/٣/٢٠١٩

تعقيب الشاعرة والقاصة روزيت عفيف حداد على قراءتي

ما أعمق وأبلغ دراستك أستاذة سهيلة حماد،
كم أخذتني عبر مسافات طويلة لا حساب لها، مسافات بين الولادة والموت.
هل، نحن، نحفر بأيدينا، دون أن ننتبه، منذ الولادة حتى الممات، قبورنا؟
يسمونه القدر والملكوت لنقتنع به، مع أنه لا يحتاج موافقتنا.
مراحل الحياة ثلاث،
البسملة ثلاث،
ترديد الأهداف ثلاث،
معظمنا في آواخر أيامه يمشي على ثلاث،
عندما نلاقي الغوالي ثلاث قبل، ولملاقات القدر 3 دقّات.
ورغم كل شيء نتساءل: الإنسان مسيّر أم مخيّر.
استمتعت كثيرا بقرائتك.
شكراً لجهودك واهتمامك.
تحيّتي وتقديري والورد لك.
🌹 💕 🌹 💕 🌹 💕 🌹
رأيت إضافتها لتتصح الرؤيا لدى القارئ
حيث تقول أن قراءتها على قراءتي:

Souheila Hammed
“هي مستوحاة من قراءتك رمز الشواهد التي أدرجتِها.
تحيّتي والورد لك. 🌹” الكلام لروزيت عفيفي

ملاحظة :طريقة الترقيم هي بدعة خارجة عن المتعارف، اعتبرتها لوحة مرافقة للنص رصدتها. ورقصت حروفي مع إيقاعها إذ كانت الشرارة القادحة لفكرة قراءتي للنص.

لذا نستسمح السادة العارفين بالقواعد الدكاترة والأكاديميين أن يعتبروا هذا الأسلوب الغريب لغة تعبيرية غرائبية عجائبية تتماشى مع فلسفة القدر ….مؤقتا ….بس …إلى نهاية العرض
أي ينتهي ويختفي بنهاية العرض ….
شكرا لرحابة صدوركم …..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى