قصة

غشاوة

عماد شختور

يا ولدي ..
أتراك كبرت للحد الذي أصبحت تراني فيه ضعيفا .. ؟ لا أقوى على ابداء النصيحة ولا قدرة لي أن أوجه دفة مركبك المندفع دون توقف إلى بر الأمان وشاطئ السلامة

هل الطيبة يا ولدي سذاجة كبيرة بنظرك لا تستحق معاناة المحاولة أو تعب اليد التي تمتد لنصرة الخير ومساعدة الآخرين ..؟
وهل تغير الزمان كثيرا دون أن أدري فماتت الرحمة وقتل العطف وانقطع حبل الأرحام فلم تعد تتواصل كما ينبغي لها وتاهت القلوب عن دروب المحبة وطريق المودة والسكينة .. ؟

هل اشتد عودك وكبرت فروعك فلامست سماء الغرور وارتفعت اكتافك فجاوزت جدار شقائي فلم تلاحظ انحناء ظهري المتعب .. ومن قصر شبابك العاجي الشاهق تنظر اليّ دائما ف تجدني ظلا يختفي أمام النور الساطع من هالتك المزعومة أو تراها أصبحت صورتي في عينيك صغيرة جدا ف تقزم وجودي في مدارك ولم تعد تراني قدوة تليق بمكانتك الرفيعة ..!

هل أصبحت على درجة من العلم لتناقش كل الأمور السابقة و التفاصيل اللاحقة وتتأمل بسخرية الأحداث الطارئة وتمادت لديك الفكرة لتناقش المشاعر والأحاسيس تاركا لجبروتك العنان لتشكك في محبتي لك وتضرب كل الأساسات لقواعد الوفاء بيننا .. وتمر عني دون اهتمام ولسان حالك يردد مقولة الشاعر محمود دروش ..” تنسى كأنك لم تكن ”

كيف تختلط عليك الحقائق وتتوه عنك البراهين لتضيع عن العنوان وأنت تلهث دون توقف لتثبت وجودك وقد أقنعك شيطان نفسك أنه لا وجود لك ..!! وأخذت تبني هذا الصرح الآيل للسقوط على جرف هار سرعان ما ينهار تحت قدميك ويهوي بك إلى واد العزلة السحيق وستشعر انك وحيد رغم زحمة وجوهنا في عينيك ..

لماذا تقود مركبة تهورك دون رخصة للقيادة من سلطة الحكمة والنضج واي غاية تريد من طريق مسدود لا مخرج منه إلا تواضعك أمام الحق وقبولك للحقائق حتى لو شاكست أهوائك وعاندت أنانيتك المفرطة وحبك لنفسك دون سواك .

هل كنت تفضل وطنا آخر غير هذا الوطن الجريح وأنك ولدت خطأ في هذا المكان حملتك على حين غفلة تلك الريح وانني أنا ووالدتك لسنا والديك الحقيقيين لاختلاف جيناتك كما تظن وتعتقد .. ولذلك فأنت لن توقف أبدا فرق البحث الفضائي مخترقا كل السماوات والمدارات مسابقا الكواكب والنجوم وستنزل لعمق كبير جدا وأنت تسبر غور هذا الكون حتى تجد وطنا ملائما وعائلة مناسبة لطالما بحثت عنهما في خيالك ولم تجد لهما أي أثر .

أنت تعلم علم اليقين أن وجودك بيننا قيد يربطك بخيط وهمي رفيع سرعان ما سينقطع مع مرور الوقت وأنك في لحظة ما ستحزم كل ملابسك وكتبك وأفكارك وذكرياتك في حقيبة للرحيل قاطعا تذكرة سفر بلا عودة تاركا لنا كلا الحسرة والحزن على غيابك ..

قالوا يا ولدي الأب هو ذلك الانسان الذي تطلب منه نجمتين فيأتي محملا بالسماء .. قد حملت لك السماء مرارا حتى أحرقت شمسها يداي لكنك كنت غافلا بنفسك ولاهيا بوالدك الجديد ذلك الهاتف الذكي الذي ابتعته لأرسم الابتسامة على وجهك وارى السعادة في عينيك فأخذك بعيدا عنا لعائلة أخرى تلك الشبكة العنكبوتية الضخمة فلم تعد تشعر بوجودنا حولك أو ترانا حين نمر بالصدفة بالقرب منك فهلا قبلت اعتذارنا إذا يوما أزعجك بقاؤنا بجانبك واشتراكنا معك في ذات المكان وتحت سقف بيت متواضع ونعتذر لك أيضا إذا شعرنا يوما لك بالحنين ودون وعي منا نادينا بإسمك فشغلناك عن عالمك الخاص وانقطع اتصالك لبرهة بذلك التطور الذي قتل فيك المشاعر والاحساس .. !!

نعم أنت محق فأنا لست ملاكا ولست نبيا مرسلا ولم ينزل علي وحي من السماء يهمس في وجداني ويرشدني السبيل ..
نعم ولدي الكثير من الأخطاء والذنوب مثل كثير من البشر وقلما يخلو انسان منهما يا ولدي .. لكن لدي جوانب مضيئة في نفسي تذهب هذا الظلام الحالك الذي يغلف نظرتك لي فلماذا لم ترَ مني سوى هذا السواد القاتم جاعلا ذلك الجانب شماعة تعلق عليها كل ذنوبك وأخطائك وكيف لك أن تصرح أمامي أنك لا تحبني ..!! وقد كان يكفيني منك كذبة بيضاء تشير فيها أن القليل من الحب خير من لاشيء وأغمض عينيك بعد ذلك لكي لا أرى فيها ما ينفي ذلك ويفسد في خيالي تلك الكذبة الجميلة .. !!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى