قصة

عابر سبيل تلمع عيناه بقوة!

رعد الإمارة

1 (أبي 😢) كنا نخوض في مياه الجدول الطويل عندما انسابت الأفعى النحيلة! تسمر أبي في مكانه وسكنت حركته، أما أنا فكدت أن ابلل نفسي من الذعر والخوف الذي اكتسى ملامحي! وضع ابي كلتا يديه تحت جسد الأفعى المنساب برشاقة على صفحة المياه، رفعها بخفة وازاحها بعيدا عن مكان شباك الصيد، التي انتصبت قصباتها بكبرياء! واصل أبي عمله بصمت أما أنا فأخذ رأسي يتحرك مثل بندول الساعة، رحت أتلفت يمنة ويسرة!لقد ادهشني مافعله أبي ذو العينين الزرقاوين، وادهشني أيضا سرعة اختفاء أفعى الماء المرقطة النحيلة، لكن أكثر ما أصابني بالدهشة هو اقدامي المسمرة في وحل الجدول والتي أبت أن تتحرك! هتف بي ابي بعد لحظات بضرورة الخروج من المياه، ومنح السمك فرصة للدخول في فخ الشبكة، كان يقف على حافة الجدول، رحت احدق في قدميه المغروزتين في الطين وأنا ارمش! كرر ندائه :
-لماذا تقف عندك! أخرج بسرعة. انتبه لحالتي، عقد مابين حاجبيه، مد يده ذات العروق البارزة، رحنا نحدق ببعضنا، كان سروالي يقطر ماء. جلس ابي وأخرج من كيس من الجوخ بعض حبات من التمر ورغيف خبز بيتي كبير، عاودته نوبة الربو، ظل يسعل للحظات حتى احمر وجهه، كنت ارتجف، ثمة هواء بارد أخذ يهب الآن، وجدته يحدق في سروالي الذي غطاه الماء، نهض بعد أن دس قطعة كبيرة من الخبز في فمه وأخذ يلوكها، راح يجول ويبحث بنشاط خلال العشب، جمع كمية لابأس بها من الاعواد الجافة، سحبني من يدي دون أن ينبس بحرف ثم أضرم النار في الاعواد الجافة، التي راحت تحتضر. كان الدفء قد شاع في أجسادنا، قضى ابي معظم الوقت في تأمل الشبكة، نهض بعد أن سعل مرتين وراح يخوض في الماء، حاولت النزول خلفه، لكنه التفت بسرعة وأشار لي بالبقاء قرب النار المتوهجة! قرفصت في مكاني وأنا أتلفت، قد تكون الأفعى في أي مكان الآن! راح أبي يجس الشبكة التي بدت ثقيلة بيديه الماهرتين، سمعته يتمتم مع نفسه ويضحك بسرور، ثمة سمك كثير، لم يسمح لي بالنهوض، أخذ يجمع السمك بنفسه ثم قام بدسه في كيس رمادي طويل، أخذ بعدها ينظف الشبكة مما علق فيها من أعشاب واوساخ ثم لفها بعناية، ربط القصبتين مع بعضهما بحبل قصير ثم ثبتهما بقوة إلى جرف الجدول، شمل المكان بنظرة فاحصة أخيرة ثم جمدت نظرته في وجهي وأشار بحاجبه لي. كان يسير أمامي بسرعة، لم أعد أتلفت يمنة ويسرة! كنت فقط احدق في قدميه الحافيتين المشققتين. قبل أن نطرق الباب، كانت أمي قد فتحته على سعته، راحت تبحث عني بنظراتها القلقة، لمعت عيناها وهي تواصل التحديق في سروالي الطيني اللون! قبلت اختي يد أبي فيما اسرعت شقيقتي الأخرى بحمل الأغراض عنه، كان الماء الساخن في انتظار ابي كالعادة، لم يطل اغتساله كثيرا ،لكنه عندما خرج وتوسط أمي والبنات راح يمزح معهن، نحن جائعان! هكذا همس لأمي وهو ينظر لي،ثم تمتم بصوت حنون، دعيه يستحم أولا،دنت امي مني، راحت تعبث بخصلات شعري، كنت ما أزال ارتجف، قالت :
-هل انت متعب، مريض حبيبي!. أشار لها ابي بيده :
-اتركيه، أنه فقط مستبرد! راح ابي يضحك فجأة، وهو يقلد حركة الأفعى بيده، فيما أخذت أمي وشقيقتاي يتابدلن النظر فيما بينهن وقد علت الدهشة محياهن!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى