دراسات و مقالات

قراءة في القصيدة العينية لأبي ذؤيب الهذلي

أحمد عبد الكريم زنبركجي

 

أبو ذؤيب الهذلي شاعر مخضرم بين الجاهلية والإسلام . له قصيدة عينية طويلة تبلغ تسعة وستين بيتا .

مطلعها :

( أَمِنَ المنونِ وريبها تتوجّعُ + والدهرُ ليس بمعتب من يجزعُ )
تستمد القصيدة قوة وجمالا من كونها تعبّر عن موقف جليل ؛ فقد مات لأبي ذؤيب خمسة أولاد – وقيل سبعة – في عام واحد بالطاعون ! فأي خطب هذا ، وأي موقف ! إنه محنة تتفجر معها الطاقات الانفعالية ، وتجود قرائح الشعراء بالنفيس . ولا سيما إذا كان الشاعر نفسه هو صاحب الرزية .
إن أجود الشعر ما كان نتاج معاناة وتجربة إنسانية . وإلا فكيف يرسم الشاعر الصور الجميلة ، ويصوغ التعبير الصادق الذي يفسر الحياة ، في نغم مؤثر ؟!
في كتاب ( الشعر والشعراء ) ذكر ابن قتيبة منها البيت :

( والنفس راغبة إذا رغَّبتها + وإذا تُردُّ إلى قليل تقنع ُ )
ضمن قسم ( ما حسن لفظه وجاد معناه ).وقال:هذا أبدع بيت قالته العرب.
القصيدة بشكل عام جيدة المبنى والمعنى .
لم يفتتح الشاعر قصيدته بالمطلع التقليدي ( الغزل والنسيب ) ؛ بل بمناجاة ذاتية دامعة ، فيها تساؤل ( أمن المنون وريبها تتوجع ؟ ) هذا هو تساؤل الحائر العاجز عن الجواب ، والذي لا يريد لتساؤله من أحد أي جواب .
إن عينه لتدمع ..وإن قلبه ليخشع ..وإنه على فراق فلذات أكباده لمحزون .
ولكنه يدرك جيدا أن ( الدهر ) لا يُعتب الجازعين .
ثم يدور حوار بينه وبين زوجه : تسأله عن شحوبه ، وقلة راحته ونومه ، فيجيبها بأبيات رائعة من مثل قوله :

( أَوْدى بَنيَّ وأعقبوني غُصّةً + بعد الرقاد وعَبرةً لا تُقلِعُ
)
ويتابع بيان حاله بعدهم ، بمثل قوله :

( فالعَينُ بَعدَهُمو كأنّ حِداقَها + سُملتْ بشوكٍ فهْي عُورٌ تَدْمعُ )
( حتى كأنيَ للحوادث مروةٌ + بصَفا المُشَرَّق كلَّ يومٍ تُقْرعُ )
والبيتان صورتان جميلتان : فعَينا الشاعر بعد فقد أولاده لم تكفّا عن البكاء حتى كأن بكاءهما الشديد ناتج عن سملهما بالشوك . ونلاحظ هنا مدى الدقة في اختيار الألفاظ : فالسمل عن عمد ، و( الشوك ) اسم جنس ، يحمل معنى الكثرة ؛ وكأن شوكة واحدة لا تكفي!
وحسُنَ الإيغال في قوله ( فهي عورٌ تَدْمَعُ ) لبيان أثر السمل .
ولهذا فقد غدا الشاعر من ذله وانكساره كحجر في الأرض يقرعه الرائحون والغادون بأقدامهم .
إنها حقا صورة عجيبة ، فيها تناسق تام مع المعنى المراد :
– فقوله ( مروة بصفا المشرق ) أدى معانيَ عدة في انسجام مذهل :
فالمروة : صغيرة حقيرة ، ذليلة تحت الأقدام ، حارة من قرعها ولفح الشمس .
وكل ذلك يناسب معنى ذل الشاعر ، وتضاؤله ، وحرارة قلبه .
وتبقى المروة مع ذلك جسما صلبا ، فهذا يدل على ما تبقى في نفسه من جلَد . وهذا يعاضد قوله :

( وتَجلّدي للشامتين أريهمو + أني لريب الدهر لا أتضعضعُ ).
لا نملك إلا أن نقف احتراما أمام تلكما الصورتين .
بعد ذلك يقدم الشاعر حِكَما ليست في ضروب عدة في الحياة ؛ كما هو شأن الحكم في معلقة زهير ؛ بل إنها حكم الموقف ، موقف الموت .
ومن تلك الحكم :
1-
( وإذا المَنيّة أنشبتْ أظفارَها + ألفيتَ كل تميمةٍ لا تَنفعُ )
المنية وحش مفترس هائج ! لا تجدي معه الرُّقى !
2-
( والنفس راغبة إذا رغَّبْتَها + وإذا تُردُّ إلى قليل تقنع )
حكمة فيها تَعقُّل وتَجَلُّد ، ومحاولة للرضا بما كان .
ثم يبدأ حكمه ( الدهرية ) التي هي وسيلة من وسائل التعزية :
3-
( والدهر لا يبقى على حدثانه + في رأس شاهقةٍ أعزُّ مُمَنَّعُ )
وكأن الشاعر جعل هذا البيت عنوانا للقصص الوعظية الثلاث التي سيسردها على سبيل الحكمة في الحياة والموت .
يبدأ القصة الأولى بقوله :

( والدهر لا يَبقى على حدَثانهِ + جَونُ السَّراة له جدائدُ أربع )
جون السرة : أي َأسْوَدُ أعلى الظهر . الجدائد : جمع جدّاء ، وهي الأتان مقطوعة الأذنين .
يصف حمار الوحش ؛ يعيش في دعة مع أتنه الأربع في مكان خصيب …حتى جاءهن صياد أنهى سعادتهن على نحو مريع !
يقول :

( فرمى فألحَقَ صاعديّا مِطْحرا + بالكشح فاشتملتْ عليه الأضلع )
( فأَبَدَّهنَّ حُتوفَهنّ فَهارِبٌ + بذَمائه أو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ )
( يَعْثُرْنَ في حدِّ الظبات كأنما + كُسِيَتْ بُرودَ بَني يزيدَ الأذرعُ )
الصاعدي المطحر : السهم السريع . أبدهن : قسم الحصص بينهن .
نلاحظ أن عدد الحُمُر مساوٍ لعدد أولاد الشاعر ، مما يرجح أنهم خمسة لا سبعة . والشبه واضح بين عذابهم في موتهم بالطاعون ، وعذاب الحمر بسهام الصياد ( الذي يمثل المنية ) بعدما كانت تعيش في رغد .
ونلاحظ أن عدد الأتن أربع ، والذكر واحد فقط ، وأن اللام في لفظة ( له ) معناها الملكية ….ولهذا تفسيره النفسي والاجتماعي طبعا .
ثم يبدأ القصة الثانية بقوله :

( والدهر لا يبقى على حدثانه + شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكلابُ مُرَوَّعُ )
الشبب : الثور المسنّ .
كانت الحمر في القصة السابقة صغيرة السن كأبنائه .
أما هذا الثور فهو مسن كالشاعر ، يرهف سمعه ليتقي الأذى :

( يرمي بعينيه الغيوب وطرفه + مُغْضٍ ، يصدِّق طرفُه ما يَسْمَعُ )
إنه لكبر سنه يعتمد على السمع بالدرجة الأولى ، ويصدق بصرُه سمعَه .
وإذا بالكلاب ( محن الزمان السابقة ) تهاجمه ، وتدور معركة طاحنة ، ينتصر فيها الثور ( الشاعر ) ، ويجندل الكلابَ بقرنيه ، فيبدو للثور ربُّ الكلاب ( المحنة الكبرى ) فيرميه بسهم نافذ !.
ويجود علينا الشاعر بقصة ثالثة :

( والدهر لا يبقى على حدثانه + مستشعِرٌ حلقَ الحديد مقنَّعُ )
.
إنها قصة فارس شجاع لا يسأم الحرب،ولا ينفكُّ يلبس الدرع حتى :

( حَمِيَتْ عليه الدرعُ حتى وجْهُهُ + مِن حرِّها يوم الكريهة أَسْفَعُ )
وكان عنده فرس يدللها حتى إنه :

( قَصَرَ الصَّبوح َلها،فشرَّجَ لحمَها + بالنَّيِّ فهي تَثوخ فيها الإصبع )
هنا فقط نرى الشاعر قد أساء التصرف في وصف الفرس بكثرة الشحم ولين اللحم . وقد عاب عليه الأصمعي ذلك ، لأن لحم الخيل يوصف عادة بالصلابة ليتحمل العدو ومشاق الحرب .
ولكنه لا يعدو أن يكون بيتا واحدا لا يؤثر على قصيدة عصماء كهذه وإنما أراد الشاعر أن يقول : إن لدى هذا الفارس فرسا يعتني بها.
ونعود فنكمل القصة :
إذ يلتقي الفارس بالفارس ، ونرى أمامناالآن مسرحية حية توضح لقاءهما وتحديَ كلٍ منهما للآخر:

( فتَنادَيا وتواقفتْ خَيْلاهما + وكلاهما بطلُ اللقاءِ مُخَدَّع ُ )
والفارسان متسلحان :

( وكلاهما متوشِّحٌ ذا رونقٍ + عَضْبا إذا مَسَّ الضريبةَ يَقْطع )
وبعد أن يعتد كل منهما بمجده يتبارزان، ويطعن كل منهما خصمه :

( فتَخالَسا نَفْسَيهما بنوافذٍ + كنوافذِ العُبُطِ التي لا تُرْقَعُ )
( فتخالسا ) ! لفظة عجيبة لها مدلول معنوي وصوتي عجيب في تصوير تبادل الضربات برشاقة وسرعة ومهارة. وجاءت كلمة
( نوافذ ) بصيغة الجمع النكرة لتعمق معنى كثرة الضربات ، وتوضح قوتها ، وبين الشاعر أن هذه الضربات مميتة لا شفاء منها
كالشقوق التي اتسعَ خرقها على الراقع !
ثم يختم الشاعر قصيدته النفيسة بقوله في الفارسين :

( وكلاهما قد عاش عيشةَ ماجدٍ + وجنى العلاءَ لوَانَّ شيئا ينفع )
نعم ليس ثمة ما يجدي بعد المنية نفعا …اللهم إلا الأعمال الصالحة والآثار الخالدة .
كذا فعل أبو ذؤيب : ساءل نفسه في المنون حائرا ، وأبان الكارثة التي أصابته ، وأبدى أحزانه ، وانبجست من روحه حكم في الموت صادقة ، استحضرها الموقف الإنساني والمعاناة الشخصية ، فخرجت في صور بديعة من البيئة التي عاشها الشاعر .
والحكمة هي خلاصة التجارب الإنسانية ، تعطي المعنى في دقة وإيجاز … ولكن الشاعر في محنته الأليمة لا يكتفي بكلام موجز ، وليس من الخير له ولا للعمل الفني أن يوجز .
ولذلك أتى بحكمة موجزة في بيت ، ثم ضرب لها الأمثلة القصصية من بيئته .
وقد رأينا كيف أن الشاعر بدأ كل قصة من تلك القصص بقوله :
( والدهر لا يبقى على حدثانه ) . وهذا تكرار موفق أبرز شعوره ، وأعطى تنظيما تقسيميا في القصيدة .
وبالرغم من طول القصيدة رأينا أنها ذات وحدة موضوعية متماسكة
ومعان عميقة ، وصور بديعة …سَرَت في نفوسنا بانسيابية .
وكان للبحر الكامل الهدار تأثيره الداعم للمعاني .
كما كانت القافية بروي العين المضمومة كأنها صوت البكاء ، إنها عينٌ باكية !!
ومهما قلنا في القصيدة ، فلا شيء يغني عن قراءتها كاملة .
فاقرأها الآن واستمتع من جديد :
………………………………………….

أَمِــــنَ الـمَـنـونِ وَريـبِـهـا تَـتَـوَجَّـعُ
وَالـدَهـرُ لَـيـسَ بِـمُعتِبٍ مِـن يَـجزَعُ

قـالَـت أُمَـيـمَةُ مــا لِـجِسمِكَ شـاحِباً
مُــنـذُ اِبـتَـذَلـتَ وَمِـثـلُ مـالِـكَ يَـنـفَعُ

أَم مـــا لِـجَـنـبِكَ لا يُــلائِـمُ مَـضـجَعاً
إِلّا أَقَــــضَّ عَـلَـيـكَ ذاكَ الـمَـضـجَعُ

فَـأَجَـبـتُـها أَن مــــا لِـجِـسـمِيَ أَنَّـــهُ
أَودى بَــنِـيَّ مِـــنَ الــبِـلادِ فَـوَدَّعـوا

أَودى بَـــنِــيَّ وَأَعـقَـبـونـي غُــصَّــةً
بَــعــدَ الــرُقــادِ وَعَــبــرَةً لا تُــقـلِـعُ

سَـبَـقـوا هَــوَىَّ وَأَعـنَـقوا لِـهَـواهُمُ
فَـتُـخُـرِّموا وَلِــكُـلِّ جَــنـبٍ مَــصـرَعُ

فَــغَـبَـرتُ بَـعـدَهُـمُ بِـعَـيـشٍ نــاصِـبٍ
وَإَخــــالُ أَنّــــي لاحِــــقٌ مُـسـتَـتـبَعُ

وَلَـقَـد حَـرِصـتُ بِــأَن أُدافِــعَ عَـنهُمُ
فَــــإِذا الـمَـنِـيِّـةُ أَقــبَـلَـت لا تُــدفَــعُ

وَإِذا الـمَـنِـيَّـةُ أَنــشَـبَـت أَظــفـارَهـا
أَلــفَــيـتَ كُـــــلَّ تَــمـيـمَـةٍ لا تَــنـفَـعُ

فَـالـعَـيـنُ بَــعـدَهُـمُ كَــــأَنَّ حِـداقَـهـا
سُـمِـلَت بـشَـوكٍ فَـهِـيَ عـورٌ تَـدمَعُ

حَــتّــى كَــأَنّــي لِــلـحَـوادِثِ مَـــروَةٌ
بِـصَـفـا الـمُـشَرَّقِ كُــلَّ يَــومٍ تُـقـرَعُ

لا بُـــدَّ مِـــن تَــلَـفٍ مُـقـيـمٍ فَـاِنـتَظِر
أَبِـأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ

وَلَــقَــد أَرى أَنَّ الــبُـكـاءَ سَــفـاهَـةٌ
وَلَـسَـوفَ يـولَـعُ بِـالـبُكا مِـن يَـفجَعُ

وَلــيَـأتِـيَـنَّ عَــلَــيـكَ يَـــــومٌ مَـــــرَّةً
يُــبـكـى عَــلَـيـكَ مُـقَـنَّـعاً لا تَـسـمَـعُ

وَتَــجَــلُّــدي لِـلـشـامِـتـيـنَ أُريـــهِــمُ
أَنّـــي لَــرَيـبِ الـدَهـرِ لا أَتَـضَـعضَعُ

وَالــنَــفـسُ راغِـــبِــةٌ إِذا رَغَّـبـتَـهـا
فَـــــإِذا تُــــرَدُّ إِلــــى قَــلـيـلٍ تَــقـنَـعُ

كَـم مِـن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوى
بــاتــوا بِـعَـيـشٍ نــاعِـمٍ فَـتَـصَـدَّعوا

فَـلَـئِن بِـهِـم فَـجَـعَ الـزَمـانُ وَرَيـبُـهُ
إِنّـــــي بِـــأَهــلِ مَــوَدَّتــي لَـمُـفَـجَّـعُ

وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
فـــي رَأسِ شـاهِـقَـةٍ أَعَـــزُّ مُـمَـنَّـعُ

وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
جَـــونُ الــسَـراةِ لَــهُ جَـدائِـدُ أَربَــعُ

صَــخِـبُ الـشَـوارِبِ لا يَــزالُ كَـأَنَّـهُ
عَــبــدٌ لِآلِ أَبــــي رَبــيـعَـةَ مُــسـبَـعُ

أَكَـــلَ الـجَـميمَ وَطـاوَعَـتهُ سَـمـحَجٌ
مِــثـلُ الـقَـنـاةِ وَأَزعَـلَـتـهُ الأَمـــرُعُ

بِـــقَــرارِ قــيـعـانٍ سَــقـاهـا وابِــــلٌ
واهٍ فَـــأَثــجَــمَ بُـــرهَـــةً لا يُــقــلِــعُ

فَـلَـبِـثـنَ حـيـنـاً يَـعـتَـلِجنَ بِــرَوضَـةٍ
فَـيَـجِدُّ حـيـناً فــي الـعِـلاجِ وَيَـشـمَعُ

حَــتّـى إِذا جَـــزَرَت مِــيـاهُ رُزونِـــهِ
وَبِـــــأَيِّ حـــيــنِ مِــــلاوَةٍ تَـتَـقَـطَّـعُ

ذَكَــرَ الــوُرودَ بِـهـا وَشـاقـى أَمــرَهُ
شُـــــؤمٌ وَأَقـــبَــلَ حَــيــنُـهُ يَــتَـتَـبَّـعُ

فَـاِفـتَـنَّهُنَّ مِـــن الــسَـواءِ وَمـــاؤُهُ
بِـــثــرٌ وَعـــانَــدَهُ طَــريــقٌ مَــهـيَـعُ

فَــكَـأَنَّـهـا بِــالـجِـزعِ بَــيــنَ يُــنـابِـعٍ
وَأولاتِ ذي الـعَـرجاءِ نَـهبٌ مُـجمَعُ

وَكَـــأَنَّـــهُــنَّ رَبــــابَــــةٌ وَكَــــأَنَّــــهُ
يَـسَرٌ يُـفيضُ عَـلى الـقِداحِ وَيَصدَعُ

وَكَــأَنَّـمـا هُــــوَ مِــــدوَسٌ مُـتَـقَـلِّـبٌ
فـــي الــكَـفِّ إِلّا أَنَّـــهُ هُــوَ أَضـلَـعُ

فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الض ( م )
ضُــرَبــاءِ فَـــوقَ الـنَـظـمِ لا يَـتَـتَـلَّعُ

فَـشَـرَعنَ فـي حَـجَراتِ عَـذبٍ بـارِدٍ
حَـصِـبِ الـبِطاحِ تَـغيبُ فـيهِ الأَكـرُعُ

فَـشَـرِبـنَ ثُــمَّ سَـمِـعنَ حِـسّـاً دونَــهُ
شَـرَفُ الـحِجابِ وَرَيـبَ قَـرعٍ يُقرَعُ

وَنَـمـيـمَـةً مِــــن قــانِــصٍ مُـتَـلَـبِّـبٍ
فـــي كَـفِّـهِ جَــشءٌ أَجَــشُّ وَأَقـطُـعُ

فَـنَـكِـرنَهُ فَـنَـفَـرنَ وَاِمـتَـرَسَـت بِـــهِ
سَـطـعـاءُ هــادِيَـةٌ وَهـــادٍ جُــرشُـعُ

فَــرَمـى فَـأَنـفَـذَ مِـــن نَـجـودٍ عـائِـطٍ
سَـهـمـاً فَــخَـرَّ وَريــشُـهُ مُـتَـصَـمِّعُ

فَــبَــدا لَــــهُ أَقــــرابُ هـــذا رائِــغـاً
عَـجِـلاً فَـعَـيَّثَ فــي الـكِـنانَةِ يُـرجِـعُ

فَــرَمـى فَـأَلـحَقَ صـاعِـدِيّاً مِـطـحَراً
بِـالـكَشحِ فَـاِشـتَمَّلَت عَـلَيهِ الأَضـلُعُ

فَــأَبَــدَّهُــنَّ حُــتــوفَـهُـنَّ فَـــهـــارِبٌ
بِــذَمــائِــهِ أَو بــــــارِكٌ مُـتَـجَـعـجِـعُ

يَـعـثُـرنَ فـــي حَـــدِّ الـظُـباتِ كَـأَنَّـما
كُـسِـيَـت بُـــرودَ بَـنـي يَـزيـدَ الأَذرُعُ

وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
شَــبَــبٌ أَفَــزَّتــهُ الــكِــلابُ مُـــرَوَّعُ

شَـعَـفَ الـكِـلابُ الـضـارِياتُ فُـؤادَهُ
فَـإِذا يَـرى الـصُبحَ الـمُصَدَّقَ يَـفزَعُ

وَيَــعــوذُ بِــالأَرطـى إِذا مـــا شَــفَّـهُ
قَـــطــرٌ وَراحَــتــهُ بَــلِـيـلٌ زَعــــزَعُ

يَــرمـي بِـعَـيـنَيهِ الـغُـيـوبَ وَطَـرفُـهُ
مُـغـضٍ يُـصَـدِّقُ طَـرفُـهُ مــا يَـسمَعُ

فَــغَــدا يُــشَــرِّقُ مَـتـنَـهُ فَــبَـدا لَـــهُ
أَولــــى سَـوابِـقَـهـا قَـريـبـاً تـــوزَعُ

فَـاِهـتاجَ مِــن فَــزَعٍ وَسَــدَّ فُـروجَهُ
غُــبــرٌ ضَــــوارٍ وافِــيـانِ وَأَجـــدَعُ

يَــنـهَـشـنَـهُ وَيَــذُبُّــهُــنَّ وَيَــحـتَـمـي
عَــبـلُ الــشَـوى بِـالـطُـرَّتَينِ مُـوَلَّـعُ

فَــنَــحـا لَـــهــا بِـمُـذَلَّـقَـيـنِ كَــأَنَّــمـا
بِـهِـما مِــنَ الـنَـضحِ الـمُجَدَّحِ أَيـدَعُ

فَـــكَــأَنَّ سَــفّــودَيـنِ لَــمّــا يُــقـتَـرا
عَــجِـلا لَــهُ بِـشَـواءِ شَــربٍ يُـنـزَعُ

فَـصَـرَعـنَهُ تَــحـتَ الـغُـبـارِ وَجَـنـبُهُ
مُــتَـتَـرِّبٌ وَلِــكُــلِّ جَــنــبٍ مَــصـرَعُ

حَـتّـى إِذا اِرتَــدَّت وَأَقـصَـدَ عُـصـبَةً
مِــنـهـا وَقـــامَ شَـريـدُهـا يَـتَـضَـرَّعُ

فَـــبَــدا لَـــــهُ رَبُّ الــكِــلابِ بِــكَـفِّـهِ
بــيـضٌ رِهـــافٌ ريـشُـهُـنَّ مُــقَـزَّعُ

فَــرَمـى لِـيُـنـقِذَ فَــرَّهـا فَـهَـوى لَــهُ
سَــهــمٌ فَــأَنـفَـذَ طُــرَّتَـيـهِ الــمِـنـزَعُ

فَــكَـبـا كَــمــا يَـكـبـو فِـنـيـقٌ تـــارِزٌ
بِــالـخُـبـتِ إِلّا أَنَّـــــهُ هُــــوَ أَبــــرَعُ

وَالــدَهـرُ لا يَـبـقـى عَــلـى حَـدَثـانِـهِ
مُـسـتَـشـعِرٌ حَــلَـقَ الـحَـديـدِ مُـقَـنَّـعُ

حَـمِـيَت عَـلَـيهِ الـدِرعُ حَـتّى وَجـهُهُ
مِــن حَـرِّهـا يَــومَ الـكَـريهَةِ أَسـفَعُ

تَـعـدو بِــهِ خَـوصـاءُ يَـفصِمُ جَـريُها
حَـلَـقَ الـرِحـالَةِ فَـهِـيَ رِخـوٌ تَـمزَعُ

قَـصَرَ الـصَبوحَ لَـها فَـشَرَّجَ لَـحمَها
بِـالـنَيِّ فَـهِـيَ تَـثـوخُ فـيـها الإِصـبَعُ

مُـتَـفَـلِّـقٌ أَنــسـاؤُهـا عَــــن قــانِــيٍ
كَـالـقُـرطِ صـــاوٍ غُــبـرُهُ لا يُـرضَـعُ

تَــأبـى بِـدُرَّتِـهـا إِذا مــا اِسـتُـكرِهَت
إِلّا الــحَــمــيـمَ فَــــإِنَّـــهُ يَــتَــبَـضَّـعُ

بَـيـنَـنـا تَـعَـنُّـقِـهِ الــكُـمـاةَ وَرَوغِـــهِ
يَــومـاً أُتــيـحَ لَـــهُ جَــرىءٌ سَـلـفَعُ

يَــعـدو بِــهِ نَـهِـشُ الـمُـشاشِ كَـأَنّـهُ
صَــــدَعٌ سَــلـيـمٌ رَجــعُــهُ لا يَـظـلَـعُ

فَــتَــنـادَيـا وَتَــواقَــفَــت خَــيـلاهُـمـا
وَكِــلاهُـمـا بَــطَـلُ الـلِـقـاءِ مُــخَـدَّعُ

مُـتَـحـامِـيَينِ الــمَـجـدَ كُــــلٌّ واثِـــقٌ
بِــبَــلائِـهِ وَالـــيَــومُ يَــــومٌ أَشــنَــعُ

وَعَـلَـيـهِما مَـسـرودَتـانِ قَـضـاهُـما
داودٌ أَو صَـــنَــعُ الــسَــوابِـغِ تُــبَّــعُ

وَكِــلاهُــمـا فـــــي كَـــفِّــهِ يَــزَنِــيَّـةٌ
فــيـهـا سِــنــانٌ كَـالـمَـنارَةِ أَصــلَـعُ

وَكِــلاهُــمـا مُــتَــوَشِّـحٌ ذا رَونَــــقٍ
عَـضـباً إِذا مَــسَّ الـضَـريبَةَ يَـقـطَعُ

فَــتَـخـالَـسـا نَـفـسَـيـهِـمـا بِــنَــوافِــذٍ
كَــنَـوافِـذِ الــعُـبُـطِ الَّــتــي لا تُــرقَـعُ

وَكِـلاهُـما قَــد عـاشَ عـيشَةَ مـاجِدٍ
وَجَـنـى الـعَـلاءَ لَــو أَنَّ شَـيئاً يَـنفَعُ
……………………………………

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى