دراسات و مقالات

قالت وعدتك ٠٠ الشاعر الطبيب العماني طارق العبري

السعيد عبد العاطي مبارك - الفايد

” عجيب أمره ذاك المحب فكم تقسو و كم يبقي يحب
و تقتله الهواجس عند ليل و لا يبقي دواء يستطب
و ان يرمي بدهر من جفاء سيبقي عن محبته يذوب
يناجي في الهوي خلا عنيدا بنار الحشا شوقا تشب ”

” أنتِ الجمالُ إذا يمشي على قدمِ
أصبتِ عيني ومنذُ الأمسِ لم تَنَمِ

أدركتِ قلباً يكادُ الحزنُ يقتلُهُ
وقد رميتِ بذاكَ النورِ في الظُلَمِ

أشرقتِ نوراً وأمسى ذا المساءُ ضُحىً
وقد أتيتِ بثغرٍ منكِ مبتسمِ

يا ويحَ قلبي بهِ الأهوالُ قد عصفت
تُراهُ نوركِ ذا قد نالَ من ألمي

ما عدتُ مكترثاً ما الحبُّ يفعلُهُ
فقد وجدتُ بهاءَ الحُبِّ في السقمِ ”

===
نطوف حول الشعر و الشعراء في ربوع سلطنة عمان لتتوقف مع شعر الشباب الذي جمع ظلال تجربة و انطلاقة تشكل وثبة حقيقية من خلال النهضة الحديثة في هذا البلد الجميل و حمل الشباب مع قائده التغير في كل معطيات الانسانية بغية الاضافة الي التراث و الحضاراة و لاسيما مع الذين تعلموا خارج البلاد وعادوا يصنعوا ملحمة من جديد ٠
و من ثم نتأمل الفنون الجميلة و الشعر يتربع علي خريطتها ، و شاعرنا ” طارق العبري ” واحد من فرسانها بلا شك!٠
فهو شاعر و طبيب يذكرنا بابن سينا ، و ابراهيم ناجي ، و أبي شادي و غيرهم كثيرون ٠
فقد وظف المهنة في قصيدته قاموسه الطبي بجانب صوره الشعرية ، حتي عنوان ديوانه : قالت وعدتك !! ٠يستحق تفسيرا و تحليلا من منطوق فلفسة الجمال و تباريح العشق الصوفي الراقي و الشعور بخيبة الأمل لكن يظل يحدو مع تراتيل الليل الحزين يسطر لنا دلالات و استثناءات في صور مشرقة و إيقاعات علي صدي أوتار قيثارته المحطمة ، ليسبح بكلماته في فضاءات الروح أغاني تغازل نهايات العشق و الجمال موالا نردده دون ملل هكذا ٠٠ !!
نشأته:
====
ولد شاعرنا الطبيب العماني طارق العبري بمدينة مسقط ، و بعد مراحل تعليمه الأولية التحق بكلية الطب جامعة السلطان قابوس ٠
تخصص أمراض السكر ، ثم ذهب الي المملكة المتحدة انجلترا لمواصلة الدراسات العليا ٠
و يعمل بمسقط اختصاصي سكري ٠
وقد ظهرت عليه موهبته الشعر منذ نعومة أظفاره ، و لاسيما بعد أن فقد والده و هو في سن السادسة عشر ، فتكون لديه الشعور الوجداني ذات النزعة الحزينة ، و من ثم كتب عدة أبيات رثاء في والده كما ربي امير الشعراء أحمد شوقي والده ٠٠
و كانت بدايات ميلاد شاعر يحمل هموم تؤرقه فسطرها نفثات تشرق من الوعي النفس في صدق مؤثر به ٠٠

و منذ هذا الحين طفق يكتب الشعر الرصين الموزون و المقفي من الموروث الخليلي ٠
و شعره يدور حول الرثاء و الاجتماعيات و المناسبات و النزعة الصوفية الدينية في إشراقات ، و تصوير الطبيعة و عشقه لبلاده و تباريح الغربة في أسفاره المختلفة أبان التعليم ، مع الوجدان الفلسفي نحو القيم الجمالية ٠
*و من شعره :
======
و من شعره هذه القصيدة التي تنم عن فكر نوراني يسبح مع الروح و تسامي التكوين في دفقات تختصر لنا معالم الحقيقة موظفا دراسته في ظلال التفاصيل في رقي وحضور مع المشهد الذي يطوف بنا بين ربقة ايمانية فيقول طارق العبري :
إذا انتسبتَ فإنسٌ أصلُهُ بشرُ
لكنْ أتيتَ بنورٍ فينا ينتشرُ
نورٌ أطلَّ وذاكَ النورُ مصدرُهُ
نورُ الإلهِ إذا بالوحي تأتمرُ
دعوى لجدِّكَ إبراهيمَ في حرمٍ
ابعثْ رسولاً لعلَّ الناسَ يعتبروا
ابعث رسولاً أيا مولايَ في بلدٍ
إني أمنتُ لنسلي فيه يعتمروا
يبني القواعدَ حيثُ البيتُ يرفعُهُ
وذِكرُ أحمدَ عندَ البيتِ كم ذكروا
اللهُ يدري وهذا البيتُ بعثتَهُ
والصخرُ يعرفهُ والسقفُ والحجرُ

***
هذه القصيدة التي تفاعل مع أحداث رحيل المغفور له بأذن الله جلالة السلطان قابوس ، فنقش تباريح هذا المصاب مصورا مراسم ذكريات تحلق في فضاءات و عبقرية الإنسان و المكان قائلا:
أرقٌ ألمَّ فكيفَ اليومَ أدفعُهُ
ودَّعتُ قلباً ولكنْ لا أودِّعُهُ

أسكنتُ نفسيَ عندَ الناسِ مصطبراً
وغدتْ دموعي غداةَ البينِ تتبعُهُ

يا عينُ جودي على المحبوبِ وانسكبي
فقد أتاكِ من الحرمانِ أوجعُهُ

وقد غدوتِ بليلٍ لا نهارَ لهُ
إذا قنعتُ فقلبي كيفَ أقنعُهُ
***
ثم يظل يبحث عن ” اليقين ” برغم جداول العذاب يعزف لحن تواجده داخل الكون بماهياته متسائلا:
أتدرينَ العذابَ وتعرفينَه
فكم سهمٍ برمشكِ تُطلقينَه

فهلّا قد صددتِ الطَّرفَ عنَّا
لنحيا ما بقينا فقد عَيِينا

وهلّا قد أدرتِ الشَّمسَ عنَّا
فوجهُكِ صابحٌ إنْ تُصبحينَ

وإنَّا إنْ غضضنا الطَّرفَ عنكِ
قلوبٌ قد صرخنَ فما رضينَ

أتبلونا الحياةُ بكلِّ همٍّ
ونصبرُ عندَها نرجو اليقينَ

ونُقتلُ بعدَها من سهمِ عينٍ
فيا ويحَ القلوبِ بما شَقينَ

عيونكِ فتنةٌ ثارت وربِّي
وإنَّكِ بالعيونِ لَتفتنينَ

فهلّا قد وجدتِ لها خماراً
فإنَّكِ إنْ هُديتِ فقد هُدِينا

هذه كانت أهم القراءات في عالم الشاعر الطبيب العماني طارق العبري الذي استخدم حوار سردي أصيل في محاكاته مع تشخيص الذات حيث ينسج من عنوان ديوانه البديع صفحات عشق مع الحياة ليفك لنا بكارة الحياة ٠٠ قالت : وعدتك !!٠
فعبر عن موال الأمل بين شغاف هذا الجمال في رحلة تضاد تجسد ملامح عالمه المتراكب بالتلاقي ثم الابتعاد في تأكيد علي فكرته دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى